«خطيئة القرن»..تتسلق أسوار القدس !!

  • 12/8/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أهمية التجارب في حياة الأمم ، أن تعرف عند كل موضع من مواضع تاريخها، كيف وصلت إليه ؟ ولماذا ؟ وأن تعرف من أين هي قادمة، وإلى أين هي قاصدة ؟ وكيف وصلت بها الأحداث والحوادث إلى هذه الحال ؟! ولكن يبدو  أن  الأمة العربية لا تطرح هذه التساؤلات، ولا تريد أن تعرف كيف وصلت بها الأحوال إلى هذا المنعطف الذي سارت وتسير عليه الوقائع والأحداث !! وأمامنا ما حدث من «خطايا ومؤامرات»، تستهدف فلسطين، وكانت (القدس) في عين العاصفة ..وحتى موعد «خطيئة القرن» التي ارتكبها الرئيس الأمريكي «المختل عقليا» ترامب ..سلسلة متواصلة من المخططات والمؤامرات تتسلق أسوار القدس؟!         مع نهاية القرن التاسع عشر، كانت الأحلام تقترب من عرض جنون، أو جنوح غرائز، أو وسواس وهم، في مقولة «تيودور هيرتزل» أحد أبرز مؤسسي الحركة الصهيونية : «إذا حصلنا يوما على القدس، وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شئ ، فسوف أزيل كل شئ ليس مقدسا لدى اليهود فيها، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون» .. وكانت هذه التصورات ترسم لنفسها ما يناسب هواها، إستنادا إلى الأحلام، وسلطانها الغلاب، وإلى الأساطير التي تلامس حدود القداسة ..ولكن وجه الغرابة، أن الأحلام تحولت إلى حقائق، مع إحتلال القدس، وممارسات تهويد ما تبقى منها.. فامتلاك اليهود للقدس وإتخاذها عاصمة لإسرائيل، هو سعى لإمتلاك تاريخ فلسطين  نفسها، فهي جغرافيا في قلب فلسطين ومركزها، وهي رابطة العقد لكل الطرق الممتدة في كل إتجاه على طول الأرض الفلسطينية وعرضها .. وهكذا تم التخلي عن مصطلح «القدس الكبرى» كما رصد البدايات الباحث الأمريكي المختص بشؤن الشرق الأوسط «جيفرى أرنسون» وإعتماد مصطلح «القدس العظمى» ليشمل منطقة القدس ومحيطها أيضا ، بعد أن أصبحت 79 % من الأراضى في المنطقة المسماة القدس العظمى بأيدى الإسرائيليين ـ وفقا لدراسة جيفرى أرنسون 1995 ـ وفي هذا الإطار أصبحت معظم شبكات البنية التحتية من المياه والكهرباء والمجاري والهاتف والطرق ، تربط بين القدس ومحيطها.           ورغم أن أول حجر في أول بيت في المدينة المقدية، على مرتفع«أوفل»،غير معروف ، إلا أن الراجح تاريخيا أن  نبي الله «إبراهيم الخليل» ـ عليه السلام ـ  مرّ بالمدينة في العام 2085  ق . م تقريبا ،  وكانت آنئذ مدينة متكاملة ذات قاعدة ملكية وهياكل دينية ومركز مقدس ، بدليل ذكرها في كل من سجل الآثار السوري والمصري ، فقد ورد ذكرها في الوثائق التي عثر عليها في «عبلا » تل مرديخ في شمال سوريا ، وترجع إلى أواسط الألف الثالثة  ق . م ، وترد في هذه الوثائق أسماء عدة مدن منها «سالم» التي يرجح بعض العلماء بأنها تشير إلى القدس ، كما وجدت نصوص مصرية قديمة يرجع تاريخها إلى الألف الثالثة  ق . م ، تشير إلى وجود الكنعانيين في القدس ، وقد بلغوا درجة عالية من سلم الحضارة .. وفي شهر يوليو 1998 ، أعلن فريق من علماء الآثار العاملين في دوائر الآثار الإسرائيلية ، أن القدس كانت مدينة مهمة متطورة ، وإستندوا في إعلانهم إلى عمليات التنقيب التي أجروها في القدس الشرقية طوال عامين ، وأدت إلى إكتشافهم نظاما معقدا لجر المياه وصفوه بأنه  «أحد الأنظمة الأكثر تعقيدا وحماية في الشرق الأوسط » وأنه يرجع إلى ما قبل عام 1800  ق . م ، وكانت المدن العمورية والكنعانية واليبوسية في تلك الآونة قد بلغت شأوا عاليا من الحضارة ، والأرجح أن يكون هذا قد إحتاج إلى ألفي سنة على أقل تقدير ،وقبل زيارة إبراهيم الخليل الذي يدّعى اليهود كذبا بأنه أباهم الأول .. وقد جاء في القرآن الكريم الفصل في هذا الموضوع ..  قال تعالى : «يا أهل الكتاب لما تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون» آل عمران : 65 ..  