أندونيسيا.. لن تشبع منها أبداً

  • 12/14/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

جاكرتا- أحمد ناصر| أروع لحظة عندما تتلقى دعوة لزيارة بلد ما، وتجمل أكثر حين يكون متميزا ويحمل بين طياته أشياء كثيرة وأماكن متنوعة لكي نتعرف عليه.. مثل أندونيسيا، حين تلقيت الدعوة من سفارة أندونيسيا في الكويت، بدأت القراءة والبحث عن هذا البلد الذي نعرفه ونجهله في الوقت نفسه، ولكن عندما جلست مع سفير الجمهورية الأندونيسية في الكويت تاتان بودي وجدت أن أندونيسيا بلد لن تشبع منه أبدا، فكل عاشق للسياحة والسفر والترحال والمغامرات والبحر والجو وتسلق الجبال والغوص والطيران والتسوق والرومانسية والصحة وغيرها من البرامج سيجد بغيته في هذا البلد الجميل. مدة الرحلة من الكويت إلى أندونيسيا تتجاوز عشر ساعات.. من الكويت إلى قطر ثم جاكرتا، المسافة كافية لأخذ قسط من النوم خاصة لمن لم ينم قبلها، تمتلك أندونيسيا 22 مطارًا دوليًا موزعة على مدن عدة فيها، نزلنا في مطار سوكارنو في العاصمة جاكرتا.. جميل وكبير وليس مزدحمًا، درجة الحرارة في المدينة متوسطة لا برد ولا حر ولا رطوبة، لن يزعجنا البرد بقسوته ولن يلسعنا الحر بلهيبه، الأجواء مناسبة لقضاء إجازة جميلة، ثلاثة أشياء فاجأتني عندما خرجت من المطار.. الأندونيسيون يعاملون الزوار باحترام بالغ، وعدد الدراجات النارية في الطريق، ولا تسمع أبواق السيارات بالرغم من ازدحام الشارع.. الكل يسير في حارته.ضغط دم نزلنا في فندق بولمان جاكرتا في ميدان محمد حسني ثارمين أهم الميادين التجارية في العاصمة، الجلوس في هذا الفندق سياحة في حد ذاتها.. فهو كبير ويقع على طريق يغلق في السادسة مساءً ليصبح طريق مشاة وقلب المدينة السياحي النابض بالحركة والحركات وباعة العصائر البشوشين، بداية زيارة جاكرتا من هذا الشارع متعة كبيرة، لأنها عرفتنا على الشعب الأندونيسي الطيب وحسه الجميل في الفكاهة واستقبال السياح وصنع عصير جوز الهند المشهور بأنه يخفض ضغط الدم. اليوم الأول في المدينة لا يُحسب من زيارتها، فهو راحة من عناء وتعب السفر لذلك فضلنا التعرف على السوق والتسوق في المدينة لنتفرغ له في نهاية الرحلة كالعادة، ونتناول وجبة العشاء فيه.. يتكون فريق الصحافة من اربعة أشخاص وهذا العدد البسيط يسهل حركتنا، اخترنا مجمع سرينا التجاري وهو أكبر مجمع mall في جاكرتا ولا يبعد كثيرًا عن ساحة ثارمين حيث يقع فندقنا، المجمعات التجارية لا تختلف بعضها عن بعض في كل أنحاء العالم، ففضلنا التفرغ لوجبة عشاء لذيذة والعودة إلى الفندق استعدادًا لليوم التالي الذي سيكون حافلاً بالجولات السياحية.. من فوائد السفر الطويل أنك تخلد إلى النوم مبكرًا في اليوم نفسه.تامان الصباح الباكر في جاكرتا جميل وحيوي، الفندق يتحرك برواده كالباخرة حين تبحر في عباب المحيط، بعد الافطار الاندونيسي التقليدي (رز وموز ساخن ومرق ولحم) خرجنا إلى حديقة تامان وهي مدينة مصغرة لكل أندونيسيا بمحافظاتها، لم تكن هذه المدينة المصغرة بعيدة لكن الشوارع في جاكرتا مزدحمة، والجميل في الأمر ان هذه الزحمة لا تعيق السير لأن الجميع ملتزم بقوانين المرور، الدراجات النارية تملأ الشوارع.. مشهد جميل يوحي بالحركة والنشاط، تسمى تامان «أندونيسيا الصغيرة» وتقع جنوب جاكرتا وتحتوي على تراث هذا البلد الجميل منذ القدم، عندما وصلنا كان يبدو على أعضاء الوفد الانبهار بما شاهدناه هناك، كتاب تاريخ اندونيسيا وتراثها وثقافتها بين أيدينا، حتى سوقها القديمة كانت نموذجاً منه، حتى بداياتها القديمة حين كان الانسان يعيش في الاكواخ ويصطاد بيده شاهدنا نموذجا منه. دقت ساعة الغداء بعد جولة كبيرة في تامان، فالمدينة كبيرة وتحتاج وقتا طويلا، وهي تستحق الوقت الكافي لأنها جميلة وشاملة، في جاكرتا تنتشر المطاعم في كل مكان، فمع أنها العاصمة وتقع فيها كل الشركات والمؤسسات وغيرها من مكونات الحياة الحديثة، إلا أنها لا تزال تحتفظ بجزء من ثيابها القديمة، المطاعم التراثية لها نكهة خاصة، فهي مطابخ تجمع بين ثقافات عدة كونت المجتمع الاندونيسي، ولا أجمل من أن تختار مطعما من تراثيات البلد لتتغدى فيه.. بعض المطاعم في جاكرتا يتجاوز عمرها ١٠٠عام مثل مطعم «هيما» الذي يجمع بين التراث الاندونيسي والهولندي.سفاري في الصباح التالي استيقظنا مبكرين، فهناك رحلة طويلة تنتظرنا إلى منطقة السفاري.. وهذه المنطقة تقع في قلب مدينة اسمها سيزاروا Cisarua ويزورها السياح طوال العام من كل مكان، تبعد عن جاكرتا 80 كيلومترًا (ساعة كاملة بالسيارة) الطريق جميل يمر بين المدن والقرى وفيه كل الخدمات، وصلنا إلى فندق في المدينة أولاً، كان جميلا يقع وسط غابة غنّاء شعاره الأسد والزرافة، بني على نمط أكواخ الغابات، وذهبنا فورًا إلى منطقة رويال سفاري جاردن Royal safari garden Resort & Covention زرت عددًا من حدائق السفاري.. لكن هذه الحديقة كانت مختلفة، لأنها تقع وسط غابة حقيقية وليست كما شاهدتها من قبل.. غابات صناعية، تحتوي هذه السفاري على غالبية الحيوانات المشهورة في العالم، وأندونيسيا عبارة عن كنز كبير من المحميات الطبيعية التي تضم عددًا كبيرًا من الحيوانات في أماكنها الطبيعية.. أول ما لفت نظري في المكان هو عدد السياح من كل أنحاء العالم، والخليج العربي كان له حظ كبير منهم، أما الملاحظة الثانية فكانت براءة الحيوانات التي كانت تتعامل مع الجمهور والزوار بكل أريحية، لأول مرة أشاهد الأسد والنمر يخرج كل منهما من عرينه لكي نطعمه.. حالة لم أشاهدها من قبل.طيران شراعي وجبة العشاء من أهم برامج السفر والرحلات، وفي كل مكان يعكس العشاء ثقافة البلد الذي نزوره.. بعد التجول في السفاري، كانت وجبة عشاء جميلة بانتظارنا على غير ما نتوقع، إنه عشاء حضرمي من قلب اليمن الجميل، في سيزاروا تعيش وكأنك في اليمن، كل ما حولك يعطيك هذا الإحساس فلا تشعر فيه بالغربة أبدا، الحضارمة جاءوا إلى أندونيسيا منذ 400 عام ولا يزالون إلى اليوم يحتفظون بطريقتهم في الحياة، تناولنا وجبة مندي لذيذة مع السلطة الحضرمية، ثم ملاعق عدة من العسل الدوعني الأصيل، هذه الوجبة العربية الأصيلة كانت من البرامج الجميلة التي يبحث عنها السياح عندما يزورون أندونيسيا، بعض المطاعم الكبيرة في سيزاروا تقدم الغناء الحضرمي مع وجبة العشاء لكي تكون الجلسة وسط أجواء مفعمة بالحيوية. صباح اليوم التالي كان مختلفا.. رحلتنا كانت تحتاج إلى عزم وإصرار وشجاعة.. لأنها طيران شراعي، وهي هواية لم أجربها من قبل، تبعد منطقة بارالايانج Paralayang عن سيزاوا 10 كلم فقط، وتقع على قمة جبل هو الأشهر في المنطقة، كان الزملاء الصحافيون متحمسين جدًا لتجربة هذا النوع من الرياضة الجميلة، لكن المطر لم يترك لهم فرصة التجربة، هطل علينا بقوة جعلنا نستمتع بمنظره وهو يتقاطر على الجبل الأخضر وشجيرات الشاي التي تملأ الساحات الخضراء على مد البصر، وإذا صادفت لحظة مغيب الشمس من على سفح جبل بارالايانج فستحظى بمتعتين.. مشاهدة منظر الغروب الرائع على سفح الجبال وانعكاس أشعتها البرتقالية على شجر الشاي، والثاني سماع صوت الأذان طرياً جميلاً تردده الجبال والسهول والوديان المحيطة بالمنطقة وكأنه يأتي من كل مكان، في هذه القمة سوق قديمة عمرها أكثر من 200 عام يباع فيها العسل والأطياب كالعود والبخور والعنبر.متحف القرآن الكريم الرحلة التالية كانت أبعد.. سافرنا بالطائرة إلى مدينة بالينبانغ عاصمة محافظة سومطرة، تبعد بالطائرة ساعة كاملة تقريبًا.. الطيران الداخلي الاندونيسي أجمل مما توقعت، طائرات جديدة والمطار كامل الخدمات، أحب التنقل بين المدن في البلد الذي أزوره، لأنه يعطيني إحساساً بتنوع ثقافاته وتعدد شعبه، فعندما وصلنا إلى مدينة بالينبانغ بدأت أحسب الاختلاف بين جاكرتا العاصمة وهذه المدينة الجميلة، بصورة عامة الأمور لم تختلف سوى أن عدد الدراجات النارية هنا كان أكثر وراكبوها أكثر مهارة، وصلنا الفندق الجميل وجلسنا في بهوه الواسع – لوب الفندق- واستمتعنا بشرب القهوة الأندونيسية وهي قريبة جداً من القهوة العربية لكنها تختلف عنها بلونها الغريب فهو بين البني والأحمر، ومن تقاليد تقديم القهوة والخدمة في أندونيسيا وضع الفنجان بيدين، وهو أمر يصعب على من لم يعتد عليه.. الجلوس في اللوبي له نكهة خاصة. بعد الراحة توجهنا لزيارة «فندق القرآن الكريم» وهو يحتوي على أكبر مصحف مكتوب على ألواح من الخشب، المكان مزدحم جدًا وزواره من الجنسين يقفون بإجلال واحترام لكتاب الله الكريم، ويقع في منطقة بعيدة عن قلب المدينة.. يقول مرافقنا إنهم اختاروا هذا المكان لكي يتمكنوا من توسيعه في المستقبل وبناء مرافق أخرى حوله، يحتوي المتحف على المصحف الكريم ومعلومات عن جمع القرآن الكريم عبر التاريخ، تجولنا في القرية التي يقع فيها المتحف، كانت بسيطة وصغيرة لكنها جميلة وفيها العبق الأندونيسي الأصيل، توقفنا في سوقها الذي يقطع المدينة في وسطها، فيه منسوجات يدوية ومحال خياطة قديمة ومطاعم تراثية، في الطريق كان طلاب المدارس يملؤون جانبيه ويحيون السياح بابتسامة جميلة تعكس صفاء قلوبهم. غازي الدويلة مرافقنا في الرحلة كان من حضارمة اندونيسيا، يتحدث اللغة العربية بطلاقة بلكنة يمنية أصيلة، يقول إنهم هنا يحرصون على المحافظة على هويتهم العربية القديمة، إلى جانب هويتهم الأندونيسية الحالية، كان من أفضل المرافقين السياحيين الذين شاهدتهم خلال رحلاتي.. متقن للمعلومات التي نحتاجها، وعازف عود من الطراز الأول ويقود فرقة للغناء العدني، جاب بها العالم يقدم الغناء العدني والأندونيسي في وقت واحد. دراجات لفت نظري قدرة ومهارة الأندونيسيين في قيادة الدراجات النارية، ففي الطريق تكثر بطريقة لافتة للنظر وكأنها تأتي من كل مكان، ويقودها الجنسان الشباب والفتيات وغالبها حديثة الصنع وجميلة وملونة، حتى أصبحت من علامات أندونيسيا المميزة لها.

مشاركة :