البحر الميت يموت. قبل نحو نصف قرن كانت مياهه الفائقة الملوحة برائحتها الحادة تمتد على طول 80 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، إلا أنه تقلص اليوم إلى نحو 48 كيلومتراً عند أطول نقطة، كذلك يتراجع منسوب مياهه بأكثر من متر كل سنة، فما عاد يصله من مصدره، نهر الأردن، سوى الجزء اليسير، لأن معظم مياه هذا النهر تُستعمل قبل بلوغه. ويذكر منقذ مهيار من المنظمة غير الحكومية EcoPeace: "لن يختفي البحر الميت بالكامل لأنه يملك مصادر إمداد تحت الأرض، غير أنه سيتحوّل إلى بركة صغيرة في حفرة كبيرة جداً". حتى فصل الصيف الماضي كانت دولتا إسرائيل والأردن، اللتان تتشاركان في هذا البحر، تسعيان إلى إبطاء تراجعه، إذ يهدف "مشروع البحر الميت-البحر الأحمر" كما يُدعى، إلى تحلية مياه البحر عند ميناء العقبة الأردنية وضخ 200 متر مكعب من فضلات المحلول الملحي في البحر الميت كل سنة، ولا تُعتبر هذه الكمية كافية لاستقرار منسوب المياه في هذا البحر، الذي يحتاج إلى ما لا يقل عن 800 متر مكعب للحفاظ على مستواه الحالي، لكنها تساعد، فضلاً عن أن لهذا المشروع فائدة أكثر أهمية بكثير. يُعرّف البنك الدولي ندرة المياه بتوافر أقل من ألف متر مكعب من الماء لكل فرد سنوياً، ويستطيع الأردن تأمين أقل من 15% من هذه الكمية، إذ ستضخ محطة العقبة ماء عذباً إلى البلدات الجنوبية في الأردن وإسرائيل على حد سواء. ومقابل حصتها وافقت إسرائيل على ضخ كميات مماثلة من الماء إلى شمال الأردن الجاف، حيث يعيش الجزء الأكبر من السكان. لكن هذا المشروع معلق اليوم وذلك بعد إقدام مراهق أردني كان يوصل أثاثاً إلى السفارة الإسرائيلية في 23 يوليو على طعن أحد حراس الأمن، ففتح الحارس النار قاتلاً المعتدي وشخصاً آخر بريئاً، وسمح الأردن للحارس (وسائر العاملين في السفارة) بمغادرة البلد، وما هي إلا ساعات حتى دعا بنيامين نتنياهو الحارس إلى مكتبه وعانقه، فاشتعل الأردن غضباً ومنع عودة الدبلوماسيين الإسرائيليين إلى أن يُحاكم الحارس. نتيجة لذلك عُلقت راهناً المحادثات الرفيعة المستوى بشأن مشاريع المياه وغيرها من الخطط، منها مزرعة طموحة للطاقة الشمسية. في المقابل قد يحاول الأردن "العمل منفرداً" على "مشروع البحر الميت-البحر الأحمر"، على حد تعبير أحد المسؤولين، لكن هذه الخطوة مكلفة، لأن خط الأنابيب إلى البحر الميت يحتاج أعمال إصلاح مستمرة بسبب التآكل الناجم عن المحلول الملحي الذي يحمله، ويعتقد مهيار أن عملية إنشاء هذا الخط وصيانته طوال عقد ستكلف مليار دولار تقريباً. علاوة على ذلك لن تساهم الخطة الأحادية الطرف في التخفيف من نقص الماء في منطقة عمان لأن نقل الماء العذب من العقبة لمسافة 300 كيلومتر يكلّف مبالغ طائلة جداً. ولكن ثمة طرق أخرى تتيح للأردن مساعدة نفسه، فيذهب أكثر من نصف استهلاكه السنوي إلى المزارع، إلا أن مساهمة هذه المزارع في الناتج الوطني الإجمالي لا تتخطى 4 في المئة، والمملكة تستورد الجزء الأكبر من طعامها، ويحظى الماء بدعم كبير من الدولة "يُعتبر أقل كلفة مما نراه في إسرائيل والممكلة العربية السعودية"، مما يشجّع المزارعين على زراعة محاصيل تتطلب الكثير من الري مثل الموز، صحيح أن الحكومة اتخذت بعض الخطوات المتواضعة للحد من الطلب، منها زيادة طفيفة في الأسعار، إلا أنها تخشى أن تؤدي الإصلاحات الأشمل إلى استياء شعبي. يُعتبر الأردن إحدى دول العالم الأكثر جفافاً، ولا شك أن التبدل المناخي سيزيد وضعه سوءاً، فبحلول نهاية القرن قد ترتفع الحرارة في الأردن بنحو أربع درجات مع تراجع المطر بمقدار الثلث، حسبما يؤكد باحثون من جامعة ستانفورد. لذلك عليه أن يقنن استهلاك الماء، كذلك تملك إسرائيل، التي تريد جارة مستقرة إلى شرقها، مصلحة في استئناف العمل على المشاريع المائية، ويشير مهيار: "على إسرائيل التفكير على نطاق إقليمي، فلا تأخذ القيادة المسائل بالجدية الضرورية".
مشاركة :