و «وما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين» آل عمران : 67 ..  وفي الإصحاحات ( 14 ـ 21 ) من سفر التكوين بالتوراة ، ورد أن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام وصل إلى مدينة القدس وكان «مليكي صادق» الذي تذكره الكتب العبرية القديمة بهذا الاسم ، ملكا لمدينة  «شالم » أقدم اسم للقدس ، وهو من اليبوسيين وهم فرع من الكنعانيين أجداد العرب ، وأن مليكي صادق رحب بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وقال له كما تذكر التوراة «مبارك أنت يا أبرام ـ أي إبراهيم ـ من الله العلي مالك السماوات والأرض».         والنص التوراتي يشير إلى الحقائق التالية :    أولا : أن صاحب القدس أو «شالم » كان في الأصل من الكنعانيين أجداد العرب وليس من العبرانيين أجداد اليهود .    ثانيا : أن الذي وفد على هذا المكان وأهله من العرب الكنعانيين ، هو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، ومعنى هذا أن أنبياء اليهود جاءوا من بعده ، وهنا تثبت عروبة القدس بنص التوراة نفسها.       وقد اختير موقع القدس التاريخية على مرتفع «الضهور» لأسباب دينية ودفاعية، فمرتفع الضهور تحيط به أودية عميقة من سائر جبهاته إلا الشمال، والموقع ينأى بعض الشيء عن الطريق الرئيسي ـ التجاري ـ الذي كان يصل فلسطين بمصر ، كما أنه يقترب من مفترق الطرق القديمة بين نواحي الخليل ونابلس من جهة ، وأريحا وشرقي الأردن من جهة أخرى ، ولا ريب أن قرب عين الماء «جيحون» كان سببا رئيسيا في إختيار الموقع ، ويبلغ إرتفاع الضهور 680 مترا عن سطح البحر ، ويبلغ طوله الممتد من الشمال إلى الجنوب نحو 400 متر ، وعرضه من الشرق إلى الغرب نحو 135 مترا ، أي أن مساحته نحو 55 دونما .. وعلى هذا المرتفع أنشأ اليبوسيون العرب المدينة لأول مرة ، وأطلقوا عليها «يبوس» أو  «سالم» نسبة إلى إسم أحد أجدادهم .. وكان من الممكن أن يبني اليبوسيين القدس على مرتفع  «صهيون» الذي يقع إلى الغرب ، لأنه أوسع وأعلى من موقع مرتفع الضهور ، ولكنهم اختاروا هذا الأخير لأنه أقرب إلى مصدر الماء .. ومن الواضح أن القدس قد بنيت تدريجيا لا دفعة واحدة ، وأن قسما من الأسر اليبوسية ، سكن حول ذلك المرتفع وفي السهول والأدوية المجاورة في قرى صغيرة وبيوت بسيطة ودساكر متفرقة بنيت من الحجارة والطين ، وفي بيوت أخرى من الشعر، وفي الكهوف الصخرية، وكان الذي يقف على مرتفعات القدس يرى القرى والبيوت وأصحابها من الرعاة ومواشيهم في التلال من خلال تلك المرتفعات والقسم الشمالي من مرتفع الضهور  «أوفل» .         ودخلت فلسطين في مرحلة جديدة من تاريخها ، حين وفد إليها من قلب الجزيرة العربية قبائل العموريين ، والكنعانيين ، ومعهم اليبوسيين الذين تفرعوا عنهم ، وقد فرض الوافدون الجدد أنفسهم على سكان البلاد الذين تداخلوا معهم وإنصهروا على مر الزمن ، وكونوا معهم شعبا واحد .. ويقول المؤرخ « آب طوماس » المختص بدراسة القدس في جامعة ويلز : إنه وجدت آثار لهذه القبائل التي هاجرت إلى نواحي القدس ، تدل على أن موقع المدينة كان مسكونا في ذلك التاريخ .. ومع أن عائلات عمورية كثيرة سكنت القدس مما جعل المدينة عمورية ، فإن أمر المدينة إستقر فيما بعد أنها مدينة يبوسية ـ كنعانية .. وليس في الأمر أي التباس إذا أخذنا بعين الاعتبار رأي بعض المؤرخين ، أن الكنعانيين إنبثقوا من العموريين ، إنبثاق اليبوسيين من الكنعانيين .. ومن المفارقات التي تستحق التأمل، أن الحركة الصهيونية حاولت أن تخلق تاريخا موثقا للقدس  «اليهودية» وللوعد المقدس في فلسطين لليهود ـ بالتنقيب عن الآثار ، للبحث عن وثائق وحفريات الوجود اليهودي !! بينما كشف «ويليام درايميل » في كتابه عن القدس بعنوان (المدينة المسحورة ) تفاصيل موثقة عن الجهد الذي بذلته  سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من سنة 1948 إلى سنة 1995 في التنقيب عن آثار تدل على تاريخ يهودي