الحربش: «أوفيد» وضع مكافحة فقر الطاقة على خريطة برامج التنمية الدولية

  • 12/5/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

«عندما كنت طفلاً في بلدة الرس الصغيرة، لم أسمع قطّ بالكهرباء... كانت والدتي تؤنسني وأنا أراجع دروسي تحت نور فانوس الكيروسين، لتطفئه عند حلول منتصف الليل بنفخة واحدة». قد تبدو هذه الذكرى مجرّد استرجاع مُبهم لتاريخ بعيد، لكنّها في الحقيقة ألهمت مشروعاً تنموياً ساهم في إخراج الكثيرين من فقر الطاقة خلال السنوات الماضية. هذا المشروع حمله سليمان الجاسر الحربش، صاحب هذه الذكرى الراسخة في أربعينات القرن الماضي والمدير العام لصندوق «أوبك» للتنمية الدولية (أوفيد) الذي خصّص منذ نشأته أكثر من 20 مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في بلدان نامية عبر العالم. استرجع الحربش، في حديث مع «الشرق الأوسط» بمكتبها في العاصمة البريطانية لندن، أسباب شغفه بالعمل التنموي ومكافحة الفقر الطاقي. وروى بحنين إلى الماضي ممزوج بالكثير من التفاؤل بالمستقبل مختلف المحطات التي مرّ بها صندوق «أوفيد» منذ نشأته وحتى اليوم، والتحديات التي واجهها في مسيرته لوضع مكافحة الفقر الطاقوي في خريطة برامج التنمية الدولية. من البترول إلى التنمية بدأ الحربش حياته الوظيفية من وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية في عام 1962، حيث عاصر ثلاثة وزراء بترول، هم أحمد زكي يماني وهشام ناظر وعلي النعيمي. ويقول مدير عام «أوفيد» إن آخر وظيفة تولاها تمثلت في منصب محافظ المملكة في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك». ويقول الحربش: «أُسندت لي عدة مهمات، كان من بينها التفاوض مع الحكومة النمساوية لإبقاء الأمانة العامة لـ(أوبك) في فيينا، بعد أن طالب كافة المحافظين بانتقالها من فيينا ما لم تُمنح مبنى بالمجان». وتابع الحربش: «أسندت لي قبل ذلك عدة مهام، من أبرزها ترأسي لمجلس إدارة شركة الحفر العربية، ومجلس إدارة شركة (تكساكو) العربية التي تستغل المنطقة اليابسة بين المملكة والكويت، فضلاً عن شغلي لمنصب رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية الوطنية للنقل البحري، حيث نجحنا في توزيع سبعة ريالات للسهم الواحد للمرة الأولى في سنة عادية». وفي عام 2003، رُشّح الحربش لشغل منصب مدير عام لصندوق «أوبك» للتنمية الدولية (أوفيد). وأوضح أنه عاصر نشأة «أوفيد»، قائلاً إنه «في مطلع عام 1975 كانت هناك نية من وزراء البترول في (أوبك) أن يكثّفوا التعاون مع الدول النامية، ومن ثمّ نشأت فكرة إقامة صندوق لدعم هذه الدول في كافة أرجاء المعمورة». وتابع: «أذكر أنني كنت عضواً في الوفد السعودي الذي ترأسه أحمد زكي يماني، وزير البترول آنذاك، لحضور مؤتمر تحضيري لقمة الجزائر في فيينا، وناداني إلى غرفته وأعطاني خطاباً مغلقاً معنوناً إلى الملك فيصل بن عبد العزيز، لكنه طلب مني أن أسلمه إلى الملك فهد بن عبد العزيز (الأمير فهد آنذاك). وبعد أن سلّمت الخطاب، طلب مني الأمير فهد الذي كان يترأس وفد المملكة مرافقته إلى قمة الجزائر. وأثمرت تلك القمة عن بيان مشهور، هو بيان الجزائر، الذي شهد ولادة فكرة (أوفيد). وبعد سنة من ذلك، وفي 28 يناير (كانون الثاني) 1976 تحديداً، قام وزراء المالية في الدول الأعضاء بإنشاء الصندوق بصورة مؤقتة، ليرى النور بشكله الحالي في عام 1980». وشدّد الحربش مراراً على أن «أوفيد» ليس فرعاً لـ«أوبك»، وإنما «صندوق دولي مستقل مسجّل لدى الأمم المتحدة، ومعترف به لدى البنك الدولي، وله اتفاقية مقرّ مع حكومة النمسا، ويُدار من لدن وزراء مالية الدول الأعضاء في (أوبك)؛ وليس وزراء البترول أو الطاقة». وتابع الحربش أن الصندوق التي يقوده منذ 14 عاماً «غير مسيّس» ويدعم مختلف الدول في العالم النامي دون تفرقة على أساس الجنس أو اللون أو الدين. واستدلّ الحربش على ذلك بالقول: «نخدم 134 دولة في العالم، وأفريقيا تستأثر بما لا يقل عن 50 في المائة من نشاطنا بسبب انتشار الفقر في هذه المنطقة. ولدينا نحو مائتي موظف من 30 دولة في العالم، وخمسون في المائة من موظفينا من النساء اللائي يشغلن مناصب ريادية داخل الصندوق». ويحلو للحربش أن يفرّق بين القيادة والإدارة، ويقول إن القائد هو الذي ينجح في نقل مبادئه وحماسه إلى فريق عمله، وهو ما نجح في تحقيقه خلال السنوات التي قاد فيها «أوفيد». وذكر الحربش أنه إلى جانب الدعم المباشر الذي يقدّمه «أوفيد» للقطاعين العام والخاص في الدول النامية، أطلق الصندوق التنموي برامج ومبادرات تسهم في مهمة القضاء على الفقر، من أبرزها المنح الدراسية للطلاب من الدول النامية، وبرنامج منح خاص لدعم الشعب الفلسطيني، وإنشاء «جائزة أوفيد» السنوية للتنمية، فضلاً عن الدور الرائد الذي اضطلع به الصندوق منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 في تنفيذ استراتيجية القضاء على فقر الطاقة. مشروع اجتثاث فقر الطاقة بين كل المبادرات التي أشرف الحربش على إطلاقها من خلال «أوفيد»، يحتلّ مشروع مكافحة فقر الطاقة مكانة خاصة، ويتحدث عنه بفخر واعتزاز يفوقان غيره من المبادرات التنموية التي قادها لما يحمله من حنين إلى طفولته في مدينة الرس السعودية. ويعتبر الحربش أن نواة مبادرة مكافحة فقر الطاقة وُلدت خلال قمة «أوبك» الثالثة التي استضافتها المملكة في الرياض عام 2007. وقال إنه قبل انعقاد القمة، «طُلب منا إعداد مسودة تعالج موضوع الطاقة للفقراء. وفعلاً، أرسلناها إلى الزملاء في وزارتي البترول والمالية، وأُخذ بها في خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز، ووردت في المادة السادسة من الفصل الثاني (الطاقة والتنمية المستدامة) للبيان الختامي، التي وجّه من خلالها قادة دول (أوبك) المنظمات التنموية ببحث سبل اجتثاث فقر الطاقة». ومن هنا، تسارعت الخطوات وعقد «أوفيد» أول ورشة عمل مخصصة لفقر الطاقة بأبوجا عاصمة نيجيريا في يونيو (حزيران) 2008. وخرج المشاركون بنتيجة لم يستغربوها؛ هي أن معضلة فقر الطاقة المتفشية في أفريقيا بحاجة إلى حل دولي شامل. ثم في وقت لاحق من العام نفسه وعندما ارتفع سعر خام تكساس إلى 147 دولاراً للبرميل، دعت المملكة إلى اجتماع طارئ في جدة، وألقى الملك عبد الله خطاباً بهذه المناسبة، التي حضرها قادة الدول المنتجة والمستهلكة البترول. ودعا الملك إلى تخصيص مليار دولار للقضاء على فقر الطاقة. وبحلول يونيو 2011 تمكّن الحربش من إقناع وزراء المالية الذين يديرون المجلس الوزاري في «أوفيد» بتخصيص هذا المبلغ للصندوق. وبعد ذلك بأربعة أشهر، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مبادرة «الطاقة للجميع». وأوضح الحربش أن «أوفيد» قدّم مبادرة القضاء على فقر الطاقة للعالم على أنها الهدف التاسع من الأهداف الإنمائية للألفية التي وضعتها الأمم المتحدة لمكافحة الفقر في العالم (والتي تشمل القضاء على الفقر المدقع، وتعميم التعليم الابتدائي، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتخفيض معدّل وفيات الطفل، وتحسين الصحة النفاسية، ومكافحة فيروس المناعة البشرية، وكفالة الاستدامة البيئية، وإقامة شراكة عالمية)، لافتاً إلى أنه «لا تنمية دون طاقة». يُذكر أن فقر الطاقة يتمثّل في معاناة 1.3 مليار نسمة في العالم من انعدام كهرباء. وبدا أن مبادرة اجتثات فقر الطاقة التي أطلقها «أوفيد» لقيت استجابة دولية واسعة، إذ أدرجتها الأمم المتحدة في قائمة أهداف التنمية المستدامة الـ17. ولعب الصندوق وفق الحربش دوراً ريادياً في هذا الإطار، «وهو دور شهد له بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة السابق، والدكتور جيم يونغ كيم رئيس البنك الدولي»، على حدّ قوله. وعودة إلى سبل اجتثات فقر الطاقة، قال الحربش إن الاستراتيجية تقوم على ثلاثة محاور عملية. الأول يتمثّل في حملة إعلامية واسعة تهدف إلى تعميق الوعي بهذا الخلل في برامج التنمية. المحور الثاني يُطبّق عبر مشاريع على الأرض وحلول «Off Grid» (خارج الشبكة)، عبر توزيع مصابيح كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية بالتعاون مع مؤسسة «شل» في رواندا وتنزانيا وكينيا، وغيرها من المشاريع في دول أخرى. أما المحور الثالث، فيمرّ عبر تحالف مع مجلس البترول العالمي وشركات البترول لتأليف منصة الحصول على الطاقة (Energy Access Platform) مع «توتال» و«شل» والشركة الوطنية النمساوية، وغيرها. ارتباط خاص بفلسطين استرجع الحربش ذكرى ذهابه إلى مدرسة الرس الابتدائية مرّة أخرى، ليستدلّ بها هذه المرة في شرح سبب ارتباطه العميق بفلسطين وأهلها. ويقول الحربش: «بعد سنوات قليلة من التحاقي بالمدرسة الابتدائية واحتفاء أُمي بي بعد أول يوم دراسي بالزغاريد، أخبرني والدي بأنه في اليوم نفسه الذي ذهبت فيه إلى المدرسة محمّلاً بكُرّاسي وقلمي، تشرّد آلاف الأطفال الفلسطينيين في سنّي وأُخرجوا من مدارسهم»، وتابع: إنها «النكبة». واستطرد أنه «منذ ذلك اليوم، أصبحت حقيقة ما حلّ بفلسطين وأطفالها جزءاً من حياتي اليوميّة». وفي تجسيد لهذا الارتباط، فتح «أوفيد» حساباً خاصاً بفلسطين، عن طريق برنامج منح دراسية مخصص لطلابها. وذكر الحربش آخر زيارة قام بها إلى الضفة الغربية في عام 2014. وقال إن «أوفيد» قدّم آنذاك عدّة منح عن طريق «مؤسسة محمود عباس» وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، و«الأنروا» في مخيم شعفاط، ومعهد إدوارد سعيد للموسيقى. ويرقب الحربش القيام بزيارة أخرى إلى فلسطين في شهر مارس (آذار) من العام المقبل.

مشاركة :