أسرار حياة «فارس بلا جواد» الحقيقي: فترة الالتحاق بإدارة التجسس الفرنسية (ح2)

  • 12/14/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في عام 2002 أُنتج مسلسل «فارس بلا جواد» للفنان محمد صبحي، وتزامن عرضه الأول مع شهر رمضان المبارك، عمل أثار جدلاً واسعًا مثلما أحدثه بطل القصة، إلى حد وجود ضغوط دولية لمنع عرضه على الشاشات، ما أفضى في نهاية الأمر إلى حذف بعض الأحداث منه. كتب العمل الفنان محمد صبحي وجسد بنفسه شخصية البطل «حافظ نجيب»، والذي كتب مذكراته حتى عام 1909، وهي المرحلة التي تميزت بغزارة الأحداث المثيرة، بعدها توقف عن الكتابة حتى فارق الحياة عام 1946، كل ذلك أعدّه للنشر الباحث ممدوح الشيخ في كتاب «اعترافات حافظ نجيب». الحلقة الثانية بانتقال «حافظ» إلى منزل جده لم يكن على قدر المستوى المأمول من جانب العجوز، إذ داوم على الهروب من مدرسته دون علمه، إلى أن اُفتضح سر الصغير في أحد الأيام، حينما شاهده الحاج حسن السداوي في الشارع قبل خروج التلاميذ. قال الجد في غضب: «جاي منين يا واد»، ليرد «حافظ»: «مالك يا عم.. عاوز مني إيه؟»، ليشرع الحاج «حسن» في ضربه قبل أن يُفاجأ بالصغير يصيح: «حوشوني يا ناس الراجل ده سماوي وعاوز يخطفني»، مستغلاً تكرار حوادث خطف الأطفال على يد السماوي للإفلات من قبضة جده، ما أثار غضب المارة تجاه العجوز. لم يستطع الحاج «حسن» الإفلات من قبضة الأهالي إلا بعد تدخل زوج عمة «حافظ»، والذي صرخ في الجميع: «سماوي إيه يا جماعة، الواد ده شقي وهو ابن نجيب أفندي ابن الحاج حسن ده، وأنا زوج بنته»، قبل أن يلتفت إلى الصغير ويقول: «أما واد مجرم صحيح، ده لازمه علقة تدوب رجليه». على هذه الشاكلة عاش «حافظ» في منزل جده دون هدوء، حتى أشارت جميلة هانم على والده بضرورة ضمه إليهما مجددًا في طهطا، وهو ما تم بالفعل والتحق هناك بمدرسة «الفرير». بعد عناء طويل أنهى «حافظ» تعليمه الثانوي ثم التحق بالمدرسة الحربية، وفي العام الأخير من دراسته صدر قرار بوقف الترقية لمدة 4 أعوام، وهو ما أطاح بحلمه في الدخول للجيش قبل 3 أشهر فقط من إنهاء الدراسة. سيطر اليأس على «حافظ» قبل أن يجد ضالته في الأميرة الروسية «فيزنسكي»، لتنصحه بإتمام دراسته العسكرية في باريس، قائلةً: «يجب أولاً أن نمر بالقسطنطينية فأنقذك من تعطيل الترقية في مصر، وأهيئ لك مستقبلاً أفضل»، وهو ما نصحه به أيضًا القومندان الجديد للمدرسة الحربية. بانتهاء العام الدراسي في مصر توجه «حافظ» لمنزل «فيزنسكي»، وفيه تعلم التقاليد الغربية على يد الوصيفة، والتي اشترت له احتياجاته من ملابس وغيره، حتى سافر إلى الأستانة برفقة الأميرة الروسية، وهناك التحق بالجيش التركي قبل أن يتم إرساله ضمن بعثة للدراسة في كلية «سان سير» الحربية بباريس. عن تلك النقلة الكبيرة في حياته يقول «حافظ»: «لست أدري كيف تمت هذه العملية، إنما أعرف أن البرنسيس لجأت إلى ضابط كبير بالسفارة الفرنسية، وملحق بالسفارة الإنجليزية فذللا جميع العقبات». انتقل بعدها للإقامة في فيلا «فيزنيسكي» بباريس، بالتحديد داخل غرفة مخصصة له تحت إشراف الإيطالية «إيزابللا»، والتي دربته على تناول الطعام وشرب الشاي وارتداء الملابس، والطريقة التي يجلس بها داخل المقصورة بالتياترو. قضى «حافظ» 3 أشهر في كلية «سان سير»، قبل أن يلتحق بكلية الهندسة العسكرية «البولتكنيك»، وحصل فيها على شهادته النهائية، في المقابل كان عليه بعدها العودة إلى الأستانة كضابط أركان حرب برتبة يوزباشي، من هنا استغلت «فيزنسكي» عمل زوجها في الملحق العسكري بالسفارة الفرنسية هناك، لتستطع من خلاله إرسال خطاب يفيد بإبقاء الشاب عاما آخر في باريس يكمل فيها تدريباته ضمن القوات الفرنسية. ثمّن «حافظ» جهود «فيزنسكي»، لكن تلك الصورة انهارت بمرور الوقت: «كنت أحترم تلك المحسنة الكريمة إلى حد الإجلال، لأن لها كل الفضل في تكويني على صورة جديدة بعيدة كل البُعد عن وصف الذين نشأت معهم أو بينهم، وبدأ ذلك الظن يتحول منذ أن قبلتني الأميرة على مائدتها وفي سهراتها»، مردفًا: «كنا في حفلة ساهرة في قصر أرملة من الطبقة الراقية، وكنت في ثوبي العسكري واضح الشباب والقوة، ولست أدري كيف انصرفت بعد انتهاء السهرة من تلك الدار، لأنني استيقظت في الصباح فوجدت نفسي في غرفة نوم البرنسيس». فور انضمام «حافظ» للقوات الفرنسية كضابط أركان حرب، انتقل لأداء خدمته في الجزائر، بالتحديد في وهران ثم في الصحراء بالقرب من عين صالح، قبل أن ينتقل إلى الحدود الجزائرية التونسية. قضى «حافظ» عامًا كاملاً في الجزائر ضمن صفوف الاحتلال الفرنسي، بعدها صدر قرار بنقله إلى المكتب الثاني بوزارة الحرب بباريس، وهو ما أبلغه به الجنرال «جورو»، قائلاً له: «حدث اعتراض على اختيارك لهذا المكتب لأنك أجنبي لا فرنسي، وكانت إجابتي هي إن الدولة تختار الجواسيس الصالحين للعمل في شتى الأجناس إذا وجدت الأسباب التي تحمل على الثقة بهم، والذي يزكي هذا الضابط لقبوله بذلك هو ثقتي به بعد الاختيار». أمره الجنرال بالاستعداد للسفر على أول باخرة تقله إلى مارسيليا، محملاً إياه رسالة طلب منه أن يخرجها فور وصوله: «عند وصولك إلى وزارة الحرب تقدم نفسك لمدير المكتب وتسلمه هذا الخطاب». علم «حافظ» بأن السبب وراء نقله إلى وزارة الحرب هي البرنسيس «فزنسكي»، والتي أخبرته بأن المكتب الثاني تابع لإدارة التجسس الفرنسي، وهو يتبع مباشرة وزارتي الحرب والبحرية، وهو ما توجه إليه في اليوم التالي وتم تفتيشه بدقة قبل دخوله، حتى قابل الكولونيل «سيكست» مسلِّمًا إياه الخطاب المرسل، قبل أن يقع تحت إشراف الكولونيل «ليفلو» الذي دربه على أساسيات العمل. قضى «حافظ» عامًا كاملاً تحت تدريب الكولونيل «ليفلو»، واصفًا المكتب الثاني بـ«مدرسة الشيطان»، ويقول: «تحولت إلى آدمي جديد له صفات تخالف جميع صفات البشر وطبائعهم، إنما له ميزة واحدة تدل على أنه جُرِّد من الإنسانية، فصرت صالحًا للعمل محصنًا من مؤثرات العاطفة والشفقة والجاذبية والمال». بهذا الشكل أصبح «حافظ» مؤهلاً لخدمة في إدارة التجسس الفرنسية، ليستغلوه في عدة عمليات أكمل سردها بنفسه في الصفحات التالية من مذكراته.

مشاركة :