حماية البيئة ضرورة ملحة وليست ترفا نخبويا

  • 12/7/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

التمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية هو جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، التي من بينها حقوق الحياة والصحة، والحصول على الغذاء الكافي ومياه الشرب، وخدمات الصرف الصحي، والحق في مستوى معيشي لائق حتى وقت قريب كان كثير من الناس يرون الدعوات المطالبة بالحفاظ على البيئة نوعا من الترف النخبوي يمارسه المثقفون، ولا يتجاوز أثره مجرد الحديث في صالات مغلقة، أو كتابة مقالات تنشر على صفحات الصحف والمجلات، أو نقاش داخل قاعات الجامعات، لكن هذه النظرة غير الواقعية تغيرت بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، وازداد الحديث عن الموضوع بشكل كبير جدا، بعد أن ظهرت آثار الاستخدام السيئ للبيئة والموارد الطبيعية في صور كوارث شهدتها العديد من الدول في مختلف قارات العالم، وتراوحت بين الزلازل والأعاصير والفيضانات التي دمرت عشرات المدن، وأزهقت أرواح مئات الآلاف، كما ازدادت حالات الوفاة بسبب التسمم الناجم عن انتشار غازات سامة، تكاثفت وغطت سماء العديد من الدول، خصوصا في منطقة شرق آسيا، حيث تشاهد عيانا في هيئة سحب سوداء تغطي سماء عديد من المدن، مثل بكين ونيودلهي، مما أسفر عن مقتل الآلاف، حسب ما تؤكد مؤسسات طبية مرموقة في تلك الدول، مما دفع سلطاتها إلى فرض عقوبات مغلظة على من يتجاوزون القوانين، وصلت حد إغلاق تلك المصانع بصورة نهائية، رغم أهميتها الاقتصادية. وكذلك يعزو باحثون وأكاديميون انتشار الكثير من الأمراض، مثل سرطان الرئة وغيره من الأمراض الفتاكة، إلى تزايد تلك الغازات السامة في الجو. الدول المتقدمة، وإن كانت قد سبقتنا في التنبيه إلى تلك المشكلة منذ سنوات عديدة، نتيجة لظهور الآثار السالبة فيها بسبب تقدمها الصناعي، إلا أن الإسلام سبق الجميع إلى التنبيه من ذلك الخطر المحدق، حيث أوجد -سبحانه وتعالي- ترابطا لا يمكن التخلي عنه بين الإنسان والبيئة المحيطة به، ودعاه لحمايتها وإعمارها، ونهاه عن العدوان عليها. وتشير الكثير من الآيات القرآنية إلى ذلك، إضافة إلى الأحاديث النبوية التي منعت قطع الأشجار والاعتداء على حق الإنسان في التمتع بما وهبه الله للجميع من مصادر طبيعية، وأعلن في أكثر من موضع أن بني آدم شركاء في تلك الموارد، حيث يقول النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم: «الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار»، وهذه الشراكة تعني حتمية التزام الجميع بالاستخدام الأمثل لتلك الموارد، كل وفق حاجته ومتطلباته. وبسبب هذه التوجيهات الربانية امتازت المملكة التي تستمد تشريعاتها من الكتاب والسنة بالحرص على الدعوة لعدم إهدار الموارد، والتحذير من طغيان الإنسان على البيئة، وأكدت المادة الـ32 من نظام الحكم أن الدولة معنية بالمحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها. كذلك أكد نظام حماية الأرصاد والبيئة ضرورة المحافظة على البيئة، وحماية الصحة العامة من أخطار الأنشطة والأفعال المضرة. والمحافظة على الموارد الطبيعية، وتنميتها وترشيد استخدامها، وجعل التخطيط البيئي جزءا لا يتجزأ من التخطيط الشامل للتنمية في جميع المجالات الصناعية والزراعية والعمرانية وغيرها، ورفع