عين الموصل يكشف عن هويته: أنا حر أخيرا“لا أستطيع أن أبقى مجهولا بعد الآن. هزمت داعش. بإمكانك أن تراني الآن، بإمكانك أن تعرفني الآن”، هذا ما قاله الشاب الموصلي عمر محمد وهو يكشف للعالم عن هويته التي أخفاها طوال ثلاثة أعوام خلف حسابات “عين الموصل” على الشبكات الاجتماعية التي نقلت إلى العالم تفاصيل الحياة في مدينته وهي تحت سيطرة تنظيم داعش، في مهمة كان من الممكن أن تكلفه حياته في أي لحظة.العرب [نُشر في 2017/12/09، العدد: 10837، ص(19)]شاب هزم داعش الموصل (العراق) - لأكثر من ثلاثة أعوام، تجول عمر محمد (31 عاما) نهارا في شوارع الموصل متحدثا مع أصحاب المحلات والأهالي وحتى مسلحي داعش، أطال شعره ولحيته وارتدى السراويل القصيرة التي يفرض المتطرفون ارتداءها وأجبر نفسه على رؤية قطع الرؤوس و“إقامة الحدود” حتى يتمكن من سماع القتلة يدعون أسماء المدانين وجرائمهم المفترضة. وفي الليل كان يتحول إلى “عين الموصل” لينقل إلى العالم عبر مدونته وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، انتهاكات داعش في مدينته. يقول أحد متابعي عمر محمد على فيسبوك “عندما كان الموت يجتاحنا، كنت تقول: نحن الحياة. أنا فخور بك جدا يا عمر”. ووصل عدد متابعي صفحاته إلى مئات الآلاف رأوا في شخصية المؤرخ الشاب بطلا خفيا وحقيقيا في وجه داعش. ولكن بعد أكثر من ثلاث سنوات ازداد ثقل حياته بصورة مضاعفة جدا إلى درجة يصعب تحملها، جعلته ينسى حتى اسمه. وقال إن أسراره قد أهلكت قواه، وإن تلك الجهود كان من المفترض أن يستخدمها في تحضير رسالة الدكتوراه وللمساعدة في إعادة بناء الموصل. وكان الكشف عن هويته لأجل الآلاف من القراء والمتابعين وأيضا لجميع المتطوعين في جمع المعلومات في الموصل الذين كانوا يعتبرونه رجلا لم يسبق له مثيل. ولكن فوق كل ذلك لأجل الأخ الذي مات في المعركة النهائية ولأمه الحزينة، حسب مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة أسوشييتد برس. وقال عمر “لا أستطيع أن أكون مجهول الهوية، وكشفي عن هويتي يعني أنني هزمت تنظيم داعش، يمكنك أن تراني الآن، ويمكنك أن تعرفني الآن”. كان عمر قد وضع أول منشور على صفحته الخاصة على فيسبوك بعد أيام قليلة من اجتياح التنظيم لمدينة الموصل، فحذره أحد أصدقائه من العواقب الوخيمة لهذا التصرف. وفي 18 يونيو 2014 خرج عمر بمدونة “عين الموصل” تحت شعار “لا تثق بأحد، قم بتوثيق كل شيء”، ليتحول هذا الموقع بعدها إلى أحد المصادر الرئيسية لأخبار مسلحي داعش ولأفعالهم في مدينة الموصل.عمر محمد كشف عن هويته لأجل المتابعين والمتطوعين ولأجل الأخ الذي مات في المعركة النهائية ويحتوي الكمبيوتر الخاص بعمر، على سجل الموت الذي تسبب به تنظيم داعش في المدينة. كل جريمة في ملف يحدد سبب الموت ومرتكب الجريمة. وفي معلومات لم يتم نشرها تعود إلى يناير من عام 2015، كتب عمر عن جرائم الإجهاض التي ارتكبها داعش بحق الإيزيديات، وذلك نقلا عن طبيب أفاد بوقوع نحو 50 إلى 60 عملية إجهاض للأسيرات، وبوفاة نحو عشر فتيات إيزيديات تأثرن بإصاباتهن نتيجة الاغتصاب المتكرر. وفي معلومات أخرى تعود إلى السابع من يوليو 2015، كتب عمر “تم إعدام 43 شخصا في أماكن متفرقة، هذه المرة بإطلاق النار، وهو أمر غير مألوف لأنهم كانوا يعدمون سابقا بقطع الرأس. وأفاد مصدر من داخل داعش بأن 13 ممن أعدموا كانوا من مسلحي التنظيم وحاولوا الفرار”. وأصبح عين الموصل أحد المصادر الرئيسية للأخبار في العالم الخارجي عن مقاتلي تنظيم داعش وفظائعهم وتحويلهم المدينة إلى ظل من الأشباح. وقد تضمنت معلومات عمر محمد في بعض الأحيان صورا للمقاتلين والقادة، مكتملة بالسير الذاتية التي تم تجميعها بشكل خفي خلال حياته الطبيعية من عالم خارج العمل الذي يعيشه في المنزل. وقام بتوسيع صفحته على فيسبوك وتويتر وتغذيتهما بكافة المعلومات من أجل نشرها للعالم الخارجي وفي الوقت الذي كان يلمـح بالقليل من الأخبار، أجل وضع خطة للهروب، وقد أجرت عدة وكالات الاستخبارات اتصالات معه أيضا لكنه رفضها جميعا. وأضاف قائلا لهم “أنا لست جاسوسا أو صحافيا، وإذا كنتم ترغبون في المعلومات، فإنها قد نشرت وإنها عامة للجميع ومجانا”. وفي 15 ديسمبر 2015 قرر عمر أن وقت الفرار حان بعد تزايد الضغوط عليه. وتمكن من ذلك عبر مهرب تقاضى ألف دولار ليوصله إلى تركيا وفي جعبته كل ما جمعه من معلومات. لدى وصوله إلى أوروبا، واصل عمر عبر “عين الموصل” مهمته بمساعدة أهله وأصدقائه الذين تواصل معهم عبر واتساب وفايبر وفيسبوك لتوثيق جرائم داعش، وحصل على اللجوء في أوروبا في فبراير الماضي. وعلم مئات الآلاف من أتباعه في فيسبوك وتويتر الخميس أخيرا هوية رجل يشعرون أنهم قد عرفوه منشورا بعد منشور وقراءة بعد قراءة أنه بطل حقيقي. وقد رفع الحمل عن كاهل عمر محمد، الذي قال “أنا أشعر بالحرية الآن”. وكتب عمر على حسابه على تويتر الجمعة متحدثا عن اللحظة التي أخبر فيها والدته بأنه هو “عين الموصل”، وقال إنها بكت وتمنت أن تكون معه لتحضنه، وقالت له “كنت أعرف أن شيئا ما كان يحصل معك”.
مشاركة :