يأتي فصل الشتاء في كل عام محملاً بالهواء البارد والطقس القارس كما يحمل معه مجموعة من الأمراض الجسدية والحالات النفسية خصوصاً في بداياته، وبالرغم من أنها أمراض باتت معروفة ومتوقعة لدى الجميع، إلا أنه يصعب التآلف معها بسبب آثارها المرهقة خصوصاً إن كان المريض ضعيف البنية أو طفلاً صغيراً لكونها أمراضاً لا يستطيع الوقوف في وجهها إلا جهاز المناعة، فالشتاء فصل لا يميز بين القوي والضعيف أو الصغير والكبير فتهب عاصفته المرضية في وجه كل من يتعرض لعواملها فيصاب الكثيرون بنزلات البرد أو الإنفلونزا وربما تتصاعد الحالة لتصل إلى التهاب الحنجرة أو الالتهاب الرئوي، ولا يقتصر الأمر فقط على الجهاز التنفسي بل تتأثر البطن أيضاً بسبب فيروسات بعينها تنتشر في ذلك الطقس؛ وتظهر لدى البعض أعراض نفسية فتتغير حالتهم النفسية تبعاً لتغير حالة الطقس فيصبح الشخص في حالة من السكون غير الطبيعي كأنه يواجه ثورة الهواء البارد برد فعل معاكس وهو ما لم يتمكن العلماء حتى الآن من اكتشاف أسبابه؛ أما الأطفال فلهم نصيب من الأمراض الجسدية الشتوية، حيث يكون الطفل عرضة بدرجة كبيرة لالتهاب الأذن الحاد وهو من أكثر أمراض الأطفال شيوعاً في فصل الشتاء. نزلات البرد.. أمراض مخيفة تحولت الإصابة بنزلات البرد في هذه الأيام إلى كابوس مزعج، واشتدت حدتها وتأثيرها بشكل قاس على المصابين، فلم تعد هذه الأمراض بسيطة كما كانت، حيث يضطر الكثير إلى الذهاب إلى الطبيب والجلوس في البيت وترك الأعمال حتى يشفى من هذه الأمراض، ففي السابق كان الشخص يذهب إلى عمله والطالب إلى مدرسته وهو مصاب بإحدى أمراض البرد، ولا يتطلب الأمر زيارة الطبيب، هذا التحول في شراسة المرض يدل على أن البكتريا والميكروبات التي تسبب أمراض البرد في تطور مستمر.يمكن أن تستمر نزلة البرد وقتا طويلا أكثر من المعتاد، واختفت الأعراض الطفيفة والبسيطة من قاموس هذه الأمراض، وتعتبر نزلات البرد من أكثر الأمراض انتشارا وتفشيا في جميع أنحاء العالم، ويمكن أن تسمع أن أحد الأقارب أو الأصحاب نقل إلى المشفى نتيجة الإصابة بعدوى البرد، وتندهش وتظهر عليك علامات الاستغراب، وتردد في نفسك هل معقول أن نزلة برد تسببت في نقل هذا الشخص إلى المشفى، وهذا دليل على أن هناك تطورات جديدة طرأت على هذه الأمراض، ونقلتها من قائمة الحالات البسيطة التي تشفى من تلقاء نفسها بواسطة عمل الجهاز المناعي، إلى المشاكل المرهقة والمزعجة التي تحتاج إلى علاج وأدوية وراحة، وفي هذا الموضوع سوف نتناول نزلات البرد بأنواعها والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بها، والأعراض التي تظهر على المصابين وطرق الوقاية والعلاج المتاحة. السعال والصداع والحمى تنتشر نزلات البرد بصورة واسعة بين جميع الأعمار، وتكون أشد قسوة لدى الأطفال وكبار السن، وتزيد أكثر في الأجواء الباردة رغم أنها تهاجم البعض في فصل الصيف، وبدأت تظهر أعراضها بقوة غير معتادة ومنها السعال الحاد والمستمر لفترات طويلة، والذي يسبب اضطرابات النوم نتيجة عدم الراحة وارتفاع حدته أثناء النوم، وغالبا ما يصاحب ذلك البلغم الكثيف، الذي يسبب انسداد الأنف ويعقبه حالة من سيلان المخاط بشكل كبير وغالبا ما يكون