كرامة-الوطن-من-كرامة-المواطن

  • 9/24/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في أقل من ثلاثة أعوام تداعت الأحداث في العالم العربي بشكل خطير ومقلق لكل دول الجوار، حتى بات الأمر خارجاً عن السيطرة، وبعيداً عن المعقول، وكأن ثمة من رتب لأحجار الدومينو لتسقط الواحدة تلو الأخرى. من بينها دول كنا نخالها صامدة وقوية بقوة الأنظمة الحارسة لها، أو الباطشة بشعوبها، ولو بحثنا عن قواسم مشتركة بين أقطار العالم العربي التي تداعت مفاصلها وهوت كياناتها، وتلك التي تكافح برمق أخير من أجل البقاء، وتستخدم كل ما لديها من قوة لتخرج من هذا المأزق، لوجدناها متشابهة إلى حد كبير، وهي التي تسللت منها جرثومة الثورة وخلخلت مناعاتها وأسقطتها، لعل من أهمها استئثار العسكر بالسلطة، ولنقل بتعميم أوسع من كانوا قبلاً يسمون بحماة الوطن، الذين كانت السلطة البوابة الواسعة، التي سمحت لهم بابتلاع مقدرات بلدانهم، ودحرجت شعوبها إلى قاع الفقر والحاجة، والأمثلة الحية شاهدة على ذلك من دون تخصيص، فكل الدول التي هوت تحت قوة الثورات العارمة تصلح مثالاً لذلك. حدث ذلك عقب استخدام السلطات كل أدواتها، لتسخير الشعوب لإرادتها وقمعها، ليس من أجل الوطن بقدر ما هو من أجل تحقيق رغبات الزعيم، حتى بات الوطن لا يعني للمواطن سوى شعار يتردد في الأناشيد الوطنية فقط، ولا تصادق عليه القلوب المحتقنة بالكمد والضغينة، لذلك احتمل معنى الوطنية القيم الشعاراتية أكثر من القيم الحقيقية، التي تدفع الإنسان إلى أن يحب وطنه، ليس فقط من خوف أو وجل، بقدر ما هو استشعار حقيقي وملموس لقيمة الوطن، الذي لم يحتفظ له بكرامته. لقد ظن أولئك الزعماء أنهم قادرون على قمع شعوبهم من خلال فرز الشعب وتقسيمه، واستئثار فريق منه برعاية السلطة ومقدرات الدولة، وقد ترك الحبل على الغارب لأيادي الفساد كي تستشري في أواصر تلك الدول، وقد رأينا في بعض الدول العربية كيف استخدم الدين مطية لشرعنة السرقة والرشوة والتزوير، وكيف كانت تجير الصفقات بأموال طائلة من تحت الطاولة لأسماء بعينها، ثم كيف تسند المشاريع من الباطن إلى شركات وهمية، وإزاء هذا الفساد المستشري تفاقمت البطالة واتسعت هوة الفقر غير المبررين، لهذا وجد المواطن المقهور ألف مبرر كي يبيع الوطن لأقرب مشترٍ، ولو بمزاد علني، وبدم بارد، وشعاره مال الدولة حلال، فهو إما لك أو للذئب، ومقولات تُردد تبريراً للسرقة مثل: غيرنا يسرق ويرتشي، فلِمَ نحرم أنفسنا وأبناءنا، فالمواطن البسيط الذي لا يمتلك منزلاً هو حقيقة مواطن بلا وطن، وسيكون عرضة لأي استقطاب يأتيه مدفوع الثمن فليس لديه ما يخسره، وهو يرى ما آلت إليه القيم من هشاشة مستوى التطبيق، فأولئك الذين ينادون بها ليسوا سوى تجار كلام، وبمثل ما يبيعونه مثلاً: لخدمة (ببلي) كنوع من أنواع المتاجرة