أبوظبي: فؤاد علي ورشا جمال اختتم الملتقى السنوي الرابع ل«منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» أعماله، أمس، في أبوظبي، وسط إجماع من كافة المشاركين في فعالياته من علماء دين ومفكرين من مختلف البلدان الإسلامية والعالم، على وجود قصور لدى فئة واسعة من الشباب المسلم حول معنى الجهاد في الإسلام، محملين الغرب نتائج تفشي ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي اعتبروها صنيعة غربية ليست موجهة ضد الإسلام بقدر ما هي موجهة لحماية الذات الأوروبية. وشهدت فعاليات اليوم الختامي للملتقى، ورشة نقاشية حملت عنوان: «الجهاد في خدمة الإسلام»، ترأسها الشيخ الدكتور شوقي علام، مفتي جمهورية مصر العربية، قام خلالها الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، بمداخلة وجّه فيها الشكر لدولة الإمارات على دعمها ومساعدتها لقبائل الروهينجا المهجّرة في بنجلاديش. وبدأت فعاليات اليوم الختامي للملتقى بورشة نقاشية عقدت تحت عنوان: «الإسلاموفوبيا اليوم»، بكلمة للدكتور نصر عارف، رئيس قسم الحضارة الإسلامية بجامعة زايد، قال خلالها: «إن ظاهرة الخوف من الإسلام هي ظاهرة قديمة متجددة، ظهرت مع الحروب الصليبية، عندما تعرف الغرب إلى الحضارة الإسلامية، وأيقنوا أنها حضارة عريقة يترتب الخوف منها»، معتبراً أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» ليست ظاهرة موجهة ضد لإسلام، بقدر ما هي موجهة لحماية الذات الأوروبية.تطرق عارف، خلال الجلسة، التي أدارها الدكتور عبدالسلام العبادي، أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي، إلى ثلاثة نماذج للخوف من الإسلام، أكد أنها تختلف في مضمونها وتوجهاتها ضد الإسلام والمسلمين، أولها النموذج الأوروبي، الذي تختلف فيه ظاهرة الخوف من الإسلام عن النموذج الأمريكي جملة وتفصيلاً، لافتاً إلى أن هجرة الشباب المسلمين إلى الغرب تعد من أهم أسباب خوف الدول الأوروبية من الإسلام، لاسيما وأنهم ينظرون إليها على أنها مصدر تهديد للوجود الأوروبي خلال السنوات القادمة. وقال: «هناك تقارير تم نشرها عن اختفاء الشباب في أوروبا بحلول عام 2050؛ بسبب العزوف عن الزواج والإنجاب، وحذرت هذه التقارير من تحول أوروبا إلى دولة مسنين، وهو ما خلق التخوف من أن يحل المهاجرون المسلمون مكان الأوروبيين الأصليين، وأن تتحول أوروبا إلى دول إسلامية تندثر معها المسيحية».فيما رأى أن السبب الثاني يتمثل في عدم الاندماج الثقافي للمهاجرين، الذين فضّلوا التمسك بثقافاتهم، وظلوا منفصلين عن الثقافة الأوروبية، منوّهاً بأن الخوف من الإرهاب الذي يضرب أوروبا من حين لآخر، يعد سبباً رئيسياً في انتشار الخوف من الإسلام بشكل عام ما بين الأوربيين، الذين باتوا يخشون كذلك أفكار الكُتّاب والمثقفين المسلمين، باعتبارها وسيلة لنشر الفكر الإسلامي.كما حمّل عارف، المنظمات الإسلامية العاملة في الولايات المتحدة، جزءاً من أسباب انتشار ظاهرة ومصطلح «الإسلاموفوبيا»؛ نظراً لكونها منظمات ممولة سياسياً وأيدلوجياً (سلفياً أو إخوانياً)، ما جعلها تعمل وفق أجندات خاصة بها، وتمثل حزبها وجماعتها فقط، وهو ما روّج لانتشار فكر الجهاد وغيره من الأفكار التي أسست لمفهوم التشدد، لافتاً إلى أن تلك المنظمات تستخدم الإسلام في الدفاع عن قضاياها، وليس في الدفاع عن الإسلام. من جانبها، قالت الدكتورة خولة حسن، مستشار في المجلس الإسلامي بالمملكة المتحدة:«إن كراهية المسلمين من قبل دول الغرب وظاهرة «الإسلاموفوبيا» نشأت؛ نتيجة السلوك المنحرف للجماعات المتطرفة التي تقوم بالأعمال الإرهابية، والقتل العشوائي في مختلف دول العالم».وشهد اليوم الختامي كذلك ورشة نقاشية أخرى حملت عنوان: «الإسلاموفوبيا ووسائل الاتصال»، تناولت أسباب انتشار هذا المصطلح بصورة كبيرة، واستخدامه في كافة المنصات؛ إذ أرجعت الدكتورة ربيعة شوذري، مستشار قانوني ومقدمة برامج في «نيويورك تايمز»، انتشار مصطلح «الإسلاموفوبيا» إلى الاستخدام والتوظيف الخاطئ لهذا المصطلح من قبل وسائل الإعلام في الدول الإسلامية ذاتها، ما أدى إلى الخلط بين الإسلام والإرهاب، لافتة إلى ضرورة نشر ثقافة التسامح بين الأطفال والشباب المسلمين، وتدريبهم على أن الإرهاب غير مسموح به في الإسلام.ورأى إدريس الكنبوري، خبير بمركز أبحاث في مجلس الجالية المغربية بالخارج، أن العالم يعيش حالياً مرحلة المواجهة بين المسلمين والغرب، وهي مواجهة باتت تهدد الإنسانية بالخراب، داعياً إلى ضرورة مواجهة هذا التحدي، الذي اعتبره لا يقل خطورة عن ثقب الأوزون في تهديده للبشرية. وقال الدكتور المدثر أحمد شريك مُسيّر، في مؤسسة «يونيتاس» للتواصل ببريطانيا: «المسلمون هم الضحية الأولى للإرهاب داخل العالم الإسلامي، وكذلك الحال بالنسبة لمسلمي الغرب فهم أيضاً ضحايا لهذا الإرهاب من جانب، ولأثاره من العنف والكراهية من قبل جماعات التطرف الغربية من جانب آخر». الجهاد أشكال شهدت فعاليات الملتقى ورشة نقاشية حملت عنوان: «الجهاد في خدمة الإسلام»، ترأسها الشيخ الدكتور شوقي علام، مفتي جمهورية مصر العربية، الذي أكد أن الجماعات المتطرفة حصرت الجهاد في القتال رغم تنوع أشكاله، مشدداً على أن جهاد القتال يكون فقط بيد الحاكم. فيما اتفق الحضور على أن «الجهاد الذي اختصره البعض في القتال، هو آخر أنواع الجهاد، لافتين إلى أن هؤلاء الناس لو نظروا قليلاً لأدركوا أن الأمة الإسلامية باتت تعيش على منتجات العالم الغربي، وتستهلك من طعامه وتحارب بسلاحه».قدّم الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، مداخلة في إحدى ورش العمل للملتقى، حمل فيها رسالة من قبائل الروهينجا، التي يعاني أكثر من المليون و٢٠٠ ألف من أبنائها بعد طردهم ونزوحهم من ميانمار إلى بنجلاديش؛ حيث تشردوا وتعرضوا للفناء إما بسبب الجوع أو البرد إلى جانب الإصابة بالأمراض الفتاكة، مؤكداً أنه لولا هيئة الهلال الأحمر الإماراتي التي خففت من وطأة الشتاء والجوع عليهم، لكان وضعهم أسوأ.وقال شومان: «رغم هذا الجهد إلا أن معاناتهم شديدة، ويحتاجون إلى دعم ومساندة وليس ذلك كمسلمين فقط؛ بل حقهم الطبيعي في العيش والعودة إلى ديارهم وممارسة حياتهم الطبيعية».وأضاف: لقد حمّلوني رسالة طلبوا مني أن أوصلها إليكم، وإلى كل حكماء العالم من أجل مساعدتهم، ومن يستطيع مساعدتهم فهذا من الجهاد، وأنا أتحدث عنهم بصفتهم بشراً من حقهم العيش والعودة لبلادهم آمنين، مناشداً المجتمع الدولي الذي قرر أحد صنّاع القرار فيه إلغاء حق أصحاب الأرض ومنحه لغيرهم، على حد تعبيره، بأن ينظر إلى هؤلاء ويساعدهم في العودة لديارهم والعيش الكريم. بدأت الورشة الثالثة، بعد ظهر أمس، وتركزت على مسارات التعارف والتضامن بين الإسلام والعالم.وأوصى المشاركون في المنتدى، بتأسيس مرصد دولي للإسلاموفوبيا وأنواع الكراهية، يكون منبراً للدراسة العلمية لأسبابها ومظاهرها، وقوة اقتراحية لسبل التصدي لها والتوعية بمخاطرها.كما أوصى المشاركون في ختام المنتدى أمس، بتنظيم ملتقيات جامعة على الصعيد الدولي، لمؤسسات التواصل والحوار بين الديانات والثقافات، لتقويم المنجزات وتبادل الخبرات وتوحيد الجهود، والعمل على تأسيس برامج علمية ومنح دراسية، لتشجيع التعارف وتبادل الخبرات بين أقسام الدراسات الشرعية في جامعات العالم الإسلامي، والجامعات المعنية بتدريس الأديان في الغرب، كما أوصى المنتدى بتخصيص جائزة سنوية لأفضل الدراسات الإسلامية والإنسانية والاجتماعية في مواضيع التعايش والتعارف.وهنأ المؤتمرون، منتدى تعزيز السلم على احتضانه للقافلة الأمريكية للسلام، المرتكزة على إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة، باعتبارها دليلاً على إمكانية بل ضرورة الشراكة الإيجابية، من أجل التعايش السعيد. وقد أظهرت هذه المبادرة إلى أي حد يمكن للعائلة الإبراهيمية أن تمارس قيم التعايش والأخوة الإنسانية عملياً وليس نظرياً فقط، ويحدو المؤتمرين الأمل في أن تتطور هذه القافلة وترتقي إلى حلف فضول، لتجسيد القيم المشتركة؛ قيم السلام والمحبة والوئام بين ديانات العائلة الإبراهيمية، ليشعّ بعدها على الديانات والثقافات لصالح الإنسان والإنسانية، كما نوّهوا باختيار «المنتدى» للمؤسسة المصرية «بيت العائلة»، للفوز بجائزة مولانا الحسن بن علي للسلم؛ نظراً لما تجسده هذه الشراكة بين الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، من قيم التعايش والتعاون وتعزيز اللحمة لوطنية.وعبر المشاركون في الملتقى الرابع ل«منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، عن شكرهم الجزيل وثنائهم الجميل لدولة الإمارات، على كرم الضيافة وحسن الوفادة رافعين أسمى عبارات الامتنان إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، ومتعه بدوام الصحة والعافية، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وإلى أصحاب السمو حكام الإمارات، وأن يتغمد بواسع رحمته الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ويديم على دولة الإمارات ثمار ما غرسه في هذه الأرض الطيبة، رحمة ورخاء وأمناً ومحبة.وشدد منتدى تعزيز السلم على أنه من الضروري إشاعة قيم السلم والتعايش والمحبة بين الأديان، وبين بني الإنسان في مختلف منابر التأثير والتنشئة، خاصة تلك الموجهة إلى الطفولة والشباب، مع مزيد من العناية بالجوانب الرمزية والإبداعية، وشبكات التواصل الاجتماعي، لسهولة استعمالها واتساع نطاقها وفاعليتها.وأكد المؤتمرون أن الحاجة ماسة إلى مراجعة المناهج الدراسية في المجتمعات المسلمة، في ضوء قيم الإسلام الأصيلة بما تضمنته من تسامح واحترام لبقية الأديان والثقافات، وحث على حسن المعاملة مع معتنقيها، بما تختزنه التجربة التاريخية للمجتمعات المسلمة في هذا المجال من ثراء وعطاء، وأكدوا أن هذه المراجعة ضرورية أيضاً على المستوى الدولي للتحقق من مدى استجابة المناهج الدراسية عموماً، لمقتضيات العيش المشترك، وإشاعة قيم احترام الاختلاف والتعارف والتسامح والتضامن.وشدد المشاركون في المنتدى على أهمية ربط حرية الإعلام بالمسؤولية عن السلم الاجتماعي والدولي؛ موضوع النقاش، بسبب اختلاف السياقات الفكرية والثقافية، مطالبين بضرورة إيجاد ميثاق شرف إعلامي عالمي، ينضم إليه المؤمنون بهذا التوجه، ويسعون إلى توسيع أنصاره، وتضييق شقة الخلاف بينهم وبين معارضيه؛ لمصلحة التعايش والسلم بين البشر. ظاهرة الخوف من الإسلام وأكد منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، في ختام دورته الرابعة تحت عنوان: «السلم العالمي والخوف من الإسلام.. قطع الطريق أمام التطرف»، أنه بعد مناقشات طبعتها الصراحة والبحث عن تجاوز الأعراض والظواهر والاختلاف في التفاصيل، إلى ملامسة الإشكالات الجوهرية في موضوع الملتقى، والتحديات المشتركة التي يمثلها بالنسبة للمجتمع الإنساني، خلص المشاركون في الملتقى الرابع لمنتدى، إلى خطورة ظاهرة الخوف من الإسلام وآثارها، حيث إن خطاب الخوف من الإسلام يؤدي إلى أضرار عظيمة، وشروخ جسيمة داخل نسيج المجتمعات المركبة، ويضر بنموذج العقد الاجتماعي القائم على أسس المواطنة المتساوية، فضلاً عن كونه مجافياً لميزان العقل والأخلاق.وفيما يخص إيجاد سبل العلاج، أكد منتدى تعزيز السلم، أنه يعتبر وسائل تعزيز السلم التي يتبناها في المجتمعات المسلمة، هي نفسُ الوسائل التي تنشر السلم في كل المجتمعات الإنسانية؛ لأن منغصات السلم وعوائقه واحدة في كل مكان، وهي جزء من ظاهرة الرّهاب والخوف من الإسلام، وأن المنتدى انسجاماً مع مبادئه وطبيعة مشروعه، لا يدعي الوصاية على مواطني الدول الأخرى، فيما يلجؤون إليه من الوسائل القانونية المتاحة لهم، للتصدي لخطاب العنف والكراهية ولنيل حقوقهم، فلكل سياق خصوصيته ولكل مجتمع تنزيلاته الملائمة لأطر نظامه العام.وأفاد المنتدى أن علاج ظاهرة الخوف من الإسلام، يمكن مقاربته من خلال دوائر ثلاث وهي: إعادة ترتيب البيت الإسلامي، والحوار مع الآخر، والتحالف مع أُولي بقية من أهل الأديان ومحبي الإنسان، وأن المنظومة الفكرية في نطاق المجتمعات المسلمة في أمس الحاجة إلى تجديد بإبراز المناهج الصحيحة، والمآخذ السليمة في التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، فيعود الكلي حاكماً على الجزئي، ويجمع بين الأدلة عوض تجزئتها، وتصبح المقاصد مترجمة لمغزى النصوص ومبينة مدى تطبيقها، ومبرزة سبيل انسجامها وتنسيقها.فمن أعمدة هذا التجديد النظر إلى المفاهيم الشرعية والأحكام الجزئية، في ظل القيم الأربعة الحاكمة في الشريعة: قيم الرحمة والحكمة والعدل والمصلحة، مشيراً إلى أن كل المجتمعات صارت خليطاً من الأجناس والأعراق والأديان واللغات، وهذا التنوع في المنطق الديني والإنساني ينبغي أن يكون محفزاً على العمل الإيجابي، والتعارف والتعايش. خطة للتعاون بين الأمم المتحدة و«المنتدى» كشف آدما ديينج نائب أمين عام الأمم المتحدة، المكلف بمنع الإبادة الجماعية، عن خطة للتعاون بين منظمة الأمم المتحدة و«منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، يجري بمقتضاها تنظيم عشر ورش للبحث العلمي في مجال تطوير التعليم الديني في العالم الإسلامي. وقال ديينج إن الاتفاق هو ثمرة لقاءات سابقة جرت مع الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وتم بحث إمكانية التعاون بين الجانبين في مجال تطوير التعليم الديني، من خلال برامج علمية مكثفة. وأنه جرى الاتفاق على تنظيم عشر ورش علمية لهذه الغاية، سيعلن عن تفاصيلها لاحقاً.وأضاف ديينج أن المنظمة الدولية تقدر عالياً جهود منتدى تعزيز السلم في مجال نشر ثقافة التسامح والتعايش بين الشعوب؛ كونها أنشطة علمية ومعرفية تنسجم مع المعايير الإنسانية المعاصرة بكل المقاييس الأخلاقية والدينية. وأن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس يتابع عن كثب جهود الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، في إطار نشر ثقافة التسامح والدعوة للسلام والتعايش الإنساني السعيد، ويرى به نموذجاً لنشر ثقافة السلم والتسامح على مستوى العالم.
مشاركة :