واشنطن - يستعيد سوق العمل الأميركي عافيته مسجّلا أدنى نسبة بطالة منذ العام 2000، لكن النساء الأمهات غير قادرات على الاستفادة من هذا الوضع وخصوصا بسبب غياب حضانات الأطفال دون سن الخامسة. ففي جلسة استماع في آخر تشرين الثاني/نوفمبر للرئيس الجديد للمصرف المركزي أثارت إليزابيث وارن وهي عضو في مجلس الشيوخ من الحزب الديموقراطي مسألة تدني نسبة عمالة النساء علما أنهن يشكّلن مصدرا يمكن التعويل عليه لنمو الاقتصاد الأميركي. وتساءلت "كيف يمكن للمصرف المركزي أن يعيد إلى سوق العمل النساء اللواتي لا يمكنهن أن يعملن بسبب حضانة أطفالهن". وصارت الحدائق العامة في واشنطن وضواحيها تكتظ بالنساء باللواتي تركن أعمالهن للاهتمام بأطفالهن، إذ إن عمل الأم في الولايات المتحدة معركة شاقة. وتقول عالمة الاجتماع كيتلين كولينز إن "سياسات العائلة في الولايات المتحدة هي من الأقل ملائمة (للنساء) بين كل الدول المتقدّمة". وقد أجرت هذه الباحثة مقارنات بين السياسات العائلية في الولايات المتحدة وتلك في ألمانيا والسويد وإيطاليا. ففي أوربا تحصل الامهات على إجازات مدفوعة، وهذه الإجازات أطول في دول شمال أوروبا. لكن الإجازات المدفوعة غير موجودة أصلا في الولايات المتحدة. فبحسب القوانين الأميركية، تحصل النساء على إجازة أمومة لمدة 12 اسبوعا، لكنها غير مدفوعة، كما أن هذا الإجراء لا يُلزم الشركات الصغيرة التي يقلّ عدد موظّفيها عن 50. "ظروف عمل صعبة" وبمعزل عن مبادرات نادرة في نيويورك لدور حضانة تعتني بالأطفال دون السنتين، لا تستقبل المدارس الرسمية الأميركية سوى الأطفال فوق سن الخامسة. ولذا فإن الحلول المطروحة أمام الأمهات الراغبات في العمل هي حلول مكلفة. فالمدارس الخاصة التي تعتني بالأطفال في السنوات الأولى من العمر تكلف سنويا ما بين 25 إلى 35 الف دولار، وهو ما يجعلها تقتصر على أصحاب الدخل المرتفع. وتُحجم نساء كثيرات عن هذا الحل، حتى وإن كنّ قادرت على تحمّل نفقاته. وتقول باميلا ستون "الأشخاص الذين يوظّفون حاضني أطفال متطلّبون جدا، إنهم ينتظرون منهم أن يعملوا ستين ساعة وأن يكونوا على أهبة الاستعداد على مدار الساعة". وترى عالمة الاجتماع أن ظروف العمل هذه لا تناسب الحياة العائلية، وهي وضعت كتابا عن النساء اللواتي يقررن إنهاء مسيرتهن المهنية اللامعة بداعي الاهتمام بأطفالهن. وتقول "هؤلاء النساء يتركن العمل لا لأنهن يقدّسن الأمومة، ولكن لأن التوفيق بين العمل وتربية الأطفال مهمة شاقة ومنهكة". ومن الأمثلة على ذلك تيس فينغمنان البالغة من العمر 44 عاما، وهي أم لثلاثة أطفال، في السادسة والتاسعة والحادية عشرة، وهي اضطرت لترك عملها كمحققة بعد أشهر على ولادة طفلها الأول. وتقول "لقد عملت في أجهزة الدولة سبع سنين، كنت أعمل خمسين ساعة إلى ستين في الأسبوع أسافر فيها من مكان إلى آخر في البلاد". وحين وضعت حملها الأول، أخذت إجازة أمومة ثم استأنفت عملها بدوام جزئي. لكن سرعان ما طُلب منها أن تعمل بدوام كامل، فاضطرت حينها لترك عملها الذي تحب. وتقول "كان ذلك قرارا صعبا"، وقد تحولت منذ ذلك الحين من محققة مرهوبة الجانب إلى منسّقة زهور. وبحسب خبراء الاقتصاد، يحرم خروج هؤلاء النساء من سوق العمل الاقتصاد من أحد عناصر النمو، وهي فكرة تناصرها إيفانكا ترامب ابنة الرئيس الأميركي. وبحسب جاكوب كيركغارد الباحث في معهد "بترسون"، فإن خروج جزء من النساء من سوق العمل يمكن ملاحظته في الشريحة العمرية بين 25 و54 عاما، بعدما كانت نسبة حضورهن في القوى العاملة واحدة من الأعلى في العالم في التسعينات. وفي العام 2016 صارت الولايات المتحدة تحتل المركز العشرين من أصل 22 في ترتيب منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي حول مشاركة النساء في سوق العمل.
مشاركة :