بالدين، فلن يتورعوا عن بيع أي شيء. هذه الأوبئة التي تفشت وتكاثرت في مجتمعات «الربيع العربي»، عطلت من قدرات وقوى تلك الدول السلطوية الهشة، وأعجزتها عن ملاحقتها، حتى تمت المزايدة على الوطن مع كل الفصائل المندرجة في اسم الجهاد المنحدرة من أماكن مجهولة. وبتغاضي أولئك الزعماء عن المواطن الفقير، والمحتاج الصغير ذي المتطلبات البسيطة، والتقليل من شأنهم، بدوا أمام شعوبهم يوم انقلب السحر على الساحر مغفلين وتافهين، لم يقدِّروا قيمة الإنسان الحقيقية، وقدراته الكامنة في تأجيج العواصف وتثوير البراكين، لأي سبب أو أدنى فرصة سانحة، كما حدث في تونس مثلاً، وحتى لو أدى ذلك إلى طلب العون من الغريب، والاستكثار به، والاستقواء بإمكاناته، كما حدث في ليبيا، ساعد على ذلك في بعض البلدان العربية اتساع الرقعة الجغرافية لهؤلاء البسطاء، الذين أمضَّهم الفقر وأدنفتهم الحاجة، وباتوا مفتوحين على كل الاحتمالات لرد اعتبارهم الإنساني، وأمست إمكانات الدولة الدفاعية عاجزة عن لملمت الثورة وضبطها، من خلال جيش وعسكر كان إلى وقت قريب يتباهى به في كل الاحتفالات العسكرية الاستعراضية. اليوم، نحن في وطننا الغالي نعيش بأمن ورخاء ظاهر ومشهود، ونحتفل بيومنا الوطني بفرح ويحق لنا ذلك، وسط اضطراب عالمي غير مستقر، لذلك ولكي نربأ به أن يقع تحت طائلة الفوضى، فنحن بأمسِّ الحاجة إلى الوقوف أمام أنفسنا وقفة صارمة، لنعيد مراجعة حساباتنا جيداً، ونجردها بصدق وواقعية، كي نكتشف مكامن هذه الأوبئة والفايروسات إن وجدت، مهما بدت صغيرة لا ترى إلا بالمجهر، كي نحميه منها، لذلك من الضرورة بمكان البحث عن أنظمة متقدمة لتنظف القاذورات العالقة بكياننا، ولن تستطيع فعل ذلك إلا من خلال أنظمة متطورة قادرة على التعامل معها، وقد لا تستطيع أنظمة مكافحة الفايروسات العادية القضاء على أنواعها المعقدة منها والبسيطة، المرئية وغير المرئية، التي فيما لو تركت فستلتهم أوتاد الوطن وحباله، مهما بلغت قوتها. لكن برأيكم.. كيف نبدأ؟ هذا سؤال كبير، لا يمكن الإجابة عنه بعجالة، وقد أثبت الزمن أن إدارة واحدة لمكافحة الفساد غير كافية، لذلك نحن -كما قلت مراراً وتكراراً- بمسيس الحاجة إلى مراكز أبحاث وطنية جادة، هي للأسف غير موجودة، تُسند إليها مهمة البحث والتقصي وجمع المعلومات والبيانات وتحليلها، لكي تخرج لنا بإستراتيجية يمكن من خلالها إصلاح أي عطب، وتقديم صياغة وطنية تضع المواطن في أولوياتها، قبل أن يستفحل الفساد، وتستشري أيدي الدخلاء لاستثارة الفتن بكل أشكالها، وخلق حالة من الاضطراب، باستغلال التفرقة بين أطياف المجتمع، وتوريط أبناء الوطن الواحد بدعايات فجة، تحت مغبة الحاجة. وحمايته من الدخلاء والمغرضين، الذين يتربصون بنا، ويتحينون الفرص لضرب لُحمة الوطن، وتحريك الضغائن بين مواطنيه.

مشاركة :