حين يغدو الجسد كلمة: قراءات في الأوبرا والباليه بقلم: عواد علي

  • 12/5/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتبة الجزائرية بهاء بن نوار ركزت على أهمية العمل الأدبي المنتقى، وإبراز خصوصياته ومقوماته التي أهلته لأن يقتبس ويطوع إلى مجالي الموسيقى والرقص. العرب عواد علي [نُشر في 2017/12/05، العدد: 10833، ص(15)]انفتاح على مجال الفنون الأدائية الراقية في نوفمبر الماضي أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب في أبوظبي عن القائمة الطويلة لفرع المؤلف الشاب في دورتها الثانية عشرة (2017- 2018)، مشتملة على اثني عشر كتابا، من بينها كتاب الباحثة الجزائرية بهاء بن نوار “حين يغدو الجسد كلمة: مقاربات في الأوبرا والباليه”، وهو كتاب يبحث في موضوع جديد، وينفتح على مجال الفنون الأدائية الراقية: الأوبرا والباليه، ويضم قراءات تطبيقية، توزعت على ستة فصول، مع مقدمة نظرية تقف فيها المؤلفة على بعض المفاهيم العامة، وتوضح منهجها، ورؤيتها، وغايتها من تأليف الكتاب، الصادر عن دار فضاءات في عمان. من الإشكالات المفصلية التي تعرضت لها هذه المقدمة، وتم بسطها تطبيقيا في متن الكتاب، العلاقة بين فني الأوبرا والباليه اللذين لم يكن من محض المصادفة أن تتداخل نماذجهما، وتتقارب تقنياتهما، فكان مجال الأول متداخلا أشد التداخل مع مجال الثاني، متماهيا معه، وكان كلاهما لصيقا أشد اللصوق بعالم الأدب، وملتقطا أهم نماذجه وروائعه العالمية الكبرى. تقول الكاتبة، موضحة منهجها، الذي اعتمد حصرا على مقاربة “الليبريتو” دون المجال التقني، الذي يعني المختصين والممارسين العمليين “لم يكن هذا الكتاب ليكون لولا رغبتي الكبيرة في الانفتاح على مجال فني مواز للأدب ومحاذ له، وهو مجال الفنون الأدائية الراقية، وتحديدا: الأوبرا والباليه، هذان الفنان المتاخمان لفن الأدب والقريبان منه، حيث أن أغلب روائعهما ونماذجهما الكبرى لم تكن في الأصل سوى أعمال أدبية رائدة وناجحة. ولم يكن اختيار هذا الموضوع متاحا وسهلا لولا أن قصرت جهدي في نقطة واحدة لا أحيد عنها، هي تحليل البناء الدرامي، وتأمل تفاصيل ‘الليبريتو’ ومقاطعه التي قد تقترب من الأصل المرجعي إلى حد التكرار والتماهي، وقد تبتعد إلى حد الانفصام، والقطيعة النصية، فلم يكن ممكنا مع تخصصي الأدبي المجازفة باقتحام إجرائي لمجالات معرفية وفنية بعيدة كل البعد عنه؛ مجالات التحليل الموسيقي والتلقي النغمي والحركي الذي تفرضه خصوصية كل من الأوبرا والباليه، اللذين يعد كل واحد منهما فرعا تخصصيا مستقلا بذاته، ويتطلب التمكن من أبجدياته وتقنياته ومصطلحاته سنوات طويلة من الدراسة والمتابعة والممارسة الكادحة أيضا”. قام الهيكل المنهجي للكتاب على مجموعة محاور تمثلت في: توطئة ركزت فيها الكاتبة بهاء بن نوار على أهمية العمل الأدبي المنتقى، وإبراز خصوصياته ومقوماته التي أهلته لأن يقتبس ويطوع إلى مجالي الموسيقى والرقص. مرجع تإطيري اقتربت فيه من المجال الفني، الذي حول إليه النموذج الأدبي، بعرض أهم مميزاته، ورصد أبرز عروضه، وجماليات أدائه. نقاط التعالق والافتراق، وفيها عرضت أهم العناصر التي طبعت العمل الأدبي، وحافظ عليها العمل الثاني المقتبس عنه، وكذلك العناصر والتفاصيل التي قد تضيفها النسخة المقتبسة إلى المرجع الأدبي أو تحذفها منه، انسجاما مع خصوصياتها الأدائية المختلفة كل الاختلاف عن خصوصية الأدب القرائية. وأخيرا قراءة في النموذج المنتقى، وفيها حاولت انتقاء نسخة واضحة صالحة للمقاربة والتحليل، والعمل على استجلاء جمالياتها، وتسليط الضوء على مواطن القوة أو الضعف في أدائها. كما وضعت الكاتبة بن نوار ملحقا للكتاب يضم شقين؛ أولهما البطاقة التقنية للنموذج المنتقى لإثبات أهم معلوماته وبياناته، مثل اسم المخرج، ومصمم الرقصات، ومهندس الديكور، ومسؤول الإضاءة، وأسماء المؤدين، ومكان العرض وتاريخه. وثانيهما نماذج منتقاة من الصور المعبرة عن نموذج العرض، بهدف ربط ذهن القارئ بأجوائه الفنية، وتشجيعه على مشاهدته وتتبع تفاصيله مباشرة دون وسيط. وقد جاءت نماذج الكتاب وفصوله التطبيقية نتاج قراءات أدبية لنصوص مختارة لنخبة من كبار الكتاب العالميين، مثل ألكسندر ديماس الابن، وشكسبير، وفيكتور هيغو، وتولستوي، وميريميه، وغيرهم. وحرصت الكاتبة على توفر قاسم مشترك بينها جميعا، تمثل في التركيز، أولا، على الأعمال ذات الطابع التراجيدي، التي تنتهي نهايات فاجعة، والمكرسة مركزية فكرة المأساة، وتبوئها ركنا مكينا من أرقى ما وصلنا من آداب وفنون، حيث الحاجة الإنسانية الملحة إلى ذرف الدموع، ونفث الزفرات، وتأمل بؤس الوجود وفداحة المصير. ثم التركيز على مآسي النساء ومصائبهن تحديدا، حيث ارتكزت جميع الأعمال المنتقاة على نموذج أنثوي يضطلع بالدور المفصلي، ويتجرع، أو يجرع غيره فنونا من العذاب والشقاء لينتهي به الأمر إلى نهاية دامية مدوية. وهكذا كانت جميع نماذج الدراسة أقنعة وأوجها أنثوية، تعددت فيها فصول المأساة، وتدرجت تفاصيلها، وكانت المرأة هي الضحية الأولى فيها؛ ضحية نفسها، أو ضحية ظروفها، وأسيرة قدرها.

مشاركة :