عبدالمحسن الشمري | ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي 18، قدمت فرقة مسرح الشباب، يوم أمس الاول على مسرح الدسمة، عرضا لمسرحيتها «صالحة» من تأليف وإخراج أحمد العوضي، بطولة سماح، علي الحسيني، عبدالعزيز بهبهاني، لولوة الملا، بدر الشعيبي، عبدالمحسن الحداد. للوهلة الأولى، يبدو للمتابع أنه أمام مسرحية تتناول حكاية مكررة سبق أن قدمتها عشرات الأعمال المسرحية والتلفزيونية محليا وعربيا، لكن المؤلف والمخرج أحمد العوضي كان مدركا جدا لما يفعل، ولم يخذل الجمهور العريض الذي تابع العرض، وشده من المشهد الأول، الذي أتى من الفلكلور المحلي، وكان الجمهور يتوقع أنه أمام حكاية شعبية بسيطة، لكن الأحداث المتتالية كشفت عن قراءة واعية للعوضي مؤلفا ومخرجا، ولا أبالغ إن قلت إنني اليوم يرتدي رداء مختلفا عن أعماله السابقة، فهو هنا أكثر نضوجا وأكثر قدرة على تقديم أفكاره برؤية فلسفية ممتعة.قضية اجتماعية الزواج السري هو العنوان الرئيسي للأحداث التي تتحرك على خشبة المسرح، شاب يتزوج فتاة سرا، يرفض حملها ويطالبها بإسقاطه لكنها ترفض ذلك بقوة، وعندما تضع مولودها تلقيه امام أحد الأماكن الذي بدا كأنه مزار من دون تحديد المكان والزمان، ويهرب عن ناظرها وتضطر إلى الزواج وعندما يكتشف زوجها الجديد أن لديها مولودا، يثور في وجهها ويتهمها بالزنا ولا تنفع توسلاتها إطلاقا، وتتواصل الحكاية مع العديد من المفاجآت، فيقوم الزوج الجديد بدفن الزوجة، غير آبه لتوسلاتها، ويلتقي المولود بعد أن يشب ويكبر مع سيدة تبدو مجهولة، ويقوم بمساعدتها في تنظيف المكان (المزار). الحكاية تبدأ بالإثارة بعد أن يكبر المولود ويصبح رجلا يبحث عن أصوله، ويتساءل إن كان ابن حرام أم لا، وتحاول السيدة المجهولة التي ربته مساعدته لكنه يرفض ذلك، وتتحول الحكاية إلى قراءة فلسفية عن القدر وهل نحن مخيرون أم مسيرون؟لعبة الثنائيات لعب المؤلف والمخرج العوضي على لغة الثنائيات في أكثر من موقع، فنحن أمام لغة ثنائية على خشبة المسرح بين الفصحى والمحلية في العديد من المشاهد، ليؤكد أن وسيلته في اللغة تنبع من مخزون واضح، مؤكدا أن التحول من اللغة الفصحى إلى المحلية وبالعكس من المحلية إلى الفصحى جاءت مبررة. الأمر الآخر الذي يؤكد وعي المؤلف العوضي وقدرته على التفسير استخدامه لمستويين في الحوار والأحداث، جزء علوي وآخر على الخشبة، وإن كان الامر ليس غريبا على العوضي استخدام الموقعين إلا أن التوظيف كان هنا موفقا الى درجة كبيرة. ويشار إلى ان العوضي سبق له استخدام الموقعين العلوي والخشبة في أكثر من عمل مسرحي. وتتواصل لعبة الثنائيات والتناقضات في العديد من الأحداث بين الرجل والمرأة، الخير والشر، المسير والمخير، الخوف والامان، القبر والمزار، والعديد من الاحداث التي صاغها المؤلف برؤية تدل على وعيه ونضوجه وقدرته على استلهام الأحداث والافكار، وان كان هناك بعض التطويل في النهايات.قراءة مخرج لايمكن فصل التأليف عن الرؤية الإخراجية، وهو ما يسير عليه العوضي في معظم أعماله، فهو المؤلف والمخرج في الوقت نفسه، لا تنفصل رؤيته في الحالتين، لكن في مسرحية «صالحة» هناك أكثر من موقع يؤكد نضوجه الفني على صعيد الإخراج بعيدا عن التكرار، ولعل لعبة ما قبل النهاية بين الزوج والابن، والزوج والزوجة، والزوج والشخصية النسائية المجهولة تؤكد أننا أمام لعبة مسرحية غاية في المتعة والجمال. اننا أمام عرض مسرحي يكشف عن الوعي التام الذي يمتلكه المؤلف، ويؤكد أننا أمام فنان موهوب لا يرضى بتقديم أعمال بسيطة.
مشاركة :