السعودية تنفذ مخطط ترامب لتمرير صفقة القرن

  • 12/15/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لندن - الخليج أونلاين: ليست الليلة كالبارحة، وليست المملكة العربية السعودية اليوم هي نفسها التي كانت قبل سنوات؛ فبين عامي 1981 و2017، توالت رجال على الحكم وتبدّلت مواقف وطفت على السطح علاقات وهبطت أخرى. كانت المملكة العربية السعودية، خلال عقود خلت، تقدّم نفسها بوصفها منارة الإسلام ومهده وحاضنة حرميه الشريفين، وكان تصدّيها للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي يمثّل درّة تاج سياساتها، وفي سبيل ذلك خاضت المملكة حروباً سياسية كبيرة مع العرب والغرب على حد سواء. لكن يبدو أن الحاكم المنتظر للمملكة رأى فيما رأى أن ثمّة أهدافاً يصعب الوصول لها إلا من دون المرور على «إسرائيل»، فاتخذ من التطبيع معها والانحناء أمام رغباتها الاستعمارية، درباً من دروب الإصلاح الذي لا يفتأ يدعو له ويبشّر به ويعتقل في سبيله حتى ذوي القربى من أبناء عمومته. لا ضير إذن، ومن باب أن جلب المنافع مقدّم على درء المفاسد، أن تقف المملكة «الجديدة»، صامتة، إن لم تكن راضية، عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، وهو قرار لو اتخذ في ظرف وزمان مختلفين، لاختلفت ردّات الفعل من دون شك، ولو ذرّاً للرماد في العيون. ترامب، الذي استقبلته الرياض في مايو الماضي، وكأنها تستقبل المخلّص الذي انتخبه الأمريكيون لإنقاذ العرب من نكباتهم، لم يُلق بالاً لمئات المليارات من الدولارات التي ألقاها حكّام المملكة تحت قدميه، وخرج معلناً انحيازاً لم يسبقه له أي من أسلافه، لإسرائيل، في مشهد، يقول العالم كله، إنه سيكون له ما بعده. مقتضيات الظرف المقارنة بين ما كان وما هو كائن في المملكة، حتمية سياسياً وتاريخياً، ومدخل لا يمكن الولوج إلى حقيقة ما تعيشه الرياض إلا من خلاله، فلولا أن ترامب استشعر خطراً من حليفتهم الكبرى في منطقة الخليج، حيث النفط ونفوذ إيران ومسقط رأس «القاعدة»، لجمّد ملف القدس، تحديداً، في مبرّدات إداراته، كما فعل سابقوه من ساكني البيت الأبيض. لكن، لعلمه أن الضرورات في السياسة العربية تبيح المحظورات، وأن ثمّة تغييرات جذرية يراد لها أن تمر حالياً، وأن هذا المرور لم يكن ليكون من دون مباركته، فقد كان طبيعياً أن يمضي قدماً في تنفيذ ما تعهّد به حين كان مرشحاً لرئاسة بلاده. وكان طبيعياً أيضاً أن يخرج الرجل مغرّداً: «أوفيت بوعدي ولم يفوا»، في إشارة لرؤساء أمريكا السابقين. وفي غمرة التحليلات التي تجتاح العالم جرّاء القرار الأمريكي الذي يصفه الغرب قبل الشرق بـ»الخطير»، فإن هناك من يقول إن ترامب حصل على موافقة سعودية بتمرير وعده لليهود والاعتراف بالمدينة المقدّسة عاصمة لدولتهم المزعومة. وفي حين اشتعل العالم غضباً من قرار ترامب ورفضاً له، عبّرت المملكة، عن «استنكارها» للقرار الأمريكي، معتبرة أنه «خطوة غير مبرّرة وغير مسؤولة». موقف المملكة لم يقف عند حد الاستنكار، كما أنه لم يقف عند عدم مشاركة ملكها سلمان بن عبد العزيز، ولا ولي عهده محمد بن سلمان، في القمة الإسلامية الطارئة التي دعا لها الرئيس التركي واستضافتها إسطنبول، وحسب، ولكنه امتد لتجاهل الصحافة السعودية القرار وعدم الاهتمام بالحديث عن مخاطر قرار ترامب. ورغم الاستنكار الرسمي، فقد مضت صحافة المملكة ومثقفوها قدماً في تمهيد طريق التطبيع العلني مع الكيان المحتل، وهو نهج تكلل بدعوة وزير النقل والاستخبارات في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، العاهل السعودي وولي عهده، إلى زيارة إسرائيل. وفي مقابلة مع موقع «إيلاف» السعودي، أشاد كاتس، بالملك سلمان ونجله، وطالب السلطات السعودية باستقبال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في الرياض، بهدف «دفع عملية السلام في المنطقة». التصدي لقرار مماثل في العام 1981، أعلنت واشنطن نيتها نقل سفارتها من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة، وقالت: إن دولاً غربية أخرى ستحذو حذوها، فجاء الرد من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والعاهل السعودي وقتها، الملك خالد بن العزيز، سريعاً وحاسماً وواضعاً الأمور في نصابها. في ذلك الحين، كان العراق منغرساً حتى أنفه في حربه مع إيران، ومع ذلك فقد طار الرئيس العراقي الراحل إلى الرياض، وعقد اجتماعاً عاجلاً مع الملك خالد، في مطار الرياض، وأخرجا معاً بياناً مشتركاً كتبه صدّام حسين بخط يده. ونص البيان الذي بثّه التليفزيون الرسمي السعودي وقتها، على أن الرياض وبغداد ستقطعان العلاقات الدبلوماسية فوراً مع أي دولة تنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، وستوقفان إمدادات النفط فوراً لتلك الدول، وستلغيان كل العقود المُبرمة معها، وستطردان كل رعاياها العاملين في المجال النفطي بكلا البلدين. ونص البيان أيضاً على تجميد كل العقود الاقتصادية مع تلك الدول، وسحب كل الأموال السعودية والعراقية المودعة في بنوكها. وفور إذاعة البيان، حجزت الرياض وبغداد بواخر كانت محمّلة بالنفط في الموانئ وفي عرض البحار كانت متوجهة إلى دول أوروبية. وهو ما أجبر هذه الدول على إرجاء قرارها حتى اليوم. هذا الموقف السعودي العراقي، يؤكد أن لدى العرب خيارات كثيرة لمواجهة قرار ترامب، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، غير أن هذه الخيارات بحاجة لإرادة سياسية تبدو غير متوفرة في الوقت الراهن، لاسيما في أرض الحرمين الشريفين المنشغلة بحصار جيرانها. جهل بالموقف في الثامن من الشهر الجاري، نشرت صحيفة «إندبندنت» مقالاً للصحفي دونالد ماكنتاير، قال فيه: إن حلم ترامب بإيجاد «أم الصفقات»، في فلسطين من جهة، وتنفيذ وعده الانتخابي من جهة أخرى، يبدو مسيطراً على محادثات «واتس آب»، الدائرة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وجاريد كوشنر، مستشار وصهر ترامب. وكانت صحف غربية وعبرية أشارت قبل قرار ترامب إلى أن «بن سلمان» عرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس عاصمة جديدة لفلسطين وتتمثل بقرية أبو ديس القريبة من القدس، وهي فكرة قديمة طرحت في تسعينيات القرن الماضي. وذهب محللون للقول إن خطوة ترامب بشأن القدس إنما جاءت رداً على فشل مساعيه لتمرير «صفقة القرن»، التي قالت مصادر أمريكية إن وزير الخارجية يعتقد أن كوشنر وبن سلمان يخفيان الكثير من تفاصيلها «الكارثية». ويضيف الكاتب البريطاني: «إن كان بن سلمان قد ظنّ أن بإمكانه إهمال الحد الأخير للفلسطينيين، فهذا قد يعني أنه لم يقدّر حجم المكانة التي تحتلها القدس في قلوب الفلسطينيين، بل المسلمين في كل مكان، بمن فيهم من هم في بلده». وتابع: «وليس سراً أن السعودية وإسرائيل تحاولان إنشاء تحالف يقف في وجه عدوهما المشترك، إيران، وربما كان البعض في المملكة مستعد للتضحية بالفلسطينيين لتحقيق هذا الهدف، لكن القدس هي لبّ السبب الذي يمنعهم من فعل ذلك».

مشاركة :