لبنان يطوي صفحة استقالة الحريري بمباركة دوليةأسدل الستار أخيرا عن الأزمة السياسية التي عصفت بلبنان منذ نحو شهر بإعلان سعد الحريري تراجعه عن الاستقالة من رئاسة الحكومة، ويأتي ذلك بمباركة دولية ترجمها إعلان باريس عقد اجتماع للمجموعة الدولية لدعم لبنان الجمعة للتأكيد على وجوب إنجاح العملية السياسية في هذا البلد.العرب [نُشر في 2017/12/06، العدد: 10834، ص(2)]ويستمر العهد بيروت - أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تراجعه عن الاستقالة ليطوي بذلك صفحة أزمة سياسية دامت قرابة الشهر، وكادت أن تأخذ البلاد نحو منعرج يصعب التكهّن بمآلاته. وجاء إعلان الحريري على إثر انعقاد أول جلسة لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون منذ اندلاع الأزمة في الرابع من نوفمبر الماضي، والتي تم تجديد العهد فيها مع سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة. وقال البيان الذي تلاه الحريري بنفسه إن “مجلس الوزراء قرر التزام الحكومة في كل مكوّناتها بسياسة النأي بالنفس عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب، وعن الشؤون الداخلية للدول العربية”. وأضاف الحريري هذا “النأي بالنفس” يأتي “حفاظا على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب”. وكان الحريري قد أعلن عن استقالته من الرياض في الرابع من نوفمبر الماضي، ردا على ما اعتبره تدخلات حزب الله في المنطقة، وسعي إيران إلى فرض الوصاية على لبنان. وقوبلت استقالة رئيس الوزراء اللبناني التي فاجأت المقربين قبل الخصوم، برفض من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي دعا الحريري إلى العودة إلى لبنان وتوضيح ملابسات هذه الخطوة، فكان أن عاد رئيس الوزراء إلى بيروت بعد جولة خارجية قادته إلى كل من أبوظبي وفرنسا ومصر. ونجح عون في إقناع الحريري بوجوب التريّث في تقديم الاستقالة، لفسح المجال أمام المشاورات مع القوى السياسية وبخاصة مع حزب الله لإقناعه بضرورة العدول عن سياساته بما يجنب لبنان مخاطر التهديدات التي تحيط به. واعتمدت حكومة لبنان مبدأ النأي بالنفس منذ تشكيلها عام 2016، لكن تدخل حزب الله في النزاع السوري والاتهامات السعودية له بالضلوع في النزاع اليمني ألقيا بثقلهما على هذه السياسة. استقالة سعد الحريري لا تعدو أن تكون سوى "حركة احتجاجية" أو "صدمة إيجابية" كما عبر عنها رئيس الوزراء بنفسه ويشارك حزب الله اللبناني المدعوم من طهران والمشارك في حكومة الحريري، منذ 2013 في النزاع في سوريا إلى جانب النظام. ورفض الحريري على الدوام مشاركة حزب الله عسكريا في الحرب السورية. ويرى مراقبون أن تراجع الحريري عن الاستقالة كان أمرا متوقعا، خاصة وأن الأخير أبدى في الأيام الماضية مرونة كبيرة، وأظهر رغبة في التراجع عن تقديم استقالته لجهة الظرفية التي تمر بها المنطقة والتي تستوجب الوحدة بين اللبنانيين. وفي مداخلة له في بداية جلسة مجلس الوزراء قال الحريري “نحن كحكومة مسؤولون عن حماية البلد من المخاطر التي تواجهه”. ودعا الحريري إلى “العمل لتجنيب البلاد صراعات المنطقة والمحافظة على الاستقرار”، مشيرا إلى “ضرورة عدم التدخل في شؤون دول شقيقة أو صديقة أو التهجّم عليها في وسائل الإعلام”. وقال “علينا أن نضع مصالح لبنان واللبنانيين أولا وأن نعلن قرارنا بالنأي بالنفس قولا وفعلا”. وأضاف “إذا كنا نرفض أن تتدخل أي دولة في شؤون لبنان فلا يجوز بالتالي لأي فريق لبناني أن يتدخل في شؤون الدول العربية وخصوصا دول الخليج، إذ أن مصلحتنا تكمن في حماية علاقاتنا التاريخية مع كل الدول”، مشددا على أنه “لن أقبل أن يضحي أحد باستقرار البلاد مهما كانت الظروف وحماية لبنان تبقى فوق كل اعتبار”. وتقول أوساط سياسية إن قاعدة النأي بالنفس التي بنى عليها الحريري قراره بالعدول عن الاستقالة شكلية، فحزب الله لا يزال منخرطا في النزاع السوري، وفي أكثر من جبهة أخرى. ويشير هؤلاء إلى أن المسألة الوحيدة التي قد ينصاع لها الحزب هي كف ألسنة قيادته عن مهاجمة دول الخليج في المنابر الإعلامية. ويوضح هؤلاء أن استقالة الحريري لا تعدو أن تكون سوى “حركة احتجاجية” أو “صدمة إيجابية” كما عبر عنها رئيس الوزراء بنفسه، ولكن لم تكن هناك نية للسير بها بعيدا. ويلفت هؤلاء إلى أنه وإن طوي هذا الفصل، فإن أزمة لبنان ستظل مستمرة ما لم ينه فعليا حزب الله تدخلاته في المنطقة، وينزع سلاحه. ويشير هؤلاء إلى أن النقطة الإيجابية التي أظهرها هذا الفصل من فصول أزمة لبنان المركبة، هو تمسك المجتمع الدولي بالحفاظ على استقراره، في ظل موجة العنف التي تعيش على وقعها المنطقة. وبالتزامن مع إعلان الحريري عن التراجع عن الاستقالة أعلنت الخارجية الفرنسية عن انعقاد مؤتمر للمجموعة الدولية الداعمة للبنان في باريس الجمعة. وذكرت الخارجية أن رئيس الحكومة اللبناني سيلتقي في باريس كبار مسؤولي المجموعة الدولية الداعمة للبنان بينهم وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في خطة تهدف بالأساس إلى دعم العملية السياسية في لبنان في هذه الفترة الحساسة. واجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان سيضم ممثلين عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بينهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون إضافة إلى ألمانيا وإيطاليا ومصر. ويتوقع أن يخرج هذا الاجتماع بالتأكيد على وجوب دعم المؤسسات اللبنانية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية التي تواجه تحديات كبيرة في الداخل وعلى الحدود مع سوريا.
مشاركة :