شهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، أمس، توقيع اتفاقية إنشاء محطة الضبعة النووية بخبرة روسية، في وقت بدا أن الرئيسين على توافق في عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، خاصة ليبيا وسورية، بينما أعلن بوتين قرب عودة الطيران الروسي إلى مصر. في زيارة تاريخية شهدت توقيع عقود إنشاء أول محطة نووية مصرية، استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي زار القاهرة قادما من دمشق، قبل أن يتوجه إلى إسطنبول، أمس، إذ بدا أن القاهرة وموسكو تمضيان في مسار تعزيز العلاقات الثنائية، والتنسيق في ملفات المنطقة الأكثر اشتعالا، خصوصا الأزمة السورية والليبية واليمنية. ومرت العلاقات المصرية الروسية بجملة تغيرات منذ وصول الرئيس السيسي إلى سدة الحكم يونيو 2014، إذ بدأت العلاقات قوية تستعيد زخم الستينيات، مع تبادل للزيارات وإعلان صفقات متبادلة، قبل أن تدخل العلاقة مرحلة توتر ثم فتور عقب سقوط طائرة روسية في صحراء سيناء، أكتوبر 2015، نتيجة عمل إرهابي، ما أسفر عن مقتل 224 شخصا معظمهم من الروس، فقررت موسكو تعليق حركة الطيران لمصر، لكن الزيارة الأخيرة يبدو أنها تعيد العلاقات إلى سيرتها الأولى. واستقبل الرئيس السيسي نظيره الروسي، الذي زار مصر للمرة الثانية في عهد السيسي، في مطار القاهرة الدولي، حيث أجريت له مراسم استقبال رسمية، ثم توجه الزعيمان إلى قصر الاتحادية الرئاسي لعقد قمة ثنائية مغلقة، أعقبها مؤتمر صحافي مشترك شهد كلمة للرئيسين تناولت الحديث عن أبرز القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن حضور إجراءات توقيع اتفاقية الضبعة النووية. قضايا مشتركة ورحب السيسي، في كلمته خلال المؤتمر، بـ»صديقه» الرئيس بوتين، مشيدا بالعلاقات الوثيقة والتاريخية بين البلدين، وقال إنه تم التطرق إلى الأوضاع بشأن القضية الفلسطينية وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتمسك السيسي بضرورة الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس في ضوء القرارات الأممية ذات الصلة، وأثنى على الدور الروسي في تسوية القضية الفلسطينية طوال العقود الماضية. واضاف ان بلاده تدعم المسار السياسي في ليبيا، وناقش مع نظيره الروسي الأوضاع في ليبيا وسورية، متابعا: «في سورية اتفقت رؤيتنا على عدد من المواقف الأساسية وعلى رأسها استمرار العمل المشترك للحفاظ على مناطق خفض التوتر وتوسيعها لتهيئة الظروف المناسبة للمفاوضات السياسية، اتفقت آراؤنا على دعم مسار المفاوضات التي يقودها المبعوث الأممي في سورية». من جهته، ذكر الرئيس بوتين ان مصر تعد الشريك القديم والموثوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، مشيرا إلى التعاون الجاري في عدد من الملفات بما يسمح بزيادة حجم التعاون التجاري إلى النصف خلال العام الجاري. واكد أن مفاوضات إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين البلدين مستمرة، فضلا عن بحث إنشاء منطقة صناعية روسية في مصر، وكشف عن الاتفاق على توسيع التعاون العسكري بين البلدين لتعزيز قدرات القوات المسلحة المصرية في محاربة الإرهاب. ولم يعلن بوتين عودة حركة الطيران الروسي إلى مصر، لكنه قال إنه ناقش هذا الملف مع الرئيس المصري، مضيفا: «الجانب المصري بذل جهودا جبارة لرفع مستوى الأمن في مطاراته، وناقشنا الخطوات المشتركة لاستئناف الطيران المباشر بين البلدين، وقدم الأمن الفدرالي الروسي ما يفيد بأن الجانب الروسي مستعد لفتح خط الطيران بين موسكو والقاهرة، وسيتم التوقيع قريبا على بروتوكول حكومي في هذا الشأن». وأعرب عن امتنانه للجانب المصري لدعمه المبادرة الروسية بشأن الحوار الوطني السوري، متابعا: «نخطط لتحقيق المشاركة من جميع أطياف المعارضة خصوصا منصتي موسكو والقاهرة... ومصر وروسيا معنيتان بتحقيق الأمن في سورية، واستعادة وحدتها وسلامة أراضيها». الحلم النووي بعد حلم طارده المصريون لأكثر من 60 عاما، أطلق الرئيسان السيسي وبوتين إشارة البدء في المشروع النووي المصري لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية بمنطقة الضبعة (غرب مدينة الإسكندرية الساحلية)، بتكلفة إجمالية تبلغ 25 مليار دولار، اقترضتها القاهرة من موسكو، ومشاركة من الخبرات الروسية والمصرية لتنفيذ مراحل المشروع العملاق. وتم توقيع وثائق إدخال عقود بناء محطة الضبعة النووية حيز التنفيذ، في حضور الرئيسين، ووقع الوثائق من الجانب المصري وزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمد شاكر، ومن الجانب الروسي المدير العام لمجموعة الشركات الحكومية «روس آتوم» أليكسي ليخاتشوف، وتشمل المرحلة الأولى من المشروع 4 مفاعلات بقدرة إجمالية تصل الى 4800 ميغاواط بمعدل 1200 ميغاواط للوحدة. وقال مصدر مصري مسؤول لـ«الجريدة» إن تكلفة إنشاء المحطة تأتي بقرض روسي، يساهم في إنشاء نحو 85 في المئة من المشروع، موضحا أن الجانب الروسي بدأ تمويل المحطة اعتبارا من عام 2016 حتى 2028 على 13 دفعة متتالية، ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل التجريبي لأول مفاعل نووي في المشروع عام 2022. ويبدأ سداد القرض في أكتوبر 2029 على مدى 43 قسطا خلال 22 عاما، ويتم تنفيذ المشروع على 45 كيلومترا مربعا بطول 15 كيلومترا على ساحل البحر وبعمق 5 كيلومترات. وفيما رأت أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس يمن حماقي، في الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال زيارة بوتين، بما فيها محطة الضبعة، خطوة على طريق ثورة تصنيعية في مصر، قال الخبير في شؤون الطاقة النووية إبراهيم العسيري، لـ»الجريدة»، إن المحطة النووية من المشروعات التي تخطو بها مصر صوب المستقبل، إذ ستوفر احتياجات مصر من الطاقة لعقود. في الأثناء، رحب مجلس النواب المصري بزيارة الرئيس الروسي، وأكد على لسان وكيل البرلمان الأول السيد الشريف أن الزيارة تعد إحدى أهم الزيارات الروسية لمصر، وأوضح أن أهميتها تأتي من التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة النووية بين البلدين، مقدما الشكر إلى الرئيس الروسي على مواقفه التي يتفق فيها مع الجانب المصري.
مشاركة :