مائلا إلى اللون الأخضر مع ارتفاع في درجات الحرارة والإصابة بالصداع الشديد، لدرجة عدم المقدرة على البقاء في الضوء، وتدمع العين بغزارة ويميل المصاب إلى النوم وغلق العينين، كما يحدث احتقان في الحلق وألم في جميع أنحاء الجسم والعضلات، وحالة من الإرهاق والتعب العام، والحاجة إلى الراحة وعدم بذل أي نشاط، وأدى تساهل الكثير مع نزلات البرد على اعتبار أنها مرض بسيط إلى عدم تناول الأدوية للتخلص من هذه الأعراض، وهو ما جعل الأعراض تزيد في شدتها ولا تختفي إلا بالأدوية القوية، ويصاب الشخص بنزلات البرد عند الإصابة ببعض أنواع من الفيروسات للجهاز التنفسي، ما يؤدي إلى حدوث بعض الالتهابات التي تعوق الجهاز التنفسي عن أداء وظائفه على الوجه السليم، وتوجد أعداد كثيرة من أنواع الفيروسات التي تؤدي إلى الإصابة بهذه الأمراض، ووصل عددها إلى أكثر من 270 نوعا تسبب نزلات البرد، ويتحور ويتغير بعضها إلى نوع جديد. انتقال العدوى تعد نزلات البرد من الأمراض شديدة العدوى تنتقل من شخص مصاب إلى آخر سليم، والمشكلة في فيروسات نزلات البرد أنها كثيرة ومتنوعة ومختلفة وغير ثابته، ولذلك لا تصلح معها أساليب التطعيم للوقاية، كما تفشل الأدوية في علاج نزلات البرد، فهي من الأمراض التي ليس لها علاج نهائي، ولكن بعض الأدوية تسهم فقط في تقليل حدة الأعراض الصادرة عن المرض، دون القضاء على الفيروسات الأساسية المسببة لنزلات البرد، وتتكرر الإصابة بهذه النزلات طوال العام، لأن جهاز المناعة كلما كون أجساما مضادة لنوع من الفيروسات الذي سبب هذه النزلة، فإن المرة القادمة للمرض سوف يكون المسبب نوع آخر من الفيروسات ليس له أجسام مضادة داخل الجسد، وسهولة انتقال هذه الفيروسات جعلت من نزلات البرد مرضا شعبيا متفشيا، فمن خلال مصافحة شخص مصاب يمكن أن ينتقل المرض، لأنه غالبا ما يستخدم الشخص المصاب يديه في مسح وجهه وأنفه فتعلق بها الفيروسات، وهكذا تنتقل للشخص الآخر أو من خلال عادة التقبيل، وكذلك عن طريق استعمال الأدوات الشخصية للمصاب، وفي الأماكن العامة المزدحمة مثل مؤسسات التعليم ودور رعاية المسنين والحضانات، نتيجة تلاقي وتلاحم النفس في هذه الأماكن فهي بيئة خصبة لانتشار هذه الفيروسات، ومن خلال العطاس والسعال اللذين يسببان انتشار الفيروس في الهواء بكميات كبيرة، وفي هذه الحالة أي شخص يتنفس هذا الهواء سوف يصاب بعدوى نزلات البرد فورا، وهناك طرق وأساليب كثيرة تنتقل بواسطتها العدوى إلى الآخرين، مثل لمس أي سطح سبق وأن لمسه شخص مصاب. جدل ينصح الأطباء بالراحة وتناول بعض الأطعمة التي تحتوي على فيتامين «سي»، لسرعة الشفاء من نزلات البرد، والعمل على الوقاية منها، إضافة إلى تناول كميات كبيرة من السوائل الدافئة والمياه، لتسهم في إزالة البلغم المتكون داخل الجسم جراء المعركة التي دارت بين جهاز المناعة وهذه الفيروسات، كما يمكن تناول بعض الأدوية التي تساعد على سرعة الشفاء، ولكن دراسة نيوزيلندية حديثة كشفت أن أحد أشهر الأدوية التي تستخدم في علاج نزلات البرد والإنفلونزا ليس له فاعلية في علاج هذه الأمراض، وليس له تأثير في الأعراض التي تنتج عن هذه الأمراض، وتوصل الباحثون القائمون على هذه الدراسة إلى دواء الباراسیتامول أو الأسيتامينوفين الذي من المفروض أنه مسكن وخافض للحرارة واسع الاستخدام، لا يقوم بدور في علاج أمراض البرد، وذلك بعد إجراء تجربة على 86 شخصا متطوعا من المصابين بأعراض أمراض البرد، وتناول 50% منهم دواء بارسيتامول، و50% الآخرين تم علاجهم بمواد لا تحتوي على أي مواد علاجية، وكانت النتائج مثيرة للجدل، حيث بينت أنه لا يوجد فرق ملحوظ في التحسن من هذه الأمراض بين المجموعتين، ولكن هذه الدراسة تحتاج إلى مزيد من التدقيق والتحقق، لأن هناك العديد من الدراسات الأخرى التي أثبتت فاعلية دواء الباراسيتامول في تسكين الألم الناتج عن البرد وتقليل درجات الحرارة المرتفعة، وهو ما يدعو إلى إجراء دراسات وتجارب أخرى للوصول إلى نتائج حاسمة. النوبات القلبية توصلت دراسة تايوانية أخرى إلى أن الإكثار من تناول بعض الأنواع من الأدوية لمخصصة لعلاج نزلات البرد والانفلونزا، يرفع من زيادة فرص الإصابة بالنوبات والسكتات القلبية بنسبة 4 أضعاف الأشخاص الذين لا يتناولون هذه العلاجات، وتبين أن هذه الأدوية المسكنة لبعض أعراض نزلات البرد وعدوى الجهاز التنفسي والإنفلونزا تزيد من خطر الإصابة بالنوبات بدرجة 3.6 ضعف مقارنة بالآخرين، وخاصة الأدوية التي تحتوي على مادة الإيبوبروفين وهو دواء لاستيرويدي مضاد للالتهاب، والتي تزيد من نسبة الخطورة السابقة بصورة عالية للغاية، تمت الدراسة على 12 ألف متطوع من المصابين بأمراض ونزلات البرد، واستمرت الدراسة إلى ما يقرب من 8 سنوات بغرض التعرف إلى تأثير المسكنات المضادة للالتهابات غير الستيرويدية على صحة المتعاطين من المرضى، وخاصة تأثيرها في وظائف القلب وصحته، كما اكتشفت هذه الدراسة أن نفس هذه الأدوية تؤدي إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم بصورة ملحوظة، كما تقود إلى حالة الفشل القلبي نتيجة تناولها على المدى الطويل، نتيجة بعض التفاعلات الكيميائية الضارة بالجسم. الوحدة تفاقم المشكلة كشفت دراسة أمريكية جديدة أن الوحدة أحد أسباب الإصابة بأمراض البرد، وتزيد أيضاً من تفاقم وشدة تأثير الأعراض في المصاب، حيث بينت الدراسة أن نزلات البرد تصبح ثقيلة للغاية على الجسم في حالة الإحساس بالعزلة عن البيئة الاجتماعية المحيطة. شملت الدراسة 165 متطوعاً من الجنسين، ممن تراوح أعمارهم بين 20 إلى 60 عاماً، حيث قام الباحثون بعمل اختبارات نفسية مع الفحص الطبي المعتاد، وتم وضع قطرات لهم أدت إلى ظهور أعراض نزلات البرد، وبقيت مجموعة من هؤلاء 6 أيام في غرف الحجر الصحي المنفصل، وكانت النتيجة أن مجموعة الأشخاص التي عانت العزلة ظهرت عليهم أعراض شديدة من السعال والتهاب الحلق وسيلان الأنف والتهابات الجهاز التنفسي بصورة أكبر، برغم أن الوحدة لم تزد من خطر الإصابة بنزلات البرد، إلا أن الأعراض هي التي تحولت إلى الشراسة، وأوضحت الدراسة أن الوحدة يمكن أن يشعر بها الفرد وسط مجموعة، وليس شرطاً أن يكون منعزلاً في غرفة ومنفصلاً، حيث ربطت الدراسة بين تفاقم الأعراض والحالة النفسية المتمثلة في الوحدة، لأن بعض الأشخاص الذين كانوا ضمن المجموعة التي لم تحجز في غرف الحجر الصحي، ويعانون الشعور بالوحدة تفاقمت الأعراض عليهم أيضاً
مشاركة :