موقف الأزهر الحازم من قضية القدس يقوض مزايدات الإسلاميين بقلم: أحمد جمال

  • 12/13/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

موقف الأزهر الحازم من قضية القدس يقوض مزايدات الإسلاميينإعلان الأزهر عن رفض استقبال نائب الرئيس الأميركي مايك بينس، شكّل موقفا سياسيا قويا جمع حوله تأييدا واسعا من قوى سياسية وإسلامية. ويرى مراقبون أن قرار الأزهر من الممكن أن يعرقل محاولات إيران وتركيا وجماعة الإخوان وتنظيمات سلفية توظيف الأزمة بصورة سياسية واسعة عبر المتاجرة بشعارات براقة لتحرير المسجد الأقصى. وجاء موقف الأزهر عقب مبادرة أخرى قام بها شيخه لدعم مسلمي الروهينغا والحد من مزايدات الجماعات المتشددة.العرب أحمد جمال [نُشر في 2017/12/13، العدد: 10841، ص(13)]للمسلمين والمسيحيين على حد سواء القاهرة – حازت مؤسسة الأزهر على تأييد من قبل أوساط سياسية وشعبية عربية، بعد أن أعلن شيخ الأزهر أحمد الطيب، رفض استقباله نائب الرئيس الأميركي مايك بينس، في إطار جولته إلى منطقة الشرق الأوسط والتي ستشمل القاهرة في 20 ديسمبر الجاري. وحاول حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني، وقيادات إيرانية وإخوانية وسلفية عدة استثمار أزمة القدس والمتاجرة بها سياسيا، في محاولة لخروج الحزب وطهران والتيار الإسلامي من مأزقهم الإقليمي الراهن. وتنطوي تحركات الأزهر للخروج من النمط التقليدي إلى النمط الديني السياسي، على رغبة في توسيع هامش الحركة في بعض الأزمات، واستثمار الرصيد التاريخي الذي لا يزال يحظى به في بعض الدول الأفريقية والآسيوية، وهو دور يبدو أن القاهرة بدأت تلتفت إليه مؤخرا لمواجهة تمدد نفوذ إيران وبعض الجماعات المتطرفة، وكلاهما استفاد من غياب المؤسسات الدينية المعتدلة وعمل على سد الفراغ بطريقته التي كبّدت مجتمعات خسائر باهظة. وقال الطيب في بيان له، إن الأزهر “لا يمكن أن يجلس مع من يزيّفون التاريخ ويسلبون حقوق الشعوب ويعتدون على مقدساتهم”، متسائلا “كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون؟”. ويجهّز الأزهر حاليا بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، لعقد مؤتمر عالمي لنصرة القدس، خلال الشهر المقبل، لبحث اتخاذ خطوات عملية لدعم الهوّية العربية والفلسطينية للمدينة المقدسة، ومن المقرر أن يشارك فيه كبار رجال الدين والثقافة والسياسيين المعنيين بالقضية، وكذلك القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية الدولية ذات الصلة. وقال عبدالغني هندي، عضو المجلس الأعلى للبحوث الإسلامية، إن اتخاذ الأزهر لمواقف حاسمة على المستوى الدولي دون المحلي يرجع إلى التعقيدات السياسية والإدارية والهيكلية والفكرية التي يواجهها في الداخل، وهو ما ينعكس سلبا على خطواته نحو الإصلاح والتجديد. وأضاف في تصريحات لـ“العرب”، أن تحركات الأزهر الخارجية ترتبط بقرارات ومواقف لا تمثل ضغطا داخليا على الأزهر، كما هو الحال بالنسبة إلى تجديد الخطاب الديني ومواجهة الأفكار المتطرفة، وهي مجرد مواقف يتم الإعلان عنها بعيدا عن إحداث تغييرات جذرية لا يستطيع اتخاذ خطوات جادة بشأنها.محاولة مصرية لمنع تركيا من المتاجرة بالقمة الإسلامية التي تعقد على أرضها والإيحاء بأنها قائدة للعالم الإسلامي وأوضح أن الدور الخارجي للأزهر “أمر راسخ في وجدان كل من بداخله”، على عكس التجديد الذي مازال يواجه رفضا واسعا لدى قطاعات كبيرة داخله، يؤثر على ضبابية مواقفه التي تحاول التعامل مع انتشار الأفكار المتطرفة وبين آراء الفقهاء داخله والذين يفضلون بقاء الوضع على ما هو عليه الآن. ولا يمكن فصل موقف الأزهر الأخير عن مواقف أخرى اتخذها منذ أن تولى أحمد الطيب، منصب رئيس مجلس حكماء المسلمين في العام 2014، إذ تنوعت الجولات الخارجية لشيخ الأزهر، وهي زيارات ارتبطت بقضايا دولية عالقة تم التفاهم بشأنها. وجاءت أول زيارة لشيخ الأزهر إلى الفاتيكان في العام 2016 لتنهي سنوات من القطيعة بين المؤسستين، على خلفية تصريحات البابا بندكت السادس عشر في العام 2006، ربط فيها بین الإسلام والعنف. وفتحت عودة العلاقات بابا لتطوير الجهود لمواجهة العنف والتطرف والتعصب بين الأديان، وهي الجهود التي جاءت على خلفيتها أهداف سياسية ارتبطت بصعود اليمين المتطرف