ما يقي الرجال من جنون زوجاتهم ومبالغتهن في الصرف والتبذير هو منحهن المزيد من الحرية وحق تقرير المصير.العرب لمياء المقدم [نُشر في 2017/12/14، العدد: 10842، ص(21)] أعياد الميلاد مرهقة، رغم ما تحمله معها من بهجة وسعادة. في هذه الأيام تمتلئ المحلات والشوارع والأسواق بالمتبضعين والمتسوقين والمتفرجين والمتابعين، ويتدافع البشر في كل مكان كأنهم يسابقون الزمن. في العادة أفضّل البقاء في البيت إلى أن تمر هذه الموجة الكاسحة التي تحول المدينة إلى ساحة كبيرة من الأضواء والألوان والبهرج والموسيقى والروائح والأمتعة والضجيج، ذلك أن جنون التبضع الذي يصيب الكل لا يملك سلطة علي خارج ما هو معقول وطبيعي، لكن ما حدث منذ أيام أثار دهشتي: كنت قد ذهبت إلى المحلات لشراء أغراض خاصة بالمطبخ أجلت شراءها طويلا بسبب ضيق الوقت، لكن بعد عودتي إلى البيت اكتشفت أنني صرفت أموالا طائلة على كمية هائلة من الشموع والأطباق والهدايا والحلويات والملابس والوسائد والمناديل وأشياء أخرى كثيرة لم يكن في نيتي شراؤها. ليست هذه أنا، فقد كنت كثيرا ما استغرب وصف المرأة بأنها تهوى التبضع والتنقل في المحلات، وعندما كنت احتاج حذاء أو حقيبة أو أي شيء، كنت أدخل محلا واحدا أو اثنين وأخرج منه بعد دقائق فقط وفي يدي ما ذهبت من أجله، دون تضييع وقت، دون تردد كثير، ودون متعة مبالغ فيها. وجدت نفسي دائما عملية جدا فيما يتعلق بعملية التبضع، ربما لضيق الوقت أو لأنني غالبا أعرف ما أريده فأذهب إليه مباشرة، فما الذي حدث هذه المرة وجعلني أخرج عن عادتي؟ ما حدث، حسب رأيي هو أنني غفوت لوهلة، فأخذتني الموجة وساقني التيار أمامه من دون مقاومة تذكر، والحقيقة أن الفرح معد وإن كان وهميا، والسعادة معدية وإن كانت مؤقتة، عندما تكون مناعتنا الداخلية في تراجع لأي سبب كان. خرجت من البيت لشراء غرض أو اثنين للمطبخ، وعدت بأشياء لا أعرف حقيقة إن كانت ستزيد البيت جمالا أم قبحا، خليط من الألوان الحادة، ليس بينها تناسق معين وبعضها لا يتماشى مع تركيبة الأثاث أصلا! إلى حد هذه اللحظة لا أفهم كيف حدث هذا ولماذا حدث؟! التفسير الأول الذي تبادر إلى ذهني هو أن للأمر علاقة بالتقدم في السن، يمكن تشبيه هذه العملية بتزايد كمية الأصباغ والألوان على وجوهنا كلما أوغلنا في الكبر، في الصغر نحن لا نحتاج أن نجمل وجوهنا إلا بالابتسامة الصافية، لكن مع الوقت تأخذ ألوان كثيرة غريبة مكانها فوق وتحت الجفون وعلى الخدين والشفتين والرقبة، في محاولة تراجيدية بائسة للتحايل على الزمن. التبضع بهذا الشكل العشوائي يشبه صبغ الوجه بهذه الألوان. لاحقا لمست الخيط الذي قادني إلى إجابة أكثر إقناعا: كنت قبلها بأيام قد دخلت في جدال مع أهل بيتي بخصوص أمر مهم يتعلق بالأسرة، انتهى بتهميش رأيي وعدم التعامل معه بجدية. في تقارير علمية وبحوث عن سبب تفوق المرأة على الرجل في موضوع التبضع، تم استنتاج أن التسوق يمنح المرأة شعورا بالاستقلالية والحريّة والمسؤولية وأن التجارة التي لم تكن متاحة للمرأة قبل 100 أو 150 عاما، كانت من أولى عوامل دمجها وتقريرها لمصيرها، فتلك العملية التجارية البسيطة الصغيرة التي تستبدل فيها ما لا يخصها ببضاعة اختارتها بنفسها هي صورة متكاملة الجوانب عن حق المرأة في اتخاذ القرار وتقرير المصير. إذا سلمنا بهذا الاستنتاج، فإن ما حدث معي كان محاولة لاستعادة مكانتي وحقوقي في إبداء رأيي والتعامل معه بجدية. وإذا سلمنا بهذا الاستنتاج فإن ما يقي الرجال من جنون زوجاتهم ومبالغتهن في الصرف والتبذير هو منحهن المزيد من الحرية وحق تقرير المصير. كاتبة تونسيةلمياء المقدم
مشاركة :