في فلسطين ، ولم تستطع إكتشاف ماض يبني عليه حاضر ومستقبل !! وهوما أجمع عليه علماء آثار يهود بأنه لايوجد أي أثر يهودي في القدس، رغم السنوات التي قضتها سلطات الإحتلال الإسرائيلي في البحث عن آثار يهودية في المدينة، من خلال عمليات الحفر في جنبات المدينة، لإثبات يهوديتها .. وفي محاضرة له بجامعة تل أبيب، في شهر ديسمبر 2011 ،أكد عالم الآثار «رافاييل جرينبرج»  أنه كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئا حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن عمليات الحفر التي تجرى دون توقف في مدينة داود بحّي سلوان بالقدس، لم تعثر على شىء ..  وتقول عالمة الآثار اليهودية الشهيرة الدكتورة  «شولاميت جيفا» ـ أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة تل أبيب ـ إن علم الآثار اليهودي أريد له تعسفا أن يكون أداة للحركة الصهيونية ، تختلق بواسطته صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة اليهودية المعاصرة  .. وهي نفس الرؤية التي كشف عنها الكاتب الأمريكي اليهودي «كيث ويتلم» في دراسة بعنوان  (إختراع التاريخ اليهودي القديم ، وخنق التاريخ الفلسطيني كله ) .. والثابت أن نتائج الحفريات التي جرت في القدس منذ عام  1964 وحتى اليوم ، أكدت الحقائق التاريخية والأثرية التالية :            أن الآثار الموجودة فوق سطح الأرض من كنائس، ومساجد ، وعقارات ، ومدارس، وأديرة، وتكايا، وزوايا ، هي عربية ، وبيزنطية رومانية من عهد  «هدريان» الذي هدم القدس هدما تاما وحرثها ، ولم يبق حجرا على حجر ، فتساوى الهيكل بالأرض بحيث لم يبق أي اثر من عهد داود أو سليمان أو ملوك بني إسرائيل داخل أسوار القدس .. وأن تخطيط القدس في أسوارها وشوارعها وموضع كنائسها وأبنيتها العامة ينطبق على خارطة مأدبا ( إحدى المدن الأردنية الأثرية ) التي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي .. ونتيجة لهذه الدراسات ، قررت منظمة اليونسكو ، إزاء الأخطار التي تهدد القدس الغنية بالتراث الحضاري والإنساني، أن تسجل المدينة على قائمة الثروة الحضارية العالمية ، وفي محاولة لمنع إسرائيل من إستئناف حفرياتها ، ووقف التغييرات التي تحاول إدخالها على التنظيم المدني للمدينة .. وإتخذت اليونسكو ثلاثة إجراءات هي  :  مطالبة إسرائيل بوقف الإعتداء على تراث المدينة .. وكفالة وجود اليونسكو في القدس لضمان وقف الإعتداء ..  ومطالبة إسرائيل بإحترام قرارات اليونسكو .. وطالبت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وبخاصة القرارين رقمي 181 و194 بالحفاظ على مدينة القدس ، وعلى وضعها الدولي ، وأن تكون تحت إشراف مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة ، والذي تمكن آنذاك بالفعل من وضع المبادئ الأساسية لنظام الحكم الدولي لمدينة القدس ، إلا أن إسرائيل لم تعر المجتمع الدولي أي اهتمام ، فاستولت على القدس الغربية عام 1948 ،ثم إحتلت القدس الشرقية عام 1967 ، وفي عام 1980 أعلنت القدس عاصمة أبدية لها !! وفي نفس السياق صدر قرار مجلس الأمن رقم 252 في 21 / 5 / 1968 بأن الإستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري أمر غير مقبول ، وطالب إسرائيل بإلغاء جميع الإجراءات التي إتخذتها ، وتستهدف تغيير الوضع في القدس ، ثم أكد في قراراته أرقام 267 ( 1969 ) ، 298 ( 1971 ) 478 ( 1980 ) ، 592 ( 1986 ) ، 672 ( 1990 ) ، 673 (1990) ،681 ( 1990 ) ،904 ( 1994 ) ،وتوابعها فيما بعد ، على أن الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير الوضع القانوني في القدس غير مشروعة ،وطالب إسرائيل بالإمتناع عن إتخاذ أية إجراءات تستهدف تغيير الوضع في القدس .. إلا أن إسرائيل مازالت مستمرة وبإصرار ، في تحدي إرادة المجتمع الدولي بالسير قدما في تهويد المدينة المقدسة ، وخلق أمر واقع يصعب تغييره في المستقبل !!

مشاركة :