حوار: توفيق محمد نصر الله 2017/12/07 ضيفنا البروفيسور سيد فتحي أحمد الخولي أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز ونائب المدير التنفيذي لمركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري) ومستشار الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة وعضو لجنة تحكيم جائزة المملكة العربية السعودية للإدارة البيئية في العالم الإسلامي وعضو مجلس إدارة مركز أبحاث التغير المناخي.. استضفناه ليروي لنا أبرز المحطات في مشواره الحافل منذ بداية نشأته في حارة المظلوم وباب جديد بجدة مروراً بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة كولورادو ثم حصوله على درجة الأستاذية من جامعة الملك عبد العزيز ثم تقلده عديداً من المناصب المحلية والدولية.. عمارة با خشب r مرحلة الطفولة من أجمل مراحل العمر في حياة الإنسان ماذا تختزن الذاكرة عن هذه المرحلة؟ - عشت طفولتي حتى المرحلة الجامعية في ملتقى حارة المظلوم وباب جديد وبالتحديد في عمارة باخشب المجاورة لمبنى وزارة الخارجية والقشلة، وقد شغلت تلك العمارة موقعاً مركزياً متوهجاً في ذاكرة المدينة وسكانها، حيث كانت أولى العمائر التجارية العصرية، وأكثرها حيوية وكانت بعمارتها الضخمة بمعايير ذلك الوقت (الخمسينيات والستينيات) تضم عدداً كبيراً من المؤسسات المعروفة من أبرزها الخطوط الجوية السعودية وأرامكو وشركة المصافي العربية وجريدة البلاد ومكتب أحمد زكي يماني للمحاماة ومكتبة القلم والمعهد الخاص، وطبعاً شركة باخشب للملاحة البحرية وبقربها دار مطبعة الأصفهاني، بجانب عدد قليل من السكان من الأسر المعروفة ممن تشرفنا بجيرتهم سنوات عزيزة ومعظمهم كانوا يسكنون الأدوار العليا. وقد أثر موقع العمارة، والحركة النشطة لمنسوبي المؤسسات التي تشغل معظم العمارة في شخصيتي خاصة عند المقارنة بالمساكن في الأحياء القريبة منها والتي تتميز غالبيتها بأنها بيوت لعائلات تضم عدداً أكبر من الأفراد مقارنة بسكان منازل تقطنها أسر أصغر من حيث العدد، ما أدى إلى ازدياد الارتباط بالجيران والأصدقاء في المنطقة ليشكل الجميع بيتاً كبيراً. r ماذا عن مراحل الدراسة؟ - درست المرحلة الابتدائية في المدرسة السعودية التي كانت قريبة جداً من المنزل، وأذكر أن مديرها آنذاك كان الأستاذ عبد العزيز نعمة الله رحمه الله، ولكن بسبب عمل الوالد رحمه الله مديراً لمعهد المعلمين بالمجمع التعليمي في القصور السبعة بالبغدادية انتقلت إلى المدرسة النموذجية الابتدائية وكان مديرها آنذاك الأستاذ محمد زكي عوض ثم الأستاذ الشربيني، وبعد إنهاء المرحلة الابتدائية انتقلت إلى الفاروق المتوسطة في المجمع نفسه وكان مديرها الأستاذ عبد الله القنب، وفي تلك المرحلة كانت هناك أنشطة طلابية متميزة بدءاً من إذاعة يتابعها الطلاب ومعرض فني لإبداعات الطلاب وأحياناً كانت تعرض أفلام سينمائية أذكر منها أفلام تاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد وجميلة بو حريد الجزائرية، كما أذكر أن لجنة امتحان الكفاءة كانت في مسجد القصور السبعة وأثناء الاختبار النهائي كان المعلمون يحملون أجهزة الراديو الترانزيستور ليتابعوا أحداث العدوان الإسرائيلي في الخامس من يونيو عام 1967م خلال مراقبة الطلاب في الامتحان النهائي. أما المرحلة الثانوية فبدأتها في مدرسة الشاطئ الثانوية عندما انتقلت من حي الشاطئ إلى كيلو سبعة في طريق مكة القديم، وكان مديرها آنذاك القائد الأستاذ جميل عبد الجبار، بينما اختار إخواني الدراسة في مدرسة الفلاح والتي كانت الأقرب لمنزلنا. ولقد كان الدور التربوي لمديري المدارس أكثر وضوحاً وتأثيراً في الطلاب من خلال المتابعة لطلابهم من طابور الصباح إلى أوقات الانصراف ولهذا لايزال معظم الطلاب يحفظون أسماءهم وكذلك المعلمون المتميزون ممن كانوا يحرصون على جودة التعليم، رحم الله من توفي منهم وبارك في أعمار من لايزال منهم بيننا. عائلة تعليمية r ماذا كان يعمل الوالد؟ - معظم أفراد العائلة يعملون في قطاع التعليم حتى الوالدة كانت مديرة لمدرسة في جنوب جدة، وكان الوالد رحمه الله أول مدير لمعهد المعلمين الثانوي في منطقة القصور السبعة قبل أن ينتقل إلى التوجيه في إدارة التعليم في المنطقة نفسها، وكانت من مهام التوجيه التربوي المرور على المدارس للتفتيش على المعلمين في الفصول، وكانت تنتابني نوبات خوف عندما يزور الوالد فصلي باعتبار أن مركز وكلمة المدرس هي الأعلى عند الآباء. وقد كان الوالد رحمه الله من رجال التربية قبل التعليم وقد تعلمت منه الكثير وكنت استشيره في كل أموري ومنها التعامل مع طلابي بالجامعة. r ما الذي بقي في ذاكرتك عن تلك الفترة؟ - لكل زمن جماله الخاص ومذاقه المميز ولكل إنسان يصبح الوقت السابق أفضل وأصدق من وقته الحالي، وتقطن الأيام والسنين التي مضت أجمل الذكريات واللحظات التي لا تنسى ليس لجمالها وروعتها، ولكن لمجرد أنها اكتسبت نكهة لأشياء لم تعد متاحة أو أحلام لم تتحقق ولزمن سخي لم يكن يحملنا أعباء أو هموم، ولا يشغلنا سوى اللعب واللهو، ولحبنا لمشاعر الحنين نطلق عليه أسماء لطيفة مثل زمن الطفولة البريئة، أو الزمن الجميل، حيث كل شيء نقي وطاهر. كانت أوقات الفراغ أطول وأكثر أهمية وتنوعاً، وكان يخصص أو يوجد لها مساحات أكبر، فنجد مثلًا أن مجمع القصور السبعة الذي يتضمن بجانب المدارس الابتدائية والمتوسطة وإدارة التعليم والإدارة الطبية، ملاعب لكرة السلة وكرة القدم وألعاب القوى المختلفة وتحيطها حدائق مزروعة، وأيضاً معسكراً للكشافة. وهناك أيضاً ساحات عامة في الأحياء استخدمت كملاعب كرة قدم أو طائرة، أذكر منها الساحة أمام القشلة ووزارة الخارجية. وفي طرفها وخلف مقبرة حواء، كما كان حي العمارية والأحياء القريبة تضم بعض أماكن لعرض أفلام السينما. وعلى الرغم من وجود بعض محال لبيع الألعاب، إلا أن جيل تلك الأيام كان يحب العمل اليدوي فكان يفضل أو يضطر إلى أن يصنع بنفسه بعض ألعابه. جيل مكافح وألعاب بسيطة r ما الألعاب التي كنتم تصنعونها؟ - كنا نصنع عديداً من الألعاب منها الطائرة الورقية وكنا نصنعها من الخسف وأوراق الصحف والدقيق كمادة لاصقة، أو بذر ثمرة الدوم ومسمار وخيط لصنع المدوان، وأغصان الشجر لصنع النبلة أي المقلاع اليدوي لصيد الطيور، وألواح التزلج من رمان البلي أو أغطية البيبسي لعمل العجلات. واستخدام شرائح البلاستيك الملون لتزيين الدراجات. وهناك من صنع بروجكتر من علب الأحذية أو راديو تجميع. ولكن أيضاً كانت المجلات والكتب (وخاصة القصص والروايات المترجمة) خير أنيس في العطل الصيفية وبقية أوقات الفراغ، وكنتُ شغوفاً بالقراءة، أقرأ اللوحات الإعلانية في الشوارع حتى الأوراق المهملة كنت أقرأ بعضها. r جيلكم كان جيلاً مكافحاً فما الأعمال التي زاولتها في تلك الفترة؟ - أذكر أني عملت بمكافأة خلال بعض الإجازات الصيفية أذكر منها أنني عملت في مكتبة أو دار نشر في وسط البلد وأظنها كانت للأستاذ الجليل والصحفي القدير محمد صلاح الدين رحمه الله، وكذلك عملت خلال مواسم الحج في بعض السنوات، حيث عملت في خدمة الحجاج في المطار القديم وحصلت في نهاية الموسم على مبلغ وتذكرة سفر. r وبعد الحصول على الثانوية العامة أين كانت الوجهة؟ - كل إنسان أثناء دراسته يفكر دوماً بالمرحلة التالية ويتمنى الانتقال إليها، ثم يكتشف عندما يعود إليها بذاكرته فيما بعد كيف كانت سنوات الدراسة أكثر جمالاً مما تصوره. بعد الحصول على الثانوية انتقلت إلى كلية البترول والمعادن في الظهران (جامعة الملك فهد حالياً) والتحقت بالسنة التحضيرية لدراسة اللغة وبعض المواد التي ستحدد اتجاه التخصص إلى العلوم الهندسية أو الهندسة التطبيقية أو العلوم، وكانت الكلية تابعة آنذاك لوزارة البترول والمعادن، ما منحها تميزاً وانفراداً في كثير من الأمور، وكان أسلوب الحياة فيها مختلفاً تماماً عن الحياة في الجامعات السعودية الأخرى، وكان للطلاب اتحاد يتم اختياره بالانتخاب تحت إشراف إدارة الجامعة، وأذكر أن الرئيس آنذاك كان الأخ العزيز الفاضل الدكتور إبراهيم شقدار، وقد كانت تجربتي في الدراسة للسنة التحضيرية بكلية البترول والمعادن من أهم الأحداث التي أثرت في حياتي وفيها تعرفت على أفضل الأصدقاء على الرغم من أني لم أكمل الدراسة فيها لأن معدلي في بعض المواد منخفض لدرجة تتطلب استمراري للفصل الصيفي لتحسين المستوى، ولكني في ذلك الوقت حصلت على موافقة للسفر إلى مصر، وكنت أتطلع بشدة وشغف إلى السفر. وبعد عودتي تقدمت إلى جامعة الملك عبد العزيز الأهلية، بعد أن رفض الوالد إرسالي للدراسة في الخارج وأرسل أخي الدكتور عمر لدراسة القانون. r من كان مدير جامعة الملك عبد العزيز الأهلية وقتها؟ - كان مديرها الدكتور القدير أحمد محمد علي وهو أول مدير للجامعة، ولقلة خبرتي آنذاك لم أقدم الأوراق التي توضح أني درست سنة تحضيرية، ما يعفيني من تكرارها. إلا أن هذا الخطأ كان السبب في تحقيقي نتائج دراسية أفضل مما سبق في حياتي. ونتيجة لعدم إكمال الدراسة في كلية البترول وإعادة السنة التحضيرية شعرت بالفشل وكان شعوراً مؤلماً. وبعد مرور عدة أسابيع في الدراسة وظهور نتائج الامتحان الدوري الأول شعرت ولأول مرة بلذة التفوق، ما أعطاني الحافز الأقوى للمحافظة على مركز متقدم إلى أن تخرجت من قسم الاقتصاد وكنت الأول على الدفعة ونشرت صحيفتا عكاظ والمدينة مقابلة مع الأول. وشعرت بسعادة أنستني كثيراً من الأحداث والتحديات التي واجهتني في ذلك الزمن. وكنت وزملائي آخر دفعة بنظام السنوات، حيث ألغيت السنة التحضيرية، وتم تطبيق نظام الساعات المعتمدة على الطلاب الذين التحقوا بالجامعة بعدنا وبعد تحولها إلى جامعة حكومية، ما مكن دفعة من الطلاب الجدد ليتخرجوا معنا في الوقت نفسه لإنهائهم متطلبات الدرجة وهي الدفعة الأولى بنظام الساعات. وأذكر أن حفل التخرج في ذلك العام أيضاً تم في فندق انتركونتننتال مكة باعتبار إندماجها آنذاك مع جامعة أم القرى. وفي ذلك الحفل نفسه منحت الجامعة خادم الحرمين الملك فهد رحمه الله الدكتوراه الفخرية. علم وغربة r وماذا بعد التخرج والحصول على البكالوريوس في الاقتصاد؟ - بتوفيق الله تم تعييني معيداً في قسم الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز عام 1976 وكلفت بتدريس مادة في كل فصل دراسي وكانت تجربة فريدة للتدريب على العمل الأكاديمي، وفي الوقت نفسه كنت أراسل الجامعات لأحصل على قبول للدراسة، وأذكر في تلك السنة أيضاً كتبت أول مقال صحفي في جريدة الجامعة وكان عن الآثار الاقتصادية لسحب جبل الجليد من القطب الجنوبي إلى شواطئ المملكة لحل أزمة المياه، والذي اقترحه آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير محمد الفيصل رحمه الله وأثابه عن أعماله الخيرة. وفي عام 1977 ابتعثت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن رتب أحد أساتذتنا لمجموعة كبيرة من المعيدين قبولاً في معهد للغة في ولاية تينسي في الجنوب الأمريكي، وكان المعهد في قرية جامعية «كوكفيل»، إلا أن وجود عدد كبير من الزملاء والأصدقاء خفف كل مشاعر الغربة وآلامها التي تسببت في عودة بعض المبتعثين نتيجة الحنين إلى أسرهم ومجتمعاتهم، ثم انتقلت إلى معهد الاقتصاد التابع لجامعة كولورادو في مدينة بولدر، حيث يتم تدريس اللغة المتخصصة من خلال بعض الكورسات التي تخدم التخصص نفسه وزمالة طلاب من مختلف دول العالم من الصين، فنزويلا واليابان ومن الهند إلخ. وهناك نوع من التنافس الكبير بينهم، وبعد مراسلة عدة جامعات للحصول على القبول اخترت جامعة كولورادو ومنها - والحمد لله- حصلت على الماجستير عام 1979م. r وماذا عن الدكتوراه؟ - قمت بعد ذلك أي بعد حصولي على الماجستير بزيارات لجامعات تضم زملاء لنا في عدة مدن أمريكية، واخترت أن أكمل دراستي لمرحلة الدكتوراه في مدينة جاينسفيل في فلوريدا، ولكن بعد فصل دراسي واحد أسرعت بالعودة إلى جامعة كولورادو بسبب أن قسم الاقتصاد مستقل تماماً وليس مرتبطاً كقسم بكلية أخرى ولتعودي على أسلوب الدراسة فيها. وبعد عودتي إلى بولدر سجلت في مواد تساعد في اجتياز متطلبات الدرجة قبل الرسالة وهي اختبار أولي في أربعة تخصصات اقتصادية واختبار شامل لتخصصين من اختيار الطالب وتقدم الاختبارات على مراحل كل فصل دراسي يمكن دخول اثنين أو واحد. وفي تلك الفترة تم التحضير لأول مؤتمر عن الطاقة والتصنيع في المملكة ضمن خطة التنمية الثالثة، وكلفتني الملحقية التعليمية آنذاك بالتنسيق مع الطلاب السعوديين المبتعثين لدراسة الاقتصاد لحضور المؤتمر الذي شارك في جلساته مسؤولون ومختصون من المملكة مثل معالي الدكتور عبد العزيز الزامل عندما كان رئيساً لسابك والدكتور فؤاد الفارسي عندما كان وكيل وزارة الصناعة والدكتور فاروق أخضر - رحمه الله - ومعالي الدكتور جبارة الصريصري وكان أحد خريجي قسم الاقتصاد في جامعة كولورادو في ذلك العام وغيرهم، وكان قسم الاقتصاد يضم في ذلك الوقت مجموعة كبيرة نسبياً من الطلاب السعوديين منهم الزملاء الدكاترة محمد سالم الصبان، ومحمود العصيمي وعبد الرحيم ساعاتي، وعبد الله قربان من جامعة الملك عبد العزيز والدكاترة زين بري ومحمد الهذلول، وعبد العزيز السديس وعبد العزيز طاهر من جامعة الملك سعود. وخلال عامين انتهيت من امتحانات المتطلبات الأساسية لدرجة الدكتوراه ثم بدأت العمل في الرسالة وفي البداية اتفقت مع المشرف البروفيسور تشك هاو أن أبحث في الآثار الاقتصادية لتسرب النفط من آبار نوروز أيام الحرب العراقية الإيرانية آنذاك ولكني واجهت صعوبة كبيرة في الحصول على المعلومات والبيانات، واتفقنا على أن تكون أطروحة الدكتوراه عن عمل نموذج قياسي للتنبؤ الاقتصادي وتطبيقه في تقدير مهارات العمالة (مقسمة حسب الجنسية والمهنة) المطلوبة في دول فوائض عوائد النفط-مع دراسة تطبيقية عن المملكة العربية السعودية. في الحياة العملية r وبعد الحصول على الدكتوراه؟ - عدت إلى المملكة وكنت سعيداً جداً عند تسلم أول المهام التدريسية بجامعة الملك عبد العزيز وكانت أكبر سعادة لي عندما انتهى الفصل الدراسي وشعرت أن الطلاب استفادوا من محاضراتي من خلال قراءتي لإجابتهم على الأسئلة وكنت أنزعج لو حادت الإجابات عن منطق وهدف المادة، وأبحث عن الأسباب. فالتدريس الجامعي مهنة ونشاط أكاديمي يتطلب معرفة ومهارات تؤهل الأستاذ للتدريس في الجامعات بكفاءة من التخطيط للتدريس وفق المنهج المعتمد إلى التنفيذ وإدارة المحاضرة بكفاءة تؤثر في الطلاب والطالبات تأثيراً جوهرياً ودائماً وإيجابياً على الطريقة التي يفكرون ويتصرفون ويشعرون بها، وأيضاً تقويم مدى تعلم الطلبة بشكل عادل يوازن بين قدرات المحاضر وإمكانات وجهد الطلاب. وفي الماضي كان الحصول على الدرجة العلمية كافٍ لممارسة التدريس ولكني سمعت أن الوضع تغير الآن إذ لا بد من حضور دورات متخصصة في مهارات التواصل والتدريس وغيرها. وكنت أدرك أن مسيرتي الدراسية كانت تكسبني معرفة من خلال المعلومات، وخبرة في البحث من خلال التطبيقات والمعارف والقواعد العلمية، إلا أن مهارات التدريس وكذلك مهارت العرض والإلقاء تركت للاكتساب من خلال الممارسة، ومن حسن حظي وفي بداية عملي بالتدريس، تلقيت عرضاً للمشاركة في دورة تدريبية وورشة عمل حول اقتصاد صناعة الطيران في الخطوط الجوية السعودية وفق منهج وضعته شركة ماكدونالد دوغلاس، ويستلزم ذلك حضور تدريبات خاصة في مهارات الإلقاء والعرض في مركز التدريب الخاص بالخطوط تحت إشراف خبير متخصص في مهارات الإلقاء وآخر من شركة ماكدونالد دوغلاس التي كانت تقدم الدورة في السابق وتعلمت منهم ما ساعدني في تحسين هذا الجانب المهم، ولهذا اكتسبت مهارات جديدة ساعدتني فيما بعد خلال المحاضرات في الجامعة. r ما مدى رضاك عن مستوى الطالب الجامعي؟ - كان طالب الجامعة في الماضي يتسم بمجموعة من الصفات من أبرزها أن علاقته كانت قوية بأساتذته وبالمكتبة، وكان لا يعرف أبواب إدارة الجامعة ولا عمادة الكلية إلا نادراً أو عند تخرجه. وكانت علاقته بزملائه ترتبط بدراسته، حيث يتبادل معهم دفاتر المحاضرات ويستعين بهم لتعويض ما قد يفوته إذا اضطر إلى الغياب عن محاضرة. أما الطالب الجامعي اليوم فتتوافر له إمكانات ووسائل كثيرة للاطلاع والمعرفة والوصول إلى المعرفة والحقائق والعلوم، ويتابع تطورات التكنولوجيا الحديثة، وكذلك يتابع الأحداث التي تهمه في كل القارات والأقطار. ولاشك أن الطلاب في الماضي وكذلك في الحاضر فيهم الصالح والطالح، ولكن كلهم نتاج البيئة الجامعية وما حولها والتي تختلف من زمن لآخر. ودائماً ستجد هناك طالباً مواظباً على المحاضرات، حريصاً على مناقشة الأساتذة، باحثاً عن كل جديد في مجال تخصصه، ومجتهداً أثناء تلقي العلم وأميناً عند إنجاز متطلبات الدراسة. ومن جهة أخرى ستجد الطالب الذي يهدف إلى أن يتخرج من الجامعة بشهادة جامعية دون أي اهتمام بنوعيتها، حيث إن هدفه الأساسي أن يجتاز الاختبارات بأي تقدير، وتراه باستمرار يكتفي بما يقوله الأستاذ ولا يناقش أي أمر حتى لو لم يكن مقتنعاً به أو لم يفهمه، فالمهم أن يرضي الأستاذ ويتخرج، ويحرص أن يكون المنهج المطلوب للاختبارات في أقل الحدود. هذا من الجانب التعليمي، أما في الجانب التربوي ستجد طالباً خلوقاً مع أساتذته ويحترمهم كاحترامه لوالديه، ويحترم زملاءه والنظم والتقاليد الجامعية ويفتخر بها ويتباهى بتخصصه. ومن جهة أخرى ستجد الطالب الذي لا يبدي الاحترام المطلوب لأساتذته، وإذا حضر بعض المحاضرات انشغل بأمور أخرى، وإذا ناقش يكون عن جهل بالموضوع، ويصر على رأيه لو أخطأ، وعادة ما تجده يبدأ دراسته بالتسكع أمام أبواب العمداء ورؤساء الأقسام والإداريين لإظهار أهمية حقيقية أو وهمية عن نفوذه أو مكانته أو قدراته المادية وعدم حاجته للشهادات، وينسب لنفسه بطولات وهمية في خدمة الآخرين، ويتفنن في إحضار الأعذار المبررة لغيابه، ويبدع في الظهور