الإشكالية في الفكر الجهادي أن الطريق إلى القدس يمر عبر القتال ضد الأنظمة القائمة فالجماعات التكفيرية لم تقم بأي شيء حتى الآن لفائدة القدس أو فلسطين.العرب إدريس الكنبوري [نُشر في 2017/12/11، العدد: 10839، ص(13)]الإسلاميون ينتهزون الفرصة بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد وضع اللبنة الأولى في صرح التطرف الديني والإرهاب ذي اللبوس الإسلامي. ليس في الأمر مبالغة، فالجماعات المتطرفة لا تني تبحث عن مسوغ تعيد به نفض الغبار عن نفسها لتقدم عرضا جديدا يغري شباب المنطقة العربية، بعد أن نفقت سوقها في الفترات الأخيرة، على إثر الخسائر التي تكبدها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتراجع أعداد المجندين في صفوفه، وخفوت بريقه، وتعطل آلته الدعائية. ربما كان واضحا منذ وصوله إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية أن ترامب يعد بمفاجآت كثيرة للعالم وللمنطقة العربية بوجه خاص، لكن احتمالا مثل هذا لم يكن في الحسبان حتى ذلك الوقت. وعندما ذهب إلى الرياض لحضور القمة العربية-الأميركية في مايو الماضي، بدا أن الرئيس الجديد يريد تدشين عهد جديد مع العالم العربي بزعامة المملكة العربية السعودية، بالاتفاق على محاربة التطرف والإرهاب وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على أساس الدولتين وفقا للاتفاقيات الأممية، وتحييد الدور الإيراني في المنطقة بما يضمن نوعا من الاستقرار الذي هو أساس الأمن الإقليمي والدولي، ذلك أن كسب العرب في معركة محاربة الإرهاب لن يتأتى إلا بتعزيز أسباب الاستقرار السياسي. ولكن هذا التحول الدرامي في موقف ترامب، شهورا قليلة بعد القمة، يعكس قدرة الرئيس الأميركي على المناورة والالتفاف على المطالب العربية العادلة التي تم التعبير عنها في أكثر من قمة عربية، ويكشف حالة التبعية بل الانبطاح أمام أعتاب إسرائيل، حتى ولو كان الثمن هو توريط المنطقة في المزيد من الاحتقان وإرباك الدول العربية التي تجهد نفسها لكي تطهر المنطقة من العنف وآثاره، وتخمد نيران الفتنة التي يشعلها المتطرفون في كل مكان.ترامب ومستشاروه ربما مازالوا يجهلون رمزية القدس في ضمير المسلمين، والموقع الذي يعطى لها في أدبيات الجهاديين ربما يجهل ترامب ومستشاروه المكانة الرمزية التي تحتلها القدس في ضمير المسلمين، والموقع الذي يعطى لها في أدبيات الجهاديين، ليس اليوم فحسب، بل منذ بداية نشوء هذا الفكر في جبال أفغانستان مع الفلسطيني عبدالله عزام في الثمانينات من القرن الماضي، الذي كان يرى أن غاية الفعل الجهادي -من أي مكان انطلق- هي الوصول إلى فلسطين والقدس، وأن تحرير كابل مقدمة لتحرير القدس. بل إن عزام يعترف في شريط له بأن جميع المقاتلين في أفغانستان، بمن فيهم الأفغان، كان الهدف لديهم أن يلقوا حتفهم في القدس تيمنا بالمكان الذي له هالة دينية لا تخفى، إذ يقول “الآن الأفغاني يقول نريد أن ننتصر هنا لنقتل في رحاب المسجد الأقصى. كثير من الأفغانيين يقولون اللهم حرر على أيدينا كابل ولا تمتنا إلا في بيت المقدس. كلهم يقولون إن قضيتنا الأولى هي قضية القدس، وقضية فلسطين ولكن هذه الدواهي التي حلت بنا شغلتنا”. ويعتبر الجهاديون أن القدس في محنة أشبه بما كانت عليه قبل مجيء صلاح الدين، وتحتل معركة حطين في أذهانهم مكانة مرموقة تذكرهم بالمواجهة التاريخية مع اليهود، المواجهة التي يرون أن ساحة القدس ستكون مسرحا لها. بيد أن الإشكالية في الفكر الجهادي اليوم أن الطريق إلى القدس يمر عبر القتال ضد الأنظمة القائمة. فهذه الجماعات التكفيرية لم تقم بأي شيء حتى الآن لفائدة القدس أو فلسطين، ببساطة لأنها لم تنته بعد من “البرنامج المرحلي”. الأخطر اليوم في قرار الإدارة الأميركية أنه يعزز فكرة “البرنامج المرحلي” عند الجماعات الإرهابية، ويجعل البلدان العربية تدفع ثمنا مضاعفا بسبب قرار طائش غير محسوب. لقد قدم هدية ثمينة لهذه الجماعات لو اجتمعت ما تمكنت من الحصول عليها، ولكن الرئيس الأميركي قدمها لها على طبق من ذهب. يحتاج التعامل مع قضايا المنطقة العربية إلى ذكاء سياسي للحيلولة دون حدوث زلزال قوي يصب الزيت على النار، إذ لم تعد المنطقة بحاجة إلى المزيد من الفتنة، وكما قال كارل بيلت، رئيس وزراء السويد السابق، في مقال له العام الماضي “يجب ألّا نقدم لأعدائنا ما يريدون على طبق من فضة، بل يتوجب علينا عوضا عن ذلك أن نشن عليهم حربا أيديولوجية ونتعامل معهم كإرهابيين ونعالج الظروف التي سمحت لهم بالازدهار. يسعى الجهاديون للإذا كنا قد تعلمنا شيئا واحدا منذ سنة 2001 فهو ألّا نقع في الفخ الذي ينصبونه لنا”.
مشاركة :