في العديد من بلدان العالم. كما أن الأزهر تطرق إلى رفض قضايا العنف التي لحقت بالمسلمين في العديد من البلدان، كان آخرها دعمه لمسلمي ميانمار، وقيادته لحملة إنسانية دولية لتوزيع مساعدات على أكثر من 10 آلاف لاجئ يقيمون في بنغلاديش. وتداخل الأزهر أيضا مع أزمة مسلمي “بومبولو” في جنوب شرق أفريقيا الوسطى، وأدان الهجوم الطائفي الذي تعرضوا له خلال شهر أكتوبر الماضي وأسفر عن مقتل 150 شخصا، وقبلها التقى شيخ الأزهر رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى كاترين سامبا بانزا، أثناء زيارتها للقاهرة مع نهاية العام 2014. ويرى مراقبون أن تحركات الأزهر الخارجية ذات الطابع السياسي، من شأنها قطع الطريق على محاولات التيار الإسلامي المتاجرة مرة أخرى بالقضية الفلسطينية بذريعة تحرير القدس، وهي وسيلة تقليدية للترويج لأفكار جماعات متطرفة. ومنذ اندلاع أزمة القدس، خرج مسؤولون وكوادر إسلامية في دول عدة، ونددوا وشجبوا الموقف الأميركي وهاجموا ما اعتبروه موقفا سلبيا لبعض القادة العرب. وأكد أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، أن قيادات الأزهر تستغل الرصيد الكبير الذي يتمتع به في أوساط الإسلاميين السنة داخل العديد من البلدان العالم، وتحركاتها تكون مثقلة بهذا التأييد الذي يجعلها تحقق تأثيرا شعبيا تبحث عنه مؤسسة الأزهر منذ زمن لتتمكن من القيام بدورها السياسي الغائب.الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اتخذت موقفا مشابها للأزهر ورفضت أيضا استقبال نائب الرئيس الأميركي وأضاف في تصريحات لـ“العرب”، أن الأزهر ينظر إلى قضية القدس باعتبارها تهديدا مباشرا يمس الثوابت الدينية هناك، ورفض القبول بأنصاف الحلول، كما أن تلك القضية يحوز التعامل معها على إجماع داخل المؤسسة الدينية، واتخاذ قرار صارم بشأنها يساهم في تقليل الخلافات الشرعية المتعلقة بمواجهة الأفكار المتطرفة. وفي 20 نوفمبر الماضي أصدر الأزهر بعنوان “وثيقة الأزهر عن القدس الشريف”، تضمنت تفنيدا تاريخيا للمغالطات الأميركية بشأن القدس، وأشارت الوثيقة إلى أن القدس ليست فقط مجرد أرض محتلة، وإنما هي حرم إسلامي مسيحي مقدس.. وقضيتها ليست فقط قضية وطنية فلسطينية، أو قضية قومية عربية، بل هي فوق كل ذلك قضية عقدية إسلامية. وأشار كريمة إلى أن موقف الأزهر من قضية القدس تضّمن وجود فتوى شرعية إلى الفلسطينيين بمشروعية الانتفاضة ضد القوات الإسرائيلية، وهو ما كان يعد أمرا مرفوضا من قبل بعض الفقهاء الإسلاميين، وبالتالي فإن موقفه لم يكن سياسيا فقط بل يعبّر عن موقف ديني داعم للقضية الفلسطينية. واستطاع الأزهر أن يجذب إليه قطاعا واسعا من المواطنين داخل الأراضي الفلسطينية، بعد أن أيد انتفاضة جموع الفلسطينيين ضد القرار الأميركي الأخير، قائلا “لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم”. وهي الكلمات التي رددها الآلاف من المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت سببا في اندلاع العديد من المظاهرات داخل الأراضي الفلسطينية منذ الجمعة الماضي. وبحسب البعض من المصادر السياسية في مصر، فإن موقف الأزهر له دلالة رمزية تعبر عن موقف الحكومة المصرية، بعد أن اتخذت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية موقفا مشابها للأزهر ورفضت أيضا استقبال نائب الرئيس الأميركي. وطالبت قوى في المعارضة الرئيس المصري بعدم استقبال نائب الرئيس الأميركي، قبل أن يعلن الأزهر والكنيسة رفضهما اللقاء، وهو ما أرجعه البعض إلى كونه رسالة تتضمن أيضا ردا رسميا من القاهرة تجاه واشنطن. وذهب البعض من المراقبين للتأكيد على أن رمزية موقف الأزهر لا تعبر فقط على الموقف الرسمي، لكن قد تعبر عن مواقف دول إسلامية كثيرة، من المقرر أن تجتمع في إسطنبول، الأربعاء. وبدا موقف الأزهر والكنيسة في مصر من أزمة القدس محاولة مصرية لمنع تركيا من المتاجرة بالقمة الإسلامية التي تعقد على أرضها، والإيحاء بأنها قائدة للعالم الإسلامي، عقب اتخاذ الرئيس التركي موقفا صاخبا من القدس استخدم فيه مفردات تدغدغ مشاعر المسلمين دون أن يتخذ موقفا واضحا بشأن علاقته الوطيدة مع إسرائيل، وكأن التشدد كان مقصودا للتغطية على أمر العلاقة الخفية الوثيقة التي تربط أنقرة بتل أبيب.

مشاركة :