بمظهر المظلوم أمام المسؤولين، ويعتمد على الوساطات عندما يتعثر في تحقيق الحد الأدنى للاستمرار في الجامعة لإعطائه فرصة بعد فرصة ثم يهدر كل الفرص. ومرة أخرى أؤكد هنا أن المسؤولية لا يتحملها الطالب فقط، بل يتحملها البيت والمجتمع ثم البيئة الجامعية وما حولها، فالجميع مسؤول عن الاستخدام الأمثل أو هدر الإمكانات وفقاً لمدى الالتزام بتطبيق القيم العلمية والتربوية والنظم الجامعية، واختيار من يصلح للدراسة الجامعية، وتحديث المناهج واختيار الأساتذة كأصحاب رسالة لا مهنة قادرون على استثمار الوقت الذي يقضيه الطالب في الجامعة لتطوير معارفه وقدراته وظروفه واتجاهاته ومهاراته كي يتخرج وهو مواطن صالح وقادر على ممارسة عمل منتج. الحب في زماننا r ما قصه زواجك؟ متى كان الزواج؟ وهل كان لك دور في الاختيار؟ - الزملاء في جيلي كانوا يهتمون بمفهوم الحب نفسه أكثر من المحبوبة، ويحبون الحب ذاته وإن لم يكن هناك من يحبونه ولهذا كان التخطيط للزواج يتضمن معاني إيجابية تساعد على إدماج المودة والرحمة بين الأزواج بشكل أكثر صلابة واستقراراً. إن تعييني معيداً بالكلية لم يكن يعني فقط حصولي على فكرة الابتعاث لإكمال دراستي، بل يعني أيضاً إمكانية التقدم للزواج بأقل الإمكانات، حيث إن البعثة نفسها تجعل المتقدم أكثر جاهزية. وأذكر أن أستاذي ورئيس القسم آنذاك - رحمه الله- كانت زوجته تعمل أستاذة أيضاً في الكلية، فاقترح علي أن أتزوج من إحدى المعيدات، ولكن أحد الأصدقاء رشح لي في الوقت نفسه ابنة إحدى العائلات، ورتب لي أن أزور والدها - رحمه الله- في مكتبه بمؤسسة النقد، حيث كان يعمل لأعرفه بنفسي وأطرح الفكرة عليه قبل أن أتقدم مع والدي رحمه الله بشكل رسمي، ولكنه طلب مني أن أتريث لمدة عام لأعطيها الفرصة تكمل دراستها الثانوية وطلب مني أن نختبر معا ردود فعلي تجاه الحياة في امريكا. وفي اول اجازة سنوية عدت فيها إلى المملكة اصطحبني والدي والعائلة وتقدمت لخطبتها وتزوجنا بعد اسابيع وعدت معها إلى مقر البعثة. والحمد لله اقتربت من اكمال 40 عام من المودة والرحمة برفقتها ورزقني الله منها بأربعة بنات وولد. r هل من الأبناء من اتجه إلى تخصصكم نفسه؟ - الاقتصاد ليس من التخصصات المحببة لمعظم الطلاب، بل أذكر مرة أن كلفني القسم برئاسة لجنة لدراسة ظاهرة انخفاض نسبة الطلاب في القسم عن عشرة في المائة من طلاب الكلية، وسافر أعضاء اللجنة إلى عدة جامعات سعودية وعربية ووجدوها أيضاً تبحث عن تفسير للمشكلة نفسها. ولهذا لم يكونوا متحمسين كثيراً للتخصص واتجه ابني أحمد لدراسة العمارة والبنات رؤى في الإدارة ودالية أستاذة جامعية في التربية الخاصة وتوظيف أصحاب الاحتياجات الخاصة، وربى في التصميم الجرافيكي وديمة في بداية دراسة الهندسة. وأدعو لهم دوماً بالتوفيق. طرائف ومفاجآت r ما أطرف موقف مر بك في حياتك؟ - هو ما حدث معي بعد أن وزعت أوراق إجابات اختبار لطلاب إحدى الشعب في الجامعة، لاحظت أن درجات غالبيتهم كانت منخفضة جداً، فقمت بحل أسئلة الامتحان بهدف مراجعة أخطائهم، وفي نهاية المحاضرة طلبوا مني أن أعيد الاختبار وأحسب أفضل نتيجة لكل طالب، وفعلًا وعدتهم بتحقيق طلبهم في الأسبوع التالي. وفي صباح اليوم المتفق عليه راجعني أحد الطلاب يسألني عن جزء في المادة، وأدركت لحظتها أني نسيت الموعد ولم أضع أسئلة جديدة ملائمة للاختبار المعاد، وخطر في بالي ساعتها كحل سريع يساعد الطلاب ويجنبني التأجيل وهو أن أكرر الأسئلة السابقة نفسها وأصور نسخاً منها وأعقد الامتحان بها، وهذا ما حدث وأسعد معظم الطلاب، ولكن الطريف في الأمر أني صادفت نتائج عدد من الطلاب بدرجات أقل من الامتحان الأول. r وماذا عن المواقف المؤلمة أو المحرجة؟ - ما حدث في أول إجازة لي ولزوجتي وابنتي الرضيعة آنذاك عندما عدنا إلى جدة وكانت أسرة زوجتي قد انتقلت إلى الرياض بعد انتقال عمل والدها - رحمه الله- إلى هناك، فطلبت من زوجتي أن تسبقني بالسفر إلى الرياض، وبعد أن ودعتها وابنتي في المطار القديم ذهبت لزيارة مجموعة من زملاء الدراسة (ولم يكن في ذلك الوقت وسيلة للتواصل السريع سوى الهواتف الأرضية)، فإذا بي أتلقى مكالمة فهمت منها أن حادثاً قد وقع لطائرة في مطار الرياض وبدأت وأخي الدكتور عمر في محاولات الاتصال بالمطارات ثم ذهبت إلى مطار جدة اتنقل بين المكاتب في محاولة لمعرفة أي تفاصيل، وتعاطف معي شخص وأخبرني أن هناك حادثاً ولكن لا أحد يعرف التفاصيل ولمح في كلامه أن الطائرة لم تكن من جدة إلى الرياض، بل العكس. وبعد ساعات عصيبة علمت أن زوجتي وابنتي بخير في مطار الظهران بسبب إغلاق مطار الرياض على إثر حادث الطائرة التريستار، رحم الله كل من كان على تلك الطائرة واستشهد في تلك الحادثة الأليمة. وبرغم سعادتي بنجاة أسرتي إلا أني عشت أياماً حزينة بعد وصولي إلى الرياض لمعايشتي قساوة مشاعر عائلات أعرفها ابتلوا بفقدان أحد الركاب. في مواقع المسؤولية r ما أهم المحطات العملية في حياتك؟ - عملت كمستشار غير متفرغ في وزارة التخطيط لمدة عام استفدت منها كثيراً فقد كانت تضم مجموعة متميزة من رجال الإدارة والتخطيط من مؤسسات دولية وخبراء سعوديين، وعملت في الإدارة الخاصة بدراسة العرض والطلب على الموارد البشرية. وقبل نهاية العام رشحني وكيل الوزارة آنذاك الأستاذ الفاضل حسين سجيني رحمه الله لأعمل كوكيل مساعد، ولكني طلبت أن أعمل من خلال نظام الإعارة من الجامعة للاحتفاظ بوظيفتي الأساسية، إلا أن الوزير رحمه الله لم يوافق على هذا الشرط، إلا إذا كان المرشح مقيماً بشكل دائم بمدينة الرياض المقر الرئيسي للوزارة. وفعلًا تم اختيار الزميل العزيز الأستاذ الدكتور عاصم عرب باعتباره عضو هيئة تدريس جامعة الملك سعود. بعد ذلك طلب مني معالي الأستاذ الجليل أحمد صلاح جمجوم وكان رئيساً لمجلس إدارة جريدة المدينة أن أعد ملحقاً اقتصادياً أسبوعياً خلال أوقات المساء كعمل إضافي لا يتطلب حضوراً يومياً، وقد كانت تجربة مفيدة لأني شعرت بأن اهتمام القراء بالشأن الاقتصادي قد تزايد بشكل ملحوظ بعد انخفاض إيرادات البترول في الثمانينيات. وفي أعقاب غزو الكويت وماتلاه من معارك لتحريرها وترتيب العراق، زاد اهتمامي بالآثار الاقتصادية لهذه المتغيرات على المنطقة وبدأت بدراسة عن العمالة الوافدة المرتدة وتحويلها إلى بحث علمي فيما بعد، ثم دراسة عن أكثر الشركات العالمية من غير شركات إنتاج السلاح ومتطلبات الحرب التي استفادت من تلك الأحداث. وبعد فترة اتصل بي رئيس التحرير المتميز الأستاذ محمد التونسي وأبلغني أن الشركة السعودية للأبحاث تعتزم إصدار صحيفة يومية باسم الاقتصادية بعد نحو عام وأنه يرغب في أن انضم إلى فريق التأسيس الذي ضم مجموعة مهنية متميزة مثل الأستاذ محمد الفال والأستاذ السر سيد أحمد ونزار وومحمد الحارثي وهيثم وغيرهم. وبعد سنوات رشحني الأخ الصديق الدكتور عبد الله دحلان أمين عام الغرفة التجارية الصناعية آنذاك بناء على طلب أحد رجال الأعمال الذي كان يرأس مجلس إدارة شركة هي الشركة السعودية المصرية للتنمية السياحية للعمل مستشاراً اقتصادياً لديها، وكانت قد قامت بشراء عدة فنادق تمتلكها الحكومة المصرية في أول تجربة لمصر في خصخصة قطاع السياحة من خلال مناقصة دولية تضمنت زيادة الطاقة الفندقية وتطوير القطاع السياحي. وكانت تجربة ثرية ومفيدة تعلمت فيها أبعاداً جديدة عن قطاع الفنادق والإدارة المستدامة للسياحة. r متى بدأت مشوارك مع البيئة في العمل البيئي؟ - على الرغم من إلغاء فكرة الرسالة عن الآثار الاقتصادية للتلوث من زيت النفط بسبب صعوبة الحصول على البيانات الكافية قمت بكتابة بحث عن الموضوع أثناء الدراسة، وهذا خلال إشرافي في نهاية الثمانينيات، حيث كنت مشرفاً على رسالة دكتوراه لأحد الزملاء عن اقتصاد البيئة، اقترح علي أن أقابل د.عبد البر القين رئيس مصلحة الأرصاد وحماية البيئة آنذاك - رحمه الله- وكانت تتبع وزارة الدفاع والطيران، وفي مقابلة سريعة طلب مني أن أكتب تقريراً عن كيف يمكن لمتخصص في الاقتصاد أن يفيد العمل في الرئاسة، ولسوء الحظ فسرت كلامه أنه تهرب فلم أعد. وبعد سنوات وخلال الإعداد لقمة الأرض الأولى التي عقدت في أكتوبر 1992 في ريو دي جانيرو، ظهرت بعض الاختلافات في وجهات النظر بين وزارة البترول ومصلحة الأرصاد وحماية البيئة حول مسودة اتفاقية التغير المناخي. وكان الأخ العزيز زميل الدراسة والعمل الدكتور محمد سالم الصبان يمثل وزارة البترول ويركز على الأبعاد الاقتصادية للاتفاقية، فطلب الدكتور عبد البر القين الذي كان عالماً متخصصاً في الأرصاد والبيئة من زميله وصديقه معالي الدكتور غازي مدني ترشيح اقتصادي ليعمل مستشاراً للمصلحة ويمثلها في المفاوضات الدولية حول الاتفاقية، ومن هنا بدأت رحلتي مع جهاز البيئة. وقد كان أحد الانتقادات التي وجهتها الدول النامية المشاركة في المفاوضات للتقرير العلمي الذي بنيت على أساسه الاتفاقية أنه متحيز. جدل عالمي r لماذا اتهمت الدول النامية التقرير بالتحيز؟ - لعدة أسباب منها أن العلماء والخبراء الذين شاركوا في إعداده كانوا من الدول الصناعية المتقدمة فهم لا يمثلون دول العالم، ولهذا نشطت أمانة الاتفاقية في الأمم المتحدة لاستقطاب متخصصين من الدول النامية كمؤلفين رئيسيينLEAD AUTHORS، وعليه تم اختيار كل من الدكتور ماجد المنيف وأنا ضمن الفريق لإعداد التقرير التقييمي الثاني بأجزائه الثلاثة. وكانت الاجتماعات تعقد في مختلف مدن العالم بالتناوب لدرجة أن قضيت 282 يوماً متقطعة خارج المملكة خلال عام واحد في اجتماعات خاصة بالتقرير والاتفاقية. علماً بأن الهيئة التي أصدرت التقرير حصلت نتيجة ذلك على جائزة نوبل بالمشاركة مع آل جور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، وقد قامت الهيئة بإهداء كل من شارك في التقرير نسخة من الجائزة وخطاب شكر وتقدير. وكنت سعيداً جداً بفكرة الإهداء والتقدير لعشرات المؤلفين ومئات المراجعين للتقرير. وبعد انتقال رئاسة المفاوضات الدولية حول اتفاقية التغير المناخي من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إلى وزارة البترول، اقترح علي أستاذنا القدير الدكتور نزار توفيق - رحمه الله- أن أتسلم إدارة المشروع الإستراتيجي الذي تنفذه الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن بتمويل من البنك الدولي والأمم المتحدة، وكلاهما يشترطان إنهاء التنفيذ في الموعد وبكامل الميزانية دون نقصان أو زيادة وإلا يعتبر برنامجاً فشل في تحقيق أهدافه. r بماذا خرجت من هذه التجربة الثرية؟ - تعلمت منها الكثير من الفريق الفني الذي أشرف على التنفيذ من العلماء والخبراء السعوديين والعرب بقيادة أساتذتي الأجلاء الدكتور نزار توفيق - رحمه الله- ومعالي الأستاذ الدكتور عبد الإله باناجة - متعه الله بالصحة -، وقد تعلمت منهم الكثير والكثير. وعدت إلى جامعة الملك عبد العزيز للتقديم على درجة الأستاذية وفعلًا تمت ترقيتي من أستاذ مشارك إلى أستاذ. بعد ذلك وافق المقام السامي على ترشيحي لمنصب نائب المدير التنفيذي لمركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (عملي الحالي)، وقد تم تعييني في هذا المنصب استناداً إلى موافقة أصحاب السمو والمعالي أعضاء مجلس أمناء مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا. البحث والتأليف r وماذا عن مشوارك مع البحث العلمي؟ - يتطلب تطوير الذات وحتى الترقيات لمن يعمل في التدريس الجامعي إنجاز أبحاث علمية يتم تحكيمها من عدة أشخاص، ولهذا كنت أحاول دائماً أن أستفيد من التجارب العملية وتحويل المعارف والتجارب الجديدة إلى دراسات ثم أبحاث علمية. ولهذا لم تكن الأعمال الاستشارية مجرد مصدر إضافي للدخل، بل أيضاً مصدر للأفكار والخبرة والمعلومات التي يتطلبها إنجاز البحوث العلمية الضرورية للحصول على الترقيات العلمية في الجامعات التي كانت تشترط ألا تكون الأبحاث من أجزاء أطروحة درجة الدكتوراه. ولهذا كنت أحاول الاستفادة من الأعمال الاستشارية أو المهام التي أكلف بها وما تتطلبه من تحضير للمعلومات والبيانات في الأبحاث التي قمت بها فيما بعد. فمثلاً طلب مني إعداد ورقة نقاش حول السياحة الداخلية للمشاركة في مؤتمر رجال الأعمال الرابع الذي عقد في أبها وهذا كان الأساس للبحث عن تنمية وتخطيط السياحة المستدامة في الدول العربية (وقد حصل هذا البحث على شهادة تقدير الأعمال المميزة من مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة لعام 1999م). ومرة أخرى في عام 1414 ه الموافق 1993 م تم ترشيحي لتمثيل المركز العربى للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض فى اجتماع اللجنة المتخصصة بالجرائم المستجدة «الجرائم الاقتصادية أنواعها، أساليب للتحقيق فيها وطرق مكافحتها» في الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس. ونظراً لتوافر المعلومات الإحصائية في تقارير وزارة الداخلية قمت بإعداد دراسة عن مدى تأثر المؤشرات الاقتصادية بأنواع مختلفة من الجرائم وكذلك تأثيرها فيها. كما استفدت من الخبرة التي اكتسبتها على مدى سنوات في عضوية الوفد السعودي للمفاوضات في مؤتمرات الأطراف المتعاقدة في اتفاقية الأمم المتحدة التغير المناخي واجتماعات الخبراء في الهيئة الحكومية الدولية للتغير المناخي واللجنة الحكومية للمفاوضات حول اتفاقية التغير المناخي واجتماعات وزراء البيئة، في إعداد عدة أبحاث وكتاب تغير المناخ من اقتصاد البيئة إلى دبلوماسية المفاوضات. r بماذا خرجت من كتابك عن اقتصاد النفط؟ - النظام الأسبق للترقيات في الجامعات لم يكن يعطي الكتاب أهمية في قرار الترقية مقارنة بالبحث العلمي، ومع ذلك أجبرني عدم وجود كتاب أكاديمي في اقتصاد النفط آنذاك دخول مجال تأليف الكتب الدراسية وفق المنهج المعتمد، ولكني لم أدرك صعوبة التجربة إلا بعد صدور الكتاب وبعد عدة إخفاقات، أولها عدم تحمس الزملاء للمشاركة في إصدار كتاب مشترك لانشغالهم بمهام استشارية أو التحضير للمواد الأخرى التي يقومون بتدريسها، ثانيها عدم وجود الناشر الذي يتابع الجوانب الفنية مثل المراجعات اللغوية والرسوم البيانية والتوضيحية والإخراج وغير ذلك من الأمور المتوافرة حالياً، ولهذا اضطررت إلى إصدار عدة طبعات ليس فقط لمتابعة المستجدات ولكن أيضاً لتعديل ما قد أكون غفلت عنه، وبشكل عام ما زلت أعتقد وآمل أن أجد الوقت لإعداد طبعة أرضى عنها تماماً. r وبماذا خرجت من كتابك الذي بعنوان «تغير المناخ من اقتصاد البيئة إلى دبلوماسية المفاوضات»؟ - بعد تزايد انتقال الاهتمام بالبيئة إلى إطارات دولية تتناول مشاكل بيئية أكبر من مجرد تلوث الهواء والماء مثل مشاكل التصحر، تدمير الغابات، انقراض بعض الكائنات الحية، تأكل طبقة الأوزون، التلوث الكيميائي والإشعاعي، والتغير المناخي. وبعد أن قضيت جزءاً من وقتي في متابعة مخرجات قمة الأرض الأولى ومشاركتي في الاجتماعات والمؤتمرات الخاصة بالتغير المناخي والتنمية المستدامة. فكرت في استثمار بعض الوقت في إعداد هذا الإصدار كونه يحصر ويوثق ويحلل بعض الكتابات والتجارب والأفكار حول البيئة والتغيرات المناخية. سائلًا المولى عز وجل أن يكون إضافة إيجابية للمكتبة العربية. r هل واكبت الأبحاث والكتابات الاقتصادية الظروف المحلية والأحداث العالمية؟ - من الطبيعي أن تختلف الدراسات والكتابات والأبحاث الاقتصادية وفقاً لطبيعة موطن الكتابة والظروف المحيطة بالفئة المستهدفة منها، فعندما كانت عوائد تصدير النفط متدنية بسبب ممارسات الشركات النفطية العالمية في حساب الأنصبة، كانت الكتابات والدراسات الاقتصادية تدور حول أهمية نقل التقنيات وسبل تمويل البنية الأساسية وأهمية التخطيط الاقتصادي. ومع تزايد اعتماد الاقتصاد السعودي على عوائد تصدير النفط في تغطية الإنفاق الاستثماري وتمويل مشاريع التنمية المختلفة بعدما ارتفعت الايرادات في منتصف السبعينيات وفتحت العوائد النفطية الضخمة أمام المملكة آفاقاً جديدة للتنمية الاقتصادية، وبدأ الاقتصاد السعودي في تجميع أرصدة ضخمة من العملات الأجنبية، تحولت الكتابات والدراسات لإيجاد مقترحات لمواجهة انخفاض القدرة الاستيعابية للاقتصاد لاستثمار هذه الأرصدة المتزايدة، بينما تغير الوضع في الثمانينيات عندما انكمش الطلب العالمي لعدة أسباب منها كساد النشاط الاقتصادي العالمي، ما دفع بأسعار النفط للانخفاض، فتغيرت الكتابات والدراسات إلى سبل ترشيد الإنفاق وتفسير الميزانيات الصفرية وأسباب استمرار العمل بالموازانات العامة نفسها. وبعد معاودة الأسعار إلى الارتفاع في التسعينيات عاد الاهتمام للكتابة عن أهمية تكثيف الجهود لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولكن في الوقت نفسه اتفق غالبية الكتاب الاقتصاديين والمتخصصين منذ بداية التخطيط في نهاية الستينيات على أهمية التنوع الاقتصادي وعدم تركيز الاعتماد على مورد ناضب، ولهذا كان دائماً الحديث الرئيسي والعامل المشترك في معظم الكتابات والدراسات هو أهمية تحفيز نمو القطاع الخاص من أجل تنويع اقتصاد المملكة وتوظيف المواطنين ودعم مشاريع البنية التحتية. فعلى الرغم من ارتفاع الإيرادات النفطية حتى بعد أزمة الاقتصاد العالمي، إلا أن المملكة واجهت عديداً من التحديات الاقتصادية التي انعكست أيضاً في الكتابات والاهتمامات الاقتصادية مثل ارتفاع معدل البطالة، وتزايد نمو المعدل السكاني إلى أعلى من 3%. وتراجع متوسط دخل الفرد.، وارتفاع الدين العام، وضعف التنوع الاقتصادي، والحرص على استقطاب الاستثمار الأجنبي بعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. وزاد الاهتمام بالقضايا العالمية مثل التغير المناخي والتنمية المستدامة. وأخيراً تحول الاهتمام إلى مناقشة المبررات والأسباب التي أدت إلى فشل بعض الحلول برغم الإنفاق والجهود المبذولة لمواجهة مشاكل هذه التحديات ومحاولة حلها من خلال رؤية جديدة متطورة.
مشاركة :