الأغنية التراثية بصمة خالدة على وقع «النوستالجيا» الفنية

  • 12/16/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يسعى عدد من المطربين الكويتيين إلى «عصرنة التراث» الغنائي من خلال تعريف الجيل الجديد على تراثه وتقديمه بأسلوب حديث. بصمات واضحة تركتها الأغنية التراثية الكويتية على مدى عقود على الساحة الفنية، واتسعت شهرتها على المستويين الخليجي والعربي، رغم بساطة الإمكانات المادية والتقنية، وضعف وسائل الاتصال قديماً. وأكثر ما يميز الأغنية التراثية الكويتية أثرها ووقعها الكبيرين على مشاعر الكويتيين عند سماعهم لها إذ تعود بذاكرتهم إلى جمالية الزمن القديم، فالحنين إلى الماضي لايزال حياً في وجدانهم ولا تكتمل فرحتهم بالعيد على سبيل المثال دون سماع أغنية المطرب الراحل محمود الكويتي "العيد هل هلاله". وهذا الحنين رفع، بلا شك، وتيرة الاستعانة بشكل عام بأصحاب الاختصاص والمهتمين بالأغاني التراثية والموسيقى القديمة، التي تتميز بمقاماتها الموسيقية الأصيلة والطرب الحقيقي والقيمة الفنية العالية التي قد تفتقد إليها الأغاني الحديثة. كما دفع ذلك عدداً من شركات التسويق والإعلان في السنوات الماضية إلى استغلال حالة الحنين إلى الماضي وتوظيف ما يسمى بـ"النوستالجيا الفنية" عبر إعادة إحياء صور الماضي الجميل والإنتاج الفني للأجيال السابقة لتقديمها بلمسة عصرية تتناسب والحياة التي نعيشها اليوم، فانتشرت مجموعة من الإعلانات، التي تدور حول ذلك، وحاز الكثير منها صدى جيداً وسريعاً بين شرائح الشباب والكبار على حد سواء. وأيضاً انطلق بعض الموسيقيين الشبان نحو "عصرنة التراث" وهو مصطلح يطلق على كل معالجة لنص من التراث يكون هدفها تعريف الجيل الجديد على تراثه وتقديمه بأسلوب معاصر. في السياق، قال أستاذ آلة "الكلارنيت" في المعهد العالي للفنون الموسيقية مشعل جمعة، إن "تحديث التراث وعصرنته وإعادة صياغته هو محاولة للتقريب بين الأجيال ومد الجسور بين الماضي والحاضر بأسلوب يتناغم مع متطلبات الجيل الحالي ما سيساهم في تعريف الشباب بهذا التراث الذي يجهلونه". وأضاف أن "الفنان سعود الراشد كان صاحب قصب السبق في ذلك حين قام في خمسينيات القرن الماضي بوضع الألحان الكويتية سواء التراثية منها أو الحديثة في قالب يحاكي ويماثل الأغنية العربية". وتناول جمعة، الذي قدم رسالته للماجستير حول "الأغنية الكويتية عند سعود الراشد" موضوع "النوستالجيا الفنية" وإعادة الأعمال الفنية القديمة مرة أخرى معتبراً أنها "باتت ضرورة في عالمنا الحاضر بسبب التأثيرات السلبية لانتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت والانفتاح والعولمة مما قد يهدد بفقدان الهوية". وأضاف "أصبح لزاماً علينا المحافظة على التراث للحيلولة دون اندثاره وسط التقدم التكنولوجي الحاصل مع ضرورة مراعاة الانتباه إلى عدم الانغلاق على العمل الأصلي وأن يكون أسيراً له بل لابد من القدرة على تناول العمل من زوايا جديدة وتطوير الأفكار ليصبح للعمل قيمة مختلفة عن العمل الأساسي". وبالفعل أعاد جمعة صياغة العديد من الأعمال التراثية القديمة مثل "البوشية" و"فدوة لج" و "الا يا أهل الهوى" و"مفتون قلبي" و"على خدي" كما أنشأ فرقة موسيقية أطلق عليها اسم "كويتي تون" مساهمة منه في إثراء الموسيقى الكويتية وتعويد المستمع على سماع الموسيقى دون أن تكون مصاحبة لغناء. وبذلك حذا جمعة حذو العديد من الفنانين ممن أخذوا على عاتقهم إحياء هذا التراث، كالفنان محمد المسباح، الذي تعززت شهرته من خلال إعادته للأغاني القديمة مثل "على خدي احط ايدي". وكان المسباح يرى أن تلك الإعادات لم تكن عابرة بل هي محاولات مستمرة لقراءة هذه الفنون مجدداً، إذ دأب على اختيار الأغاني شبه المنسية أو المهملة مثل "شفنا المنازل" والتي كانت مرتبطة بسنة الطاعون في الكويت معتبراً اكتشافها مجدداً إنجازاً بحد ذاته. ورغم اعتراض البعض على فكرة الرجوع للماضي وإعادة الأعمال المكررة معللين الأمر بأنه" إفلاس فني وانسحاب إلى الماضي" ومطالبين عوضاً عن ذلك بالتجديد وابتكار أعمال جديدة بعيداً عن الـ"نوستالجيا". لكن من جانب آخر يعتبر الرجوع إلى الأغاني والموسيقى القديمة ومحاولة إعادة أفضلها اعترافاً بقيمة تلك الأعمال وأهميتها وقدرتها على محاكاة الحاضر والواقع والأمثلة عالمياً كثيرة للعديد من الموسيقى والسيمفونيات التي رغم مضي قرون على تأليفها، فإنها ما زالت تعرض وتقدم على المسارح بأسلوب يتناسب والحاضر. وفي هذا الإطار، شدد مدير فرقة مركز جابر الثقافي أحمد الصالحي على "أهمية تحديد وتعظيم ملامح الثقافة في الدولة، فالشعوب تعرف بمثقفيها وشعرائها السابقين والمعاصرين". وقال الصالحي، إن إعادة أعمال لها قيمة فنية "لا يعد إفلاساً وإنما يساهم في توضيح أهمية ومكانة الفن والفنانين في تاريخ الكويت". وأضاف أن "أساس الاستمرارية لأي فنان يكون عبر فهم القديم حتى يصبح باستطاعته تقديم الجديد" معترضاً بذلك على المفهوم السائد والذي يرى أن الجديد لابد أن يكون من الصفر من دون أن تكون له جذور أو ثقافة متوارثة. وعن تقديم أعمال وإبداعات جديدة، أكد أن مركز جابر الثقافي - كجهة منفذة لا منتجة - لم يجد من يقدم له عملاً متكاملاً وبمستوى عال من الإنتاج ليقوم المركز بتنفيذه لذا اتجه المركز في موسمه الثقافي الأول الى تقديم شيء من الموروث في عرض حي ومباشر هو الأول منذ فترة ما قبل الغزو مع إضافات في المضمون والتنفيذ لم تكن موجودة في العمل الأصلي. دور مؤسسات الدولة في توثيق التراث المحلي ساهم مركز جابر الأحمد الثقافي في إحياء التراث من خلال إعادة "مذكرات بحار" عند افتتاح أول موسم ثقافي له تحت عنوان "من الكويت نبدأ". ولا تعد تلك المبادرة الأولى رسمياً إذ قامت جهات رسمية أخرى بمبادرات مثل وزارة الإعلام، التي أولت أهمية كبيرة للفنون الشعبية والتراث الشعبي الذي يعكس أصالة القيم والعