في خطوة تلغي سياسة أميركية قائمة منذ عشرات السنين، وتهدد بإثارة اضطرابات جديدة في الشرق الأوسط، اعترف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكنه شدد على أن الوضع النهائي للمدينة سيظل رهناً بالمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. رغم كل التحذيرات الدولية والعربية والإسلامية، نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعده الانتخابي، واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووجه وزارة الخارجية إلى البدء بنقل السفارة الاميركية من تل أبيب إلى القدس "بأسرع وقت ممكن"، مثيراً غضباً عارماً في العالمين العربي والاسلامي، واستياءً دولياً منذ هذه الخطوة التي قد تؤدي إلى تصعيد خطير على الأرض. وفي خطاب لقي متابعة عالمية، ظهر ترامب وخلفه نائبه مايك بنس، ليعلن اعترافه بإسرائيلية القدس، مشيراً الى أن الولايات المتحدة اعترفت بدولة إسرائيل منذ عشرات السنوات، وأن أي دولة ذات سيادة يحق لها اختيار عاصمتها. ورغم قراره الاستفزازي، دعا الرئيس الاميركي الى "الهدوء والى الاعتدال ولكي تعلو اصوات التسامح على اصوات الكراهية"، مؤكدا ضرورة أن تظل القدس "مكانا للعبادة لليهود والمسيحيين والمسلمين". وإذ شدد على أن القدس "حاضنة لأهم الديمقراطيات في المنطقة"، رأى ترامب أن "هذا الإعلان قد تأخر وأن تأخيره لم يجلب خيرا للسلام في المنطقة" واعتبر أن قراره يعكس "مقاربة جديدة" إزاء النزاع العربي الاسرائيلي"، مضيفا ان نائبه بنس سيتوجه خلال ايام الى المنطقة لدفع عملية السلام ووعد ببذل قصارى جهده من اجل الايفاء بالتزام بلاده بالتوصل الى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، مؤكدا ان الولايات المتحدة تؤيد "حل الدولتين". وفي وقت لاحق، وقع ترامب قرار تأجيل نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس مدة 6 أشهر. وفي أول رد فعل، شكر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ترامب على "القرار التاريخي المشرف"، معتبراً أن أي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين يجب أن يقوم على اساس ان القدس هي عاصمة لإسرائيل داعيا الدول الاخرى الى نقل سفاراتها الى المدينة المقدسة، لكنه شدد على ان لا تغيير في الوضع القائم في القدس. في المقابل، قالت منظمة التحرير ان اعلان ترامب يدمر حل الدولتين، بينما قالت "حماس" ان القرار فتح أبواب جهنم على المصالح الاميركية. وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون ان فرنسا لا تؤيد قرار ترامب الاحادي، ودعا جميع الاطراف الى الهدوء وتجنب العنف. وكان مسوؤل أميركي قال في وقت سابق إنه لا جدول زمنياً لعملية نقل السفارة التي ستتطلب "سنوات"، نظراً الى الحاجة لإيجاد موقع لها وتشييد بناء جديد وتمويله. وأوضح أن إعلان ترامب هو مجرد إقرار بالواقع، إذ إن جميع المؤسسات الحكومية الاسرائيلة تتمركز أصلا في القدس، مشدداً على أن قضية الحدود والسيادة سوف تحدد عبر المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأكد أن ترامب أوضح بجلاء أن الولايات المتحدة لن تتخذ موقفا من تقسيم القدس او كيفية ترسيم الحدود بين الجانبين، ولم يعلن موقفا اميركيا يحدد من سيتولى السلطة على الأماكن المقدسة في المدينة القديمة بالقدس الشرقية. وقال المسؤول أيضا إن ترامب طمأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنه سيحمي المصالح الفلسطينية في اي اتفاق للسلام مع اسرائيل، ووجه إليه دعوة لزيارة واشنطن، لكن عباس قال إنه لن يتمكن من تلبية الدعوة لفترة طويلة، على حد تعبير المسؤول. تيلرسون وأعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، خلال مؤتمر صحافي في مقر الحلف الأطلسي في بروكسيل، أن ترامب "ملتزم بشدة" بعملية السلام. تحذير إسرائيلي في المقابل، ورغم تحذير وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، الفلسطينيين من الخروج في احتجاجات عنيفة، تظاهر مئات من الفلسطينيين الغاضبين في قطاع غزة، وأحرقوا صور ترامب وأعلاما اسرائيلية واميركية. واندلعت مواجهات بين فلسطينيين والجيش الإسرائيلي على مدخل مخيم العروب للاجئين في الخليل في الضفة الغربية، خلال تظاهرة، احتجاجا على الخطوة الأميركية. ودعت حركة "حماس" الى مسيرات غضب في القطاع. وأعلنت الفصائل الفلسطينية أن أمس واليوم وغداً "أيام غضب شعبي" للتظاهر والاعتصام في مراكز المدن وأمام مقار القنصليات والسفارات، احتجاجاً على قرار ترامب. وطالب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ردا على قرار الولايات المتحدة. وقال كبير المبعوثين الفلسطينيين لدى بريطانيا مانويل حساسيان إن اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل "إعلان حرب". كما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى "ضرورة بذل كل الجهود وتنحية الخلافات جانبا، والعمل الفوري على تحقيق المصالحة الوطنية، لمواجهة المخاطر الجمة التي تحدق بقضيتنا الفلسطينية على الصعد كافة". خطوة تاريخية وأثنى وزراء إسرائيليون على الخطوة، واصفين إياها بالتاريخية. وقال وزير التعليم نفتالي بينيت، الذي يتزعم حزب "البيت اليهودي" اليميني القومي المتطرف: "أدعو كل الدول إلى اتباع الولايات المتحدة والاعتراف بالقدس عاصمة يهودية وغير مقسمة". واعتبرت وزيرة العدل إيليت شاكيد، وهي أيضاً من الحزب ذاته، أن القرار "انتصار للشعب الأميركي والروح الاميركية". ورأى وزير المواصلات والاستخبارات إسرائيل كاتز من حزب "ليكود" الذي يتزعمه نتنياهو أن القرار الاميركي يعني ان "هذا يوم تاريخي". وأكدت مصادر أن نتنياهو طلب من الوزراء عدم التطرق الى الإعلان الاميركي، وأنه عبر عن مخاوف من اندلاع انتفاضة. مفاوضات أما المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الاوسط نيكولاي ملادينوف، فأكد ان وضع مدينة القدس يجب ان يكون موضع تفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين. وفي عمان، حذر العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون من "تبعات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة" لقرار ترامب. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن بلاده تنوي الدعوة لاجتماع طارئ للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي يومي السبت والأحد المقبلين. المغرب وإيران وأعلنت الخارجية المغربية أنها استدعت كلا من القائمة بأعمال السفيرة الأميركية لدى الرباط وسفراء روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وفلسطين لبحث تطورات الأحداث الأخيرة حول القدس. وفي طهران، أعلن الزعيم الإيراني علي خامنئي، أمس، إن نية الولايات المتحدة نقل سفارتها الى القدس وقولها إنها تريد إعلان المدينة عاصمة لفلسطين المحتلة علامة على عجزها وفشلها. وقال خامنئي إن "العالم الاسلامي لا شك سیصمد أمام هذه المؤامرة، وإن الصهاینة بفعلتهم هذه سیتلقون ضربة کبرى، ولا شك فإن فلسطین الحبیبة ستتحرر بالتالي وسينتصر الشعب الفلسطيني". من ناحيته، أعلن الرئيس حسن روحاني: "القدس تخص الإسلام والمسلمين والفلسطينيين، ولا مكان لمغامرات جديدة يقوم بها طغاة عالميون"، مضيفاً في خطاب أمام مسؤولين في طهران، أن إيران تريد تحقيق "السلام والاستقرار في المنطقة، لكنها لن تتهاون فيما يتعلق بانتهاك المواقع الإسلامية المقدسة". وتابع: "لن يتحمل أي شعب مسلم بما في ذلك شعب إيران انتهاك الطغاة والصهاينة للمواقع الإسلامية المقدسة". إردوغان ودعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الى قمة لقادة دول منظمة التعاون الاسلامي في اسطنبول في 13 ديسمبر. وحذر الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين من أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس سيشكلان "خطأ فادحاً". وأضاف كالين: "القدس هي شرفنا... هي قضيتنا المشتركة وهي خطنا الاحمر"، داعيا الادارة الاميركية الى "العودة عن هذا الخطأ الفادح فورا". ودانت دمشق قرار ترامب، واصفة إياه بأنه "خطوة خطيرة"، وفق ما نقل الإعلام الرسمي عن مصدر في وزارة الخارجية السورية. وأعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن عزمها الاتصال ترامب، مشددة على ضرورة تقسيم القدس بين إسرائيل ودولة فلسطين المستقبلية. وأكدت كندا أنها لن تنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، وستبقي على سفارتها في تل أبيب، مؤكدة أنها ما زالت لا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. استنفار في مصر وأعلنت قوات الأمن المصرية، أمس، حالة الاستنفار القصوى، تحسبا لتظاهرات متوقعة لقوى سياسية ومدنية، ترفض القرار الأميركي. وقال مصدر أمني، إن توجيهات صدرت إلى القيادات الأمنية بجميع الاتجاهات الاستراتيجية المصرية بإعلان حالة اليقظة، تحسبا لصدور القرار وتداعياته الأمنية على الشارع المصري. وتابع المصدر أن التشديدات الأمنية تشمل شبه جزيرة سيناء، خصوصا المنشآت السياحية التي يتردد عليها الإسرائيليون، تحسبا لأي هجمات تستهدفها، حيث تقرر تشديد إجراءات التأمين حول السفارتين الإسرائيلية والأميركية في القاهرة، خشية أي هجوم إرهابي أو تظاهرات. لندن وأعلنت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي أمس أنها ستتصل بترامب، وذلك بعد أن أعرب وزير خارجيتها بوريس جونسون عن قلق بلاده حيال قراره بشأن القدس. وقالت ماي: "موقفنا لم يتغير. وضع القدس يتم تحديده في مفاوضات تسوية بين الاسرائيليين والفلسطينيين، والقدس يجب ان تكون عاصمة مشتركة". وكان جونسون قد أعلن أن قرار ترامب الوشيك يؤكد على الضرورة الملحة لخطة سلام جديدة للشرق الاوسط بقياد الولايات المتحدة. إجراءات أميركية وعززت فرق مشاة البحرية الأميركية (المارينز) وجودها في العديد من السفارات الأميركية في الشرق الأوسط، قبل إعلان ترامب المرتقب حول نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وقال متحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، في تصريح لموقع "فورن بوليسي" الأميركي: "لدينا خطط طوارئ في حالة اندلاع أعمال عنف"، في حين أكد مسؤولون أميركيون أنه قد تم إرسال فرق إضافية من مشاة البحرية الأميركية إلى عدد من السفارات الأميركية في الشرق الأوسط كإجراء وقائي.
مشاركة :