لافتات تباغت المواطنين صباحاً من دون سابق إنذار. الحاج فلان الفلاني أو رجل الأعمال علان العلاني يعلن دعمه الرئيس عبد الفتاح السيسي (الذي لم يترشح بعد) في فترة انتخابية جديدة، ويتعامل معها المارة باعتبارها استهلالاً لموسم لم يعلن بعد وإن كان قد بدأ بداية حامية. حملات الترشح الرئاسية الحامية بدأت بدايات قوامها الإثارة ومحتواها افتقاد الاستنارة. لكنها حملات ليست كالتي سبقتها، وأغلب الظن أنها لا تشبه التي ستليها، فبين إحساس بأن فلانًا ينوي الترشح، وشعور بأن علان يفكر في التقدم، يبرز تحليل بأن ما فعله فلان يكشف نية للتدخل، وترجيح بأن ما غرده علان يفضح رغبة للحاق بالسباق. السباق الذي لم يبدأ بعد فعليًا، ولم يتقدم للالتحاق به أحد رسميًا، ملتهب لدرجة الاشتعال ومحتقن إلى حد الانفعال. انفعل المصريون كما لم ينفعلوا من قبل ما إن قال رئيس وزراء مصر ووزير طيرانها الأسبق الفريق أحمد شفيق إنه سيرشح نفسه في الانتخابات المقررة العام المقبل. هبد وزرع غير مسبوقين، وتحليل وتفنيد غير منظورين انخرط فيها الجميع بين متسائل عن سبب النية، ومتشكك في الغاية منها. العجيب والغريب أن أحدًا لم يتعمق كثيرًا في الترشح نفسه. ترشح الفريق شفيق الذي بات في علم الغيب في ضوء التعقيدات الأخيرة، بين قوله بأن الإمارات تمنعه من السفر إلى مصر، ثم وصوله إلى مصر على متن طائرة خاصة قادمًا من الإمارات، ثم الإشاعة بأنه اختطف من المطار، ثم مداخلته على الهواء مباشرة مؤكدًا أنه حر طليق وأنه لم يحسم أمر الترشح بعد، لم يأخذه على محمل الجد سوى فئة قليلة العدد صاخبة الأثر. هم أصحاب تدوينات فايسبوكية زاعقة وتغريدات تويترية صاخبة، والبعض من المحسوبين على جماعة «الإخوان المسلمين». أصوات إخوانية عدة تردد في وسائل إعلام عربية وغربية أن ترشح الفريق شفيق من شأنه أن ينقذ مصر من مشكلاتها الحالية، «فهو» – بحسب هؤلاء «من أبناء المؤسسة العسكرية وله مؤيدون في الدولة العميقة المناصرة لمبارك وحصل على ملايين الأصوات في الانتخابات الرئاسية الوحيدة التي تميزت بالنزاهة والتي فاز بها الرئيس محمد مرسي». أما أنصار الفريق افتراضيًا، فاقتحموا الساحة العنكبوتية معددين إنجازاته، ومفردين المساحات للتغزل في إمكاناته، ومؤكدين أنه الوحيد القادر على النهضة بالبلاد، هو من خاض حرب أكتوبر وبنى مطار القاهرة الدولي. ومن مطار القاهرة إلى ريف مصر حيث غمرت صور المرشح الرئاسي الحقوقي المحتمل الخاسر سابقًا خالد علي في ما سماه البعض «جلابية سيشين»، وذلك في إشارة خفيفة الظل إلى ارتداء علي جلباباً ريفياً وإصراره على التصوير جنبًا إلى جنب مع ثمار الخضروات المختلفة. «جلابية سيشين» يفسرها البعض بإنها حملة ترويجية مبكرة الهدف منها دغدغة مشاعر أهل الريف باعتبارهم قاعدة انتخابية معتبرة. وقد تنبه علي لأهمية مواكبة الأحداث الآنية في رسم الصورة الذهنية لدى الناخب المحتمل، فبادرت حملته إلى إعلان «رفضها القرار العنصري للرئيس ترامب حول القدس»، مشيرة إلى أنها ستشارك في كل الفعاليات الرافضة للقرار. وبسبب قرار ضابط قوات مسلحة في الخدمة، لا يحق له الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بحسب القانون، يضرب مصريون أخماسًا بأسداس حول الغرض من مقطع الفيديو الغريب الذي نقل إليهم نية ضابط في الخدمة هو العقيد أحمد قنصوه. ولأن المصريين يعلمون علم اليقين أن ظهور ضابط جيش بالملابس الرسمية معلنًا ترشحه لمنصب لا يحق له لا يعني إلا إما رغبة في لفت الانتباه أو لوثة أصابت الدماغ، فإن المتوقفين كثيرًا عنده هم أنصار نظريات المؤامرة أو الإلهاء أو كليهما. كل من تحوم حوله تكهنات حول نية ترشح يتعرض هذه الأيام ورغم الانشغال الواضح بقضية القدس الآنية لكثير من التحليل الشعبي المتوقع. وقد توقع كثيرون أن تكون رحلة المرشح الرئاسي الخاسر والإخواني «السابق» عبد المنعم أبو الفتوح إلى إيطاليا ومنها إلى تركيا ذات أهداف انتخابية رئاسية. مؤسس حزب «مصر القوية» الذي اعتبره كثيرون في انتخابات الرئاسة في عام 2012 مرشح «بين بين» حيث لا هو بـ «الإخوان» بعد إعلان انفصاله عن الجماعة، ولا هو بالليبرالي إذ ينتهج نهجًا إسلاميًا، لم يحظ بالكثير من الشعبية في مصر. وقد نسبت إليه تصريحات قبل أيام قال فيها إن «أي انتخابات تجرى في ظل الأوضاع القائمة وتشرذم قوى المعارضة وعدم قدرتها على التوحد على أجندة الديموقراطية والعدالة والحرية هي انتخابات ديكورية»، لكنه وضع شرطًا لدخول المعترك قائلاً: «ما يشغلني حاليًا هو أن نتمكن كقوى معارضة من أن نتقارب على أجندة سياسية مشتركة، وحينها سيصبح لكل حادث حديث». لكن الحديث الحالي دفعه إلى التغريد بأن قرار ترامب حول القدس ينشر العنف والكراهية ويستفز المسلمين. حديث المسلمون وغير المسلمين في مصر يدور حول ترشح الرئيس السيسي، وهو الترشح الذي لم يحسمه أو ينفيه بعد. لكن عدم الحسم لا يعني بالضرورة سكونًا سياسيًا في هذا الشأن أو انتظارًا لمؤيديه في هذا القرار. عشرات البيانات تصدر بصفة يومية من أحزاب صغيرة تعلن إما تأييدها لإعادة ترشح الرئيس السيسي، أو عدم قبول عدم ترشحه في حال قراره الاكتفاء بمدة رئاسية واحدة. ومع عشرات البيانات تصدر عشرات التصريحات اليومية من قبل شخصيات عامة من إعلاميين وسياسيين ونواب ورجال أعمال لا تحمل إلا فحوى تأييد الترشيح وترجيح التمديد. وبين مطالبات بالتمديد وهتافات بالترشيح للرئيس الذي لم يعلن رسميًا عن نيته بعد، وتحليلات حول الفريق العائد والحقوقي الريفي والعقيد المرشح و «بين البينين» المشتت، يكتفي المصريون بالمتابعة مع التمتع بالإثارة والتميز بالاستنارة حيث محمل الجد غائب ومنبع الهزل وارد، وذلك انتظاراً لأخبار مؤكدة وترشيحات مفندة وبرامج سياسية معلنة، وإن كانت توقعاتهم التي يحتفظون بها لأنفسهم شبه مؤكدة.
مشاركة :