تحول تنظيم «داعش» الإرهابي من مشروع «خلافة» إلى مجموعة عصابات متفرقة وخائرة القوى في سورية، التي من المتوقع أن تسير قريباً على خطى العراق، مع قرب انتهاء الحرب ضد الجهاديين على أراضيها. وأعلنت بغداد، السبت، «نهاية الحرب» على تنظيم «داعش»، بعد عام شهد معارك عنيفة انتهت بخسارة التنظيم مدينة الموصل، معقله الأساسي في العراق، وكامل الحدود السورية العراقية، التي شكلت سابقاً حلقة الوصل بين «أراضي الخلافة» في البلدين. ولم يعد التنظيم يسيطر على أي مدينة في سورية، لكنه يحتفظ بقرى وبلدات وجيوب، تنتشر فيها بضعة آلاف من المقاتلين، من دون أن يكون لهم أي مقار شرعية، أو دواوين اعتادوا أن يديروا «الخلافة» منها. أثار التنظيم المتطرف الرعب، عبر قيود مشددة فرضها على السكان كالامتناع عن التدخين، أو اقتناء الصحون اللاقطة، وفرضه أزياء معينة، معاقباً كل من يخالف أوامره بالجلد وقطع الأيدي، وصولاً إلى القتل. ورغم ذلك، سارعت روسيا، الأسبوع الماضي، إلى الإعلان أن سورية «تحررت بالكامل» من التنظيم المتطرف. ويوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن «بات التنظيم مجرد مجموعات متفرقة داخل الأراضي السورية». ويتوقع أن تتسارع العمليات العسكرية في الفترة المقبلة «في محاولة من كل طرف، لتحقيق نصر قريب بالقضاء على التنظيم»، مرجحاً أن «يواصل التنظيم عمله، عبر خلايا نائمة». ورغم أن هؤلاء لن يكونوا قادرين على إعادة اجتياح مناطق معينة، لكن باستطاعتهم إحداث أضرار، من خلال هجمات مضادة وتفجيرات متفرقة على نمط حروب الميليشيات. ولايزال التنظيم المتطرف نشطاً، في منطقة صغيرة على الضفة الشرقية لنهر الفرات بمحافظة دير الزور (شرق)، حيث يتحصن مئات الجهاديين ضد هجمات المقاتلين الأكراد وحلفائهم. وشنّ تنظيم «داعش»، الإثنين، سلسلة هجمات على مواقع لقوات النظام الموجودة على الضفة الغربية للنهر، أسفرت عن مقتل 23 عنصراً على الأقل من الجيش السوري وحلفائه، وفق ما وثق المرصد. بلدات متفرقة وجيوب على وقع هجمات عدة، سواء تلك التي قادها الجيش السوري بدعم روسي، أو قوات سورية الديمقراطية (فصائل كردية وعربية) بدعم أميركي، خسر تنظيم الدولة الإسلامية مناطق سيطرته، في شمال وشرق ووسط سورية. وشكل طرد المقاتلين الأكراد للتنظيم من مدينة الرقة، التي كانت تعد معقله في سورية، أبرز خسائره. ولايزال التنظيم يسيطر على أجزاء من مخيم اليرموك، وحيي التضامن، والحجر الأسود جنوب دمشق، وعلى عدد من القرى في ريفي حمص الشرقي وحماة الشرقي (وسط)، الواقعين في دائرة العمليات العسكرية التي يقودها الجيش السوري بدعم جوي روسي. وعلى وقع هجومين منفصلين ضده في شرق سورية، لم يعد التنظيم يسيطر إلا على نحو 18 قرية وبلدة، على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، حيث يتصدى لهجوم مستمر تشنه قوات سورية الديمقراطية. كما يسيطر على منطقة صغيرة في ريف الحسكة الجنوبي (شمال شرق) تقع في دائرة العمليات العسكرية للمقاتلين الأكراد. ويوجد فصيل «خالد بن الوليد» المؤيد للتنظيم الإرهابي، في محافظة درعا جنوباً، ويخوض باستمرار معارك ضد الفصائل المعارضة وقوات النظام على حد سواء. لا مقار ولا هيكلية على وقع كل تلك الهجمات، يرجح محللون فرار الكثيرين من الجهاديين واختباءهم في مناطق صحراوية نائية أو اختلاطهم بالنازحين، وعودتهم إلى الحياة المدنية. ويقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أيمن التميمي: «تحول تنظيم (داعش) إلى حركة تمرد منذ مدة»، رغم أنه «حاول أن يحافظ على مشروع الدولة، في المناطق التي يسيطر عليها»، خصوصاً في جنوب دمشق وجنوب البلاد. ويضيف «أنا متأكد أنه لاتزال هناك تراتبية قيادية، لكن الهيكلية العامة باتت أقل تماسكاً من ذي قبل»، موضحاً «ليست هناك مقار بالمعنى العام للكلمة، ليست هناك سلطة مركزية على غرار ما كانت الرقة تشكله لتنظيم (داعش) في سورية». وبين عامي 2016 و2017، فرض تنظيم «داعش» شكلاً من أشكال الدولة، عبر المحاكم الشرعية والشرطة الإسلامية المعروفة بـ«الحسبة»، والدواوين الإدارية والسجون. وأثار التنظيم المتطرف الرعب، عبر قيود مشددة فرضها على السكان كالامتناع عن التدخين، أو اقتناء الصحون اللاقطة، وفرضه أزياء معينة، معاقباً كل من يخالف أوامره بالجلد وقطع الأيدي، وصولاً إلى القتل. ويقول التميمي «صحيح أن مقاتلي تنظيم (داعش) موزعون في أنحاء البلاد، لكن هذا لا يعني أنه ما من تواصل بينهم»، موضحاً «حينما كان التنظيم يسيطر على أراضٍ متصلة ببعضها بعضاً (من العراق إلى سورية)، اعتمد نظاماً رسمياً لبعث الوثائق والرسائل بين الإدارات والمناطق». ورغم خسائره المتتالية، فلايزال بإمكان التنظيم، وفق التميمي، «تهريب الرسائل والوثائق بين مختلف المناطق»، مرجحاً أن يكون يتبع «نظاماً مشفراً على الإنترنت للتواصل».
مشاركة :