مستوى الوعي بقضايا البيئة، وترسيخ الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية للمحافظة عليها وتحسينها، وتشجيع الجهود الوطنية التطوعية في هذا المجال. ولم يقتصر الاهتمام السعودي بالحفاظ على البيئة عند هذا الحد، فقد أولت رؤية المملكة 2030 اهتماما كبيرا بالتنمية المستدامة، ولذلك شددت على صيانة البيئة والمقدرات الطبيعية، باعتبارها واجبا دينيا وأخلاقيا وإنسانيا، لذلك حددت عددا من الأهداف والمحاور، من بينها رفع كفاءة إدارة المخلفات، والحدّ من التلوث بمختلف أنواعه، ومقاومة التصحّر، وترشيد واستخدام المياه المعالجة والمتجددة، وتبني مشروع متكامل لإعادة تدوير النفايات، والعمل على حماية الشواطئ والمحميّات والجزر وتهيئتها، بما يمكّن الجميع من الاستمتاع بها، وذلك من خلال مشروعات تموّلها الصناديق الحكومية والقطاع الخاص. ولم ينبع هذا الاهتمام المتعاظم من فراغ، فالاستمتاع ببيئة صحية آمنة، والعيش في سلام دون الخوف من خطر التعرض لأخطار الاستخدام السالب للموارد هو حق أصيل من حقوق الإنسان، فالقوانين الدولية التي صادقت عليها كافة دول العالم تؤكد أن التمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية هو جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان التي من بينها حقوق الحياة والصحة والحصول على الغذاء الكافي ومياه الشرب، وخدمات الصرف الصحي، والحق في مستوى معيشي لائق. فالمصانع والشركات التي تعتدي على البيئة والجو العام بمخلفاتها الصناعية الضارة التي تؤثر في مستوى الصحة، تعتدي على حق الإنسان في الحياة بصحة طيبة، وفي كثير من الدول المتقدمة تقدمت مؤسسات وأفراد بدعاوى قانونية ضد العديد من الشركات الكبرى بسبب تعدياتها على البيئة، وحكمت المحاكم لصالح من رفعوا تلك الدعاوى، وقضت بحصولهم على تعويضات ضخمة. وقد سعدت خلال الأسبوع الماضي بالمشاركة في أعمال ملتقى الطاقة النظيفة ومضافات الوقود، الذي أقامته الشركة السعودية للكهرباء في مدينة جدة، استشعارا منها بأهمية تعزيز وضمان حقوق الإنسان في المجال البيئي، وهي خطوة رائدة تحسب للشركة التي كانت سباقة في التنبيه لخطر الاستخدام المتهور للموارد والاعتداء على البيئة، وزادت سعادتي عندما وقفت على مقدار الجهد الذي بذل لإنجاح الملتقى، وأوراق البحث القيمة التي تم تقديمها، والمشاركين المتميزين الذين تم انتقاؤهم بعناية فائقة، والتوصيات الهامة التي خرج بها الملتقى، والتي أثق في أنها لن تظل حبيسة الأدراج، ولن تبقى مجرد حبر على ورق. كل المؤشرات تؤكد أن الهدف من الملتقى ليس مجرد الكسب العلمي أو الـ«شو» الإعلامي، بل هو جهد صادق يتسم بالجدية المطلقة لمواجهة قضية حيوية تمس مستقبل أجيالنا المقبلة بشكل رئيس، ومحاولة لمنع الاعتداء على حقوقهم عبر إهدار الموارد وتدمير البيئة، وإعاقة جهود التنمية المستدامة. ولأجل ضمان مستقبل تلك الأجيال، ولتحقيق التنمية المستدامة لا بد من التوفيق بين ثلاثة عناصر أساسية، هي: النمو الاقتصادي، والإدماج الاجتماعي، وحماية البيئة. وهذه العناصر مترابطة، وكلها حاسمة لرفاه الأفراد والمجتمعات. وهي دعوة لجميع الجهات ذات الصلة بإبداء أكبر قدر من التعاون والتجاوب، حتى نحافظ على هذا الكوكب الذي استخلفنا فيه الله -سبحانه وتعالى- لإعماره والمحافظة عليه، وليس لإفساده والتعدي عليه.

مشاركة :