عبدالستار ناصر ومارلين مونرو بقلم: علي السوداني

  • 12/9/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

البارحة شالتني قدماي صوب حانة محمد الفايز السعيدة. جلست تحت ظلّ لوحة مارلين، وقبل وشل الكأس الأخيرة، سمعت نحيبا مكتوما ورأيت دمعا مدرارا يكاد يغطي اللوحة ويحوّلها إلى حفلة ألوان هائلة.العرب علي السوداني [نُشر في 2017/12/09، العدد: 10837، ص(24)] عرفته يوم فتحتْ سنة الرمادة والقحط، ألف وتسعمئة وتسعين، بابها على أهل العراق، فجوّعتهم وأمرضتهم وأفسدتهم وقتلتهم وشتّتهم وجعلتهم يهيمون على وجوههم، مثل بلدانيين رحّالة لا يعلم واحدهم بأي أرض سيهدر آخر أنفاسه ويموت. ببغداد العليلة كنت معه في عصرية مقهى حسن عجمي بالحيدرخانة، وليلية حان اتحاد الأدباء بساحة الأندلس، وبعد هجيجي إلى عمّان سنة ألف وتسعمئة وأربعة وتسعين، انولدت ثنائية طيبة أخرى هي مقهى السنترال وحانة الشرق التي تقع على مرمى نظر من مقهى زكي أبوزيد. لم تحدث تبدلات كثيرة بين مقهى وحانة بغداد وبين مقهى وحانة عمّان، فاللعب والمراهنة وحرق الوقت والأعصاب بلعبة الطاولي الرائعة، ظلّ كما كان قائما تحت سمائنا الأولى، وتكاثرَ الربع والمريدون والجلاس حول طاولتنا الساخنة برميات النرد وقفشات المتفرجين الخبثاء الذين يشتهون فوزي لأنني كنت أعدهم بأن في خمرة الرهان خاصتي حقّ لصالح الجيزاني وحيدر شميس وجمال زهران وعلي منشد وحسن الصحن وجمال البستاني، والذين جيوبهم تشبه محفظة كاظم النصار سنوات الحصار الأسود. في حانة الشرق كنا نحظى بالكثير من الحب وغض النظر عن زوائد فاتورة الحساب، لأن صاحب الحان محمد الفايز كان يعشق الأدباء والفنانين والصعاليك النبلاء. في زاوية معلنة من زوايا الحانة ثمة لوحة جميلة معتقة زبدتها آهة من آهات مارلين مونرو. لا أحد يعرف اسم راسمها وكان ينظر لها على أنها من معمولات فانوس الرسم التجاري، لكن عبدالستار ظل يكرر عرض شرائها بمئتي دولار، فيرد عليه صاحب المكان برفض ودود، أما أنا فدائما ما كنت أدعو مارلينة الحلوة صوب مائدتنا الطيبة كي تسكر معنا ونرفع كأسا عالية بصحة بغداد العباسية ونواسياتها الرحيمة التي ذهبت ولن تعود. في تلك السنوات صار عبدالستار ناصر القاص والحكواتي والروائي والضحاك ومغني الحليميات والوهابيات بصوت عذب، صار قطعة من أثاث وسط ربة عمون، وعندما سافر إلى مهجره الكندي البارد، انفرطت اللمة المذهلة، كما لو أن كؤوس الصحب كلها كانت مؤقتة على رنّة كأس “ستّوري” الذي مات غريبا فترمّل الندامى والمقهى والحان. البارحة شالتني قدماي صوب حانة محمد الفايز السعيدة. جلست تحت ظلّ لوحة مارلين، وقبل وشل الكأس الأخيرة، سمعت نحيبا مكتوما ورأيت دمعا مدرارا يكاد يغطي اللوحة ويحوّلها إلى حفلة ألوان هائلة. علي السوداني

مشاركة :