الكتاب يضم مقاربات مغاربة حول إبداعات الكاتبة والفنانة المغربية وصالونها الأدبي والفني بالدار البيضاء، ورحلتها الفنية مع التشكيل والنقد والشعر والقصة القصيرة والرواية.العرب فيصل عبدالحسن [نُشر في 2017/12/13، العدد: 10841، ص(15)]مسيرة إبداعية زاخرة بالعطاء بمناسبة أربعينية الكاتبة والفنانة المغربية زهرة زيراوي، والتي وافاها الأجل في 23 أكتوبر الماضي عن عمر 77 سنة، أقيمت أمسية نقدية واستذكارية للراحلة بقصر السفراء بالدار البيضاء. وفي الوقت نفسه تم توقيع كتاب "عبق الزهرة" النقدي الذي صدر حول تجربتها بأقلام عدد من الكتاب المغاربة والعرب تضمن مقاربات حول إبداعاتها وصالونها الأدبي والفني بالدار البيضاء، ورحلتها الفنية مع التشكيل والنقد والشعر والقصة القصيرة والرواية. وعاشت الكاتبة زهرة زيراوي نضوجها الفكري والثقافي في فترة حرجة من تاريخ المغرب السياسي، حيث سميت فترة السبعينات من تاريخ المغرب بـ”سنوات الرصاص”، وخلال تلك الفترة كانت زيراوي طالبة في دار المعلمين بالدار البيضاء تحاول أن تحتك بمختلف التيارات الفكرية السائدة في الفن والأدب والسياسة. وكان الوطن العربي برمته يتغير وقتها، وثمة حركة فكرية وثقافية وثورية ناهضة في العديد من البلدان العربية كمصر وتونس والجزائر والعراق وغيرها. آمنت زيراوي بالآداب والفنون كوسائل تغيير مهمة في مجتمعها والمجتمع العربي خلال فترة دراستها. فقررت أولا أن تتكلم بالعربية الفصحى، وألا تستخدم الدارجة المغربية سواء في تعاملها اليومي مع الناس بالأسواق أو من خلال تعاملها مع طلابها أو مع الكتاب الذين تلتقيهم، حبا بهذه اللغة واحتراما لها. وكانت لغتها العربية الفصيحة مدعاة للفت أنظار كل من التقى بها من المغاربة أو العرب حتى وفاتها، لجزالتها وبلاغتها، وسرعة حضور البديهة لديها عند التحدث المباشر مع الناس. ولم تكتف زيراوي بالأدب قصة وشعرا ورواية بل عشقت الألوان، ورائحة زيوت الأصباغ، وهامت بلوحات مانيه، سيزان، ديغا، ومونيه، ومن عصر النهضة دافنشي، غوغان، روسو، فأبدعت رسما وتركت العشرات من اللوحات التي جسدت فيها عذابات المرأة الشعبية المغربية، التي تعيش في قاع المدينة، فظهرت هذه النساء في الكثير من البورتريهات التي رسمتها، كخادمات بيوت قدمن من البادية المغربية، ليخدمن في بيوت الميسرين بالدار البيضاء وعاملات مخابز وربات بيوت ونادلات. وعلاوة على دورها الإبداعي ككاتبة ساهمت الراحلة في رفد الحياة الفنية والأدبية المغربية والعربية بأن جعلت بيتها صالونا أدبيا وفنيا ومأوى للشباب من الفنانين والشعراء والقصاصين والروائيين الجدد. الذين جاؤوا لتقدمهم إلى الوسط الثقافي المغربي والعربي من خلال صالونها الذي أسسته في العام 1990 بالدار البيضاء، ونجحت في العام 2013 في افتتاح فرع لجمعيتها الفنية “ملتقى الفن” التي رأستها على مدى عقدين في بروكسل. وأقامت العديد من الأمسيات الثقافية والفنية في بلجيكا وفرنسا للتقريب بين الثقافات ومد أواصر المحبة بين المثقفين العرب والأوروبيين وقد دأبت على هذا المنحى حتى وفاتها. وتضمن الكتاب الذي صدر بأربعينيتها دراسات نقدية في المنجز الإبداعي لزيراوي التي قدمت عدة مجموعات قصصية كـ”الذي كان” 1994، “نصف يوم يكفي” 2001، “مجرد حكاية” 2002، و”حنين” 2007. ولزيراوي في الفن التشكيلي كتاب نقدي بعنوان “الفن التشكيلي ــ مقامات أولى” 2005، وكانت لها مع الشعر أيضا مغامرة جريئة، حيث أصدرت ديوانها “ولأني” 2012. ولها أيضا رواية “الفردوس البعيد” 2016 التي وضعت فيها تجربتها الحياتية وما عاشته أسرتها خلال قرن كامل. “نرحل ويبقى الأثر” هذا ما كانت تردده الكاتبة زيراوي في قصصها وقصائدها وروايتها “الفردوس البعيد”. وقال الشاعر المغربي محمد علي الرباوي عن “أثر الكاتبة” في “عبق الزهرة” الذي صدر بهذ المناسبة “جاء هذا الكتاب التذكاري ليحتفي برمز من رموز الثقافة المغربية، بزهرة فواحة من أزهار المغرب وربوعه الخضراء المعطاء”. أما الناقد أحمد بلحاج فقال عن شعر الراحلة “صور الشاعرة زيراوي تجاوزت كل معطيات الحساسية، فهي تحمل المتلقي إلى وضعية القراءة المؤجلة، بحيث أن عينيه إذا تركتا قصيدة من قصائد ديوانها ‘لأني’ فإنما تتركانها لتشاركا الشاعرة في رؤاها، وهذا هو الرهان الأصعب لتمرين المخيلة”. وتتناول مجموعاتها القصصية وروايتها وأعمالها التشكيلية في”عبق الزهرة” مجموعة من الكتاب والنقاد المغاربة والعرب من بينهم، عبدالنبي ذاكر، علي القاسمي، غازي نعيم، أيوب المليجي، عبدالعزيز موافي، فيصل عبدالحسن، لحسن إفركان، عبدالله الفيفي، الحسن الغشتول، فريد أمعضشو، وأحمد القنديلي. وتضمن الكتاب شهادات حول الكاتبة قدمها كل من محمد برادة، محمد عزيز الحبابي، محمد اللغافي، وعمدة بروكسل أيسي هلبرثل، ووزارة الثقافة البلجيكية، كما ضم الكتاب حوارات أجريت في فترات مختلفة مع الراحلة.
مشاركة :