كشف تقرير أعدّته «مجموعة صوفان» الاستشارية في مجال الاستخبارات الأمنية، أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم «داعش»؛ مقارنة بين عامي 2015 و2017، فجاءت تونس في المركز الأول (6000 مقاتل)، ثم تراجعت إلى المركز الرابع (2920 مقاتلاً)، بينما تقدمت الأردن لتحتل المركز الثالث (3000 مقاتل)؛ يُعتقَد أنه عاد منهم 250 مقاتلاً. بينما تشير تقديرات سابقة وردت في تقرير قُدم إلى الكونغرس الأميركي؛ إلى 4000 مقاتل من الأردن. وأياً كان الأمر، فنحن أمام عدد كبير يعمل ضمن صفوف «داعش» و «جبهة النصرة، ويشكل تهديداً حقيقياً، تنبغي مناقشته بحسب تقديرات عسكرية في ظل الهزائم التي منى بها التنظيم وخروجه من مناطق سيطرته في الساحتين السورية والعراقية. الباب مفتوح لنزوح مقاتلي التنظيم باتجاه الحدود الشمالية الشرقية للأردن، خصوصاً في منطقة حوض اليرموك الملاصق للجولان السوري المحتل. والحديث هنا قد لا يعني دخول مقاتلي التنظيم ضمن موجات كبيرة يسهل رصدها والتعامل معها بالطائرات، بل التسلل في مجموعات صغيرة ومحاولة التمركز في الظهير الصحراوي في الجهة المقابلة لمخيم الركبان، ويعزز حالة الخطر وجود مجموعة «جيش خالد بن الوليد»؛ التي بايعت «داعش» في عام 2016، ويبلغ عدد عناصرها 1500 مقاتل وتسيطر على عدد من القرى في حوض نهر اليرموك. يحظى التنظيم وفكر السلفية الجهادية بعامة؛ بحاضنة في الأردن. ويقاتل أردنيون ضمن صفوف «جبهة النصرة»، وتنحاز غالبية منظري التيار الجهادي في الأردن إلى تلك الجبهة في صراعها مع «داعش»، وعلى رغم ذلك، كشف أبو محمد المقدسي في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية أن أعداد الأخير في الأردن ليست قليلة. ويجب ألا ننسى قضية الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة، الذي حاولت شخصيات جهادية أردنية التدخل لتحريره من أيدي التنظيم، تعويلاً على علاقة خاصة مع قيادات «داعش»، لكن الأخير أقدم على حرقه حياً بوحشية؛ في سياق حملة الرعب التي كانت من أهم وسائله في مواجهة خصومه. ووفقاً لتقرير لمؤسسة «ستراتفور» الأميركية الخاصة بالاستخبارات والتحليل الإستراتيجي، فإن نية «داعش» التوسع باتجاه الأردن؛ «تتبع المنطق الجيوسياسي في المنطقة». وأضاف التقرير نفسه بأنه بعد الهجوم على العراق والسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية يمكن التنظيم أن يحاول دخول الأردن. لكن التقرير أكد أن النظام الأردني «أكثر ثباتاً من مثيليه في سورية والعراق، وأثبتت أجهزته الأمنية دائماً فاعليتها». ربما لا تسمح ظروف التنظيم الآن باجتياح الأردن على طريقة ما جرى في سورية والعراق؛ في إطار توسيع حدود الدولة، إخلاصاً لشعارها البائد «باقية وتتمدد»؛ لكن خروج عناصر التنظيم من سورية والعراق، قد يعيد الاعتبار لسردية «القاعدة» حول سرايا الجهاد الصغيرة التي تتشكل لأهداف محلية في كل دولة يعود إليها مقاتلوها، لتنشط تحت عنوان «النكاية والإنهاك»؛ الذي أضحى العنوان الأثير لـ «داعش»؛ بعد خسارته أراضي ما يسمى بدولة الخلافة، ومن ثم فإن العودة مجدداً إلى رؤية أبي مصعب السوري؛ التي ضمّنها كتابه «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، حيث قادته تأملاته في ما آل إليه تنظيم «القاعدة»، بعد نجاح أميركا في حصاره وهزيمته، إلى قناعة بالتخلي عن فكرة التمركز في بقعة واحدة والتخلي عن التمسك بالأرض والعمل من خلال ما يسمى بسرايا الجهاد الصغيرة والذئاب المنفردة، التي سمّاها استراتيجية الجهاد الفردي، مع تعاظم قناعة مقاتلي «داعش» بهذا الأسلوب، ومعلومات تتواتر عن لقاءات بينه وبين عناصر «جبهة النصرة»، تمهد لتحالف المنهزمين. قد يتقارب التنظيمان من جديد للعمل بهذه الطريقة التي تعني تقسيم خلايا التنظيمات التي حازت خبرات قتالية مهمة؛ لتكون أداة التفجير داخل دولها. مع عودة مقاتلين أردنيين في صفوف «داعش» و «النصرة» إلى الأردن، فإنهم سيشكلون تهديداً كبيراً للأمن الأردني بعد الخبرات التي حازوها. وهناك مقاتلون من تونس والمغرب والجزائر والشيشان لن يتمكنوا من العودة إلى بلدانهم ومن ثم سيلتحقون بأقرب ساحة تستوعب طاقاتهم ولا تحتاج إلى مغامرة كبيرة في الانتقال. مع هذه المتغيرات؛ يصبح التحدي الذي يواجهه الأردن أكبر من غيره، خصوصاً بالنظر إلى هذا الطوفان الذي يهرب باتجاه حدوده الآن.
مشاركة :