هذا اللِّين والرِّفق والتسامح الذي حضّ عليه القرآن تكرر في الكثير من السور {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (سورة فصلت) وفي قصة موسى وهارون وفرعون «الذي ادّعى الربوبية» بقوله تعالى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (سورة طه). وفي الحديث النبوي «لا حلم أحب إلى الله من حلم إمام ورفقه، ولا جهل أبغض إلى الله من جهل إمام وخرقه»، وعلى إثر معركة أحد التي جرح فيها النبي (صلى الله عليه وسلم) وكسرت أسنانه، طلب منه بعض صحابته أن يدعو على قومه أسوة بنوح، وكان رد النبي «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». نستحضر هنا وصية الخليفة أبي بكر لجيش أسامة بن زيد والتي جاء فيها (لا تخونوا ولا تُغِلوا، ولا تَغِدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة؛ وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع: فدَعُوهم وما فرّغوا أنفسهم له). إزاء الموقف من الآخر غير المسلم هناك الواقعة التاريخية، حين اشترك ابنٌ لعمرو بن العاص والي مصر مع غلام من الأقباط في سباق للخيول، فضرب ابن الأمير الغلام القبطي فقام والد الغلام القبطي المضروب بالسفر صحبة ابنه إلى المدينة المنورة، فلما أتى الخليفة عمر بن الخطاب، بَيَّن له ما وقع، فكتب الخليفة لعمرو بن العاص أن يحضر إلى المدينة المنورة صحبة ابنه، فلما حضر الجميع عند أمير المؤمنين عمر، ناول عمر الغلام القبطي سوطًا وأمره أن يقتصّ لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في نفسه. ثم قال له أمير المؤمنين: لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأنّ الغلام إنما ضربك لسطان أبيه، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟.
مشاركة :