بياع الخواتم في البصرة يبيع معها الحظ وحسن الطالع بقلم: فيصل عبدالحسن

  • 12/11/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

بياع الخواتم في البصرة يبيع معها الحظ وحسن الطالعفي المجتمعات البشرية عادات ومعتقدات بقيت شائعة حتى العصور الراهنة رغم انتشار العلم والمعرفة، ومن هذه المعتقدات حسن الحظ وسوء الطالع والفأل الحسن. ويتواصل إلى اليوم الجدل حولها بين من يعتقد أنها موجودة وبين من يقول إنها من باب الخرافة والأسطورة التي لا يقبلها العقل خاصة في عصر العلوم والتكنولوجيا، متوقعين أن تندثر مع الأجيال الجديدة من البشرية لكنها مازالت حاضرة في كل المجتمعات حتى المتقدمة، ففي العراق يعتقد اغلب الناس أن الخواتم المرصعة بالأحجار الملوّنة فيها ما يجلب الحظ والخير وفيها ما يعالج من أمراض كثيرة. علم الاجتماع وعلم النفس، ورغم القناعة بأن هذه الظواهر هي من باب الخرافة، الأ أنهما لا يتوقعان أن تزول مادام الإنسان عاجزا أمام تفسير العديد من الظواهر.العرب فيصل عبدالحسن [نُشر في 2017/12/11، العدد: 10839، ص(20)]خواتم سحرية البصرة (العراق)- من الظواهر الملفتة للنظر في البصرة أن ترى بائعي الخواتم، وهم يحملون نماذج من خواتمهم، التي تزدان بمختلف الأحجار الملونة، ليمروا بها على البيوت لغرض بيعها. وإذا لم يطرقوا عليك باب دارك، فإنَّك ستسمع أصواتهم، وهم ينادون على بضاعتهم، مارين بالأزقة بأصوات رخيمة “خواتم للزينة وضد الحسد والسحر، وللحظ السعيد والبركة”. بائعو الخواتم جادّون في الترويج لتجارتهم، وهم يستغلون الوضع السياسي في العراق، الذي تسيطر عليه أحزاب دينية وجماعات طائفية متطرفة تشجع على انتشار الخرافة، والقصص الأسطوريّة بين الناس. بعض هذه الأحزاب يشيع لأتباعه عن دور خارق لأحجار هذه الخواتم، ولذلك يحرص مسؤولو هذه الأحزاب على وضع أكثر من خاتم في أصابعهم والظهور بها أمام الناس. وأغلب هذه الخواتم من الأنواع غالية الأسعار، والتي يصل بعضها إلى عشرات الآلاف من الدولارات. خواتم جميلة طاراتها المحيطة بالأصابع مصنوعة من الفضة، وأكتافها موشاة بنقوش طلسميّة، ويستقر على إطاراتها الخارجية فصوص ملونة منها الغالي والآخر زهيد الثمن. ولكل فصّ صفاته، وفوائده لمن يضعه في أصابع كفيه، كما يدعي بائع الخواتم لزبائنه. وهناك محلات خاصة بالنساء تستخدم الذهب لصناعة إطارات هذه الخواتم النسائية. ومن القصص العجيبة التي يرويها لـ”العرب” أحد هؤلاء الباعة، عزيز مظلوم (55 سنة) متخصّص ببيع الخواتم للرجال فقط، عن القدرة السحرية لبعض الخواتم التي يبيعها باعة متخصصون يعرفهم، حيث يقول “توجد في السوق خواتم سحرية، من يضعها في سبابته أو بنصره، فإنَّه ينجو من أي طلق ناري مصوّب باتّجاهه. وأنَّ الطلق الناري، الذي سيصيبه سيقع على الأرض مثل عجين الخبز″. ويقسم لك أنَّ أحد باعة هذه الخواتم جرب ذلك أمامه، وربط الخاتم بصوف خروف، وأطلق الرصاص على الخروف، لكنه لم يصبه، ولا يعرف سببا لذلك غير أنَّ حجر الخاتم له قوى سحرية حرفت الطلق الناري عن مساره، وأفقدته قدرته على الأذى. مظلوم يملك محلا لبيع الخواتم في قضاء الزبير بالبصرة، وعندما يشحُّ الزبائن من دكانه خصوصا في فصل الشتاء يضطر إلى حمل بضاعته في الصباح في حقيبة صغيرة، ليدق على أبواب زبائنه عارضا عليهم أي بضاعة جديدة تصله أو قام بتصنيعها في محله. قدرة سحريةفصوص العقيق والتركواز وحجر العين مصدر المحبة والرزق حين لا يكون لدى عزيز مظلوم زبون معيّن يقصده، فهو ينادي على بضاعته في أزقة المدينة، أما في الصيف فحركة بيع الخواتم تنشط لذلك يبقى في محله لتصريف بضاعته، ولا يضطر إلى التجوال في الأزقة لكسب رزقه. قصة أخرى يحدثنا بها مظلوم عن خاتم منع أثر السم في الطعام عمن وضع واحدا له فصّ من الياقوت، وروى لـ”العرب” كيف أنَّ امرأة أرادت أن تسمم زوجها على أثر شجار معه، فوضعت له السمَّ في طعامه، لكنه لم يصب بأذى، ولكن أولاده من امرأة أخرى أكلوا معه فأصيبوا جميعا بتسمّم شديد نقلوا على أثره إلى مستشفى البصرة. وهناك خواتم فصوصها من حجر اليشب، والكهرمان، واللازورد وغيرها تمنع الإصابة من بعض الأمراض، كالشقيقة والروماتيزم والوسواس. ويضيف مظلوم، “أنا لا أبيع هذه الأنواع من الخواتم، لأن أثمانها غالية جدا ويصل سعر بعضها إلى دفتر كامل (عشرة آلاف دولار) ولا تباع بسهولة، لأنَّ زبائنها محدودون، ولكنها موجودة في السوق، وفي العادة يشتريها المسؤولون في الدولة، ورؤساء الأحزاب، والأغنياء”. ويستطرد قائلا، “توجد محلات خاصة في البصرة، والزبير لترويج هذه الأنواع من البضاعة، وما أبيعه من الخواتم في محلي هي للزينة أو لجلب الحظ والفرح لحامليها، وتكون فصوصها من العقيق وحجر العين والتركواز وحجر الجاد، وغير ذلك”. ويضيف “وفي محلي الصغير بالزبير أقوم بعمل طارة الخاتم من الفضة، وأنقش على أكتافه البسملة أو الشهادة أو لفظ الجلالة، واختار الحجر المناسب للإطار الخارجي. وأبيع الخاتم بسعر يتراوح بين الثلاثين والأربعمئة ألف دينار (24 ــ 320 دولارا)، وأكثر الخواتم رواجاً تلك التي فصوصها من العقيق بأنواعها، اليماني والهندي والماليزي، والزمرد الأخضر، وأغلاها اليماني، الذي يتصف بالنقاء، وله مواصفات طبية تفيد بتقوية البصر لمن يضعه في بنصره، ويصل سعر الفصّ النقي منه إلى 375 ألف دينار (300 دولار)”. يقول حاتم الألوسي (40 سنة)، صاحب محل لـ”سمكرة” السيارات في “كراج” بالزبير، وهو يعرض ثلاثة خواتم أحدها من الياقوت الأحمر النقي، “هذا الخاتم هو الذي أوقعني في فخ الزواج من فتاة جامعية جميلة في العشرين من عمرها، جاءت مع أبيها لعمل ‘سمكرة’ بسيطة لمقدمة سيارتها، وببركات خاتم الياقوت نلت إعجابها، ونالت إعجابي وتزوجتها قبل شهور، وهي زوجتي الثانية، ولم تطلب مني أن أطلق زوجتي الأولى أم أطفالي، لذلك اشعر أنَّ وضعي لهذا الخاتم سيجلب لي الرزق، والخير ومحبة الناس أيضا”. ويقول عن خاتمه الثاني ذي الفصّ السليماني الأزرق المائل للخضرة، والذي وُشي بكتابات وطلاسم دقيقة لا يمكن قراءتها بسهولة، ولكنها كما بدت من الخط كلمات فارسية، “ورثته عن أبي رحمه الله، وميزة هذا الخاتم أنَّه يغلق فم الزبون فلا يستطيع الرد عليّ عندما أطلب منه ثمنا معيّنا للخدمة التي أقدمها له في محلي، مهما بالغت في طلب الثمن، لكنني أراعي زبائني، وأخاف الله تعالى، فلا أطلب غير حقي المتعارف عليه في السوق”. قال محمد البياتي (65 سنة) إمام جامع الرسول المصطفى بالزبير، عن ظاهرة التختّم “أوصى الرسول الكريم المسلمين أن يتزوجوا، وإنْ كانوا فقراء لا يستطيعون دفع مهور النساء، فحسبهم ــ أن يمهروا المرأة بخاتم من حديد ــ كما أنَّ الخلفاء الراشدين الأربعة كانوا ممن تختّموا. وكان أصحاب الرسول يضعون خواتمهم في يمينهم، لأنَّ التختّم باليسار غير مستحب، للاعتقاد أنَّ اليمين لملك الأعمال الصالحة، واليسار لملك الأعمال السيئة”. واستطرد البياتي، “ومن المعروف أن تجارة الأحجار الكريمة نشأت منذ القدم بين أفغانستان والهند والصين والجزيرة العربية، ومن ضمن الغنائم في الفتوحات الإسلامية، كانت هناك الكثير من الخواتم المزينة بالأحجار الكريمة، وكذلك نقل الفاتحون الكثير من عادات التختّم من الأمصار، التي تم فتحها على أيديهم”. ويكمل الشيخ محمد، “وهناك قصص كثيرة رُويت عن خاتم سليمان، وما فيه من أسرار، وقدرات عجيبة، كانت لها تأثير كبير على الناس لاستخدام الخواتم، وهناك نصوص كثيرة في تاريخ الطب العربي تتحدث عن تأثيرات بعض الأحجار الكريمة على صحة وأمزجة الناس، وأوضاعهم الاجتماعية. وكل ذلك دفع الناس منذ القدم لاستخدام الأحجار الكريمة في الخواتم، لضمان المكانة الاجتماعيّة واتقاء الأمراض، وكوسيلة دفاعية ضد الحسد، والعيون الشريرة والجان كما يعتقدون”. وأضاف البياتي “بالنسبة للأرزاق، فالله تعالى هو الرزاق أما الحظ، وغير ذلك فلا تأثير لهذه الأحجار على مصير الإنسان وأقداره، وكل شيء قائم بمشيئة الله ولطفه. وكل ما يشاع عن قدرات سحرية لطلاسم محفورة على الخواتم، فهي أكاذيب القصد منها الترويج للخواتم، وللأحجار الكريمة لا غير”. رعاف الدمأحجار ملونة للزينة والبركة والشفاء من الأمراض أم جابر (60 سنة)، ربة بيت لها رأي في خواتم النساء، وقد وضعت خاتمين في كفيها، وأحدهما لازوردي الشذر، والآخر أصفر الشذر من نوع العقيق الإيراني، قالت لـ”العرب”، “اشترى لي زوجي أبوجابر رحمه الله الخاتم الأول قبل أربعين سنة، بعشرة دنانير (كان الدينار العراقي يساوي 3.33 دولار) في سنة زواجنا الأولى، وكان هذا المبلغ كل ما كان يملكه، وقتها كان عاطلا عن العمل، وأهله يساعدوننا، وقال لنا الصائغ إن هذا النوع من الشذر، الذي يحمله الخاتم من الأحجار المباركة، التي ما إن دخلت بيتا حتى تجلب له الخير والحظ الطيب. وبالفعل بعد أيام قليلة وجد المرحوم عملا في الموانئ. ومنذ ذلك اليوم لم يقطع الله عنا خيراته وأرزاقه”. وأضافت أم جابر،”أما الخاتم ذو الشذر من العقيق الأصفر، فقد باعته لي قبل سنوات إحدى جاراتنا. كانت محتاجة للمال وأخبرتني بمزية الخاتم، فهو يوقف رعاف الدم. وكنت أصاب بين فترة وأخرى برعاف من أنفي، وما إن اشتريته منها ووضعته في إصبعي حتى شفيت تماما من النزف الدموي، الذي كان يصيبني صيفا وشتاء، وفي أوقات مختلفة من الليل والنهار ودون سبب، والحمد لله نسيت ذلك الرعاف، ومشاكله منذ ذلك الوقت”. يقول نوري ذياب كاتب وباحث اجتماعي، “الجسد البشري منذ القديم حسب التصور الاجتماعي الذي كان سائدا قبل ستة آلاف سنة، ولحد اليوم يخضع لمؤثرات طبيعية متمثلة في العلاقات الاجتماعية، والوضع الطبقي الذي ننتمي إليه، ونوع نظام الحكم الذي يخضع له الفرد، وكذلك يتأثر بمؤثرات بيئية، كالمناخ ونوع الغذاء والضوء، وبتأثيرات فلكية فصلية، تتعلق بحركة النجوم والكواكب. فالخواتم، وما تحمله من أحجار كريمة لم تكن محصورة على الحكام في سومر وبابل وآشور، بل إن المواطنين العاديين كانوا من المولعين بحيازة الخواتم، والقلائد وبعض تلك الخواتم توضع في أسفل الأنوف من خلال ثقوب، وكانت اعتقادات الناس أنَّها تحمل قوى سحرية تبعد عنهم الأمراض، والأرواح الشريرة، وتجلب لهم السعد. ونلاحظ ذلك من خلال الكميات الكبيرة من الخواتم، والقلائد والأحجار الكريمة، التي وجدت في ما تركوه من آثار”. ويضيف ذياب، “الإنسان ابن بيئته ومجتمعه وتقاليده، وما يهتم به الناس اليوم أهتم به أجدادهم من قبل، وتركوه لهم كعادات وتقاليد، وبمرور الزمن تحولت إلى ميثولوجيا، وفلكلور يفعله المرء لتقليد من سبقه من الأجيال السابقة”. وأكد أستاذ علم النفس عبدالكريم عطا، “أنَّ استخدام الخواتم عادة لدى الكثيرين من باب تأكيد الذات أمام الآخرين، فهو يرى أنَّه من الضروري إثارة اهتمام الآخرين به كذات حاضرة، من خلال ما يرتديه من ملابس أو ما يضعه في أصابع كفيه من خواتم ملفتة للنظر بألوانها أو بريقها الأخّاذ”. ويضيف، “كما أن العديد من الناس يجدون تكاملا نفسيا يجعلهم يشعرون بالثقة بأنفسهم حالما يمتلكون أشياء يظنون أن بها قوى خارقة، وهي في الحقيقة أشياء عادية لا تغني ولا تنفع ولا تضرّ، ولكن إيمان الفرد بإمكانياتها القاهرة يخلق لديهم قوة إضافية لتجاوز محنة أو للنجاح في اختبار ما، فيزداد تمسكهم بذلك الشيء الذي ظنوا أنَّه جلب لهم الحظ والنجاح”. واختتم عطا قوله، “إن من حق المرء أن يتزيّن بما يشاء، وأن يعمل ما يريحه، ولكن عليه أن يفكر بموضوعية في أنَّ أي حجر في الكون لا يملك ما يملكه الإنسان من قدرات ككائن مفكّر، يمكنه التفكير والنجاح، والابتكار دون تأثير شيء آخر غير توفيق الله تعالى، وقدرته الذاتية كإنسان لتجاوز صعوبات الحياة التي خلق لها”.

مشاركة :