أثناء اجتماع مجلس «التعاون الاقتصادي لدول آسيا- الهادي» في العاشر من نوفمبر الماضي في فيتنام، قال الرئيس دونالد ترامب: «لن نسمح باستغلال الولايات المتحدة بعد الآن من خلال الاتفاقيات التجارية»، وكأنه يكرر بذلك عبارته الشهيرة «أميركا أولاً»، ولكن فيما يتعلق بقطاع التجارة هذه المرة. ويمثل هذا الخطاب الحمائي التجاري نوعاً من الطلاق التام مع أطروحات رؤساء جمهوريين سابقين من أمثال رونالد ريجان وبوش الأب والابن، الذين عملوا كل ما في وسعهم لدفع حزبهم الجمهوري إلى موقع يصبح فيه اسمه مرادفاً لمفهوم التجارة الحرة. إلا أن توجهات سياسة ترامب الجديدة توصف بدقة على أنها تشكل مرحلة جديدة مستقاة من نظرة متأنية إلى الماضي. وعندما أدار ظهره لاتفاقيات التجارة الحرة، فقد كان يدعم بذلك نظرة الأمميين في حزبه الذين يأخذون بضرورة عقد الاتفاقيات التي تضمن الاحتفاظ بالقدرة التنافسية لعمال الولايات المتحدة مع العمالة الخارجية الرخيصة بطرق وأساليب لم يدركها الرؤساء الجمهوريون السابقون. وشعار «أميركا أولاً» يعكس رؤى طرحها من قبله جمهوريون مشاهير من أمثال «روبرت تافت» و«جوزيف مارتن» و«ليفيريت سالتونستول»، وكان هذا الأخير قد قال في معارضته لسياسات التجارة الحرة إنه: «يمكنها أن تخلق المدن المزدهرة في اليابان والمدن القزمة في منطقة نيوإنجلاند الأميركية»!. وعلى رغم ظهور بعض الأطروحات التي تميل لتبني سياسة التجارة الحرة في العهود السابقة، إلا أنها كانت مترافقة مع توجهات حمائية وخاصة في أوساط الجنوبيين. وفي معظم فترات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان «الديمقراطيون» الجنوبيون رواداً لفكرة التجارة الحرة، فيما كان رجال الصناعة في الشمال والغرب الأوسط ينادون بالحماية من البضائع الأجنبية الرخيصة. وكان هناك الكثير من الأهداف المشتركة التي تجمع بين رجال الصناعة المحافظين الجنوبيين مع نظرائهم الشماليين، إلا أن الفروق الإقليمية بين الفريقين خلقت الاختلافات الكبيرة بينهما. وكانت التجارة الحرة مفيدة لرجال الصناعة الجنوبيين وسمحت لهم بمنافسة المصانع الشمالية. وبعد الحرب العالمية الثانية، غيّر الصناعيون الجنوبيون اهتمامهم إن لم نقل إنهم بدلوا فلسفتهم كلها عندما قرروا مواجهة المنافسة العالمية المتزايدة. وأدى تحرير التجارة إلى انخفاض كبير في مداخيلهم، خاصة منهم صنّاع الأنسجة القطنية الرخيصة التي كانت تعاني التخفيضات الجمركية المتواصلة. وهذا ما دفع هؤلاء الصناعيين إلى إعادة التفكير في الحمائية، ووجدوا أنها تتفق مع مصالحهم المادية وقيمهم المحافظة. وعندما بدؤوا في تبني السياسة الحمائية، كان الحزب الجمهوري يتحرك في الاتجاه المعاكس. وبادرت جماعتا «محاربي البرد» Cold Warriors والأمميين في الحزب الجمهوري بالتفكير بفتح الأسواق الأميركية أمام البضائع الأجنبية من أجل تقوية العلاقات والروابط بين الدول الرأسمالية حول العالم. ... المزيد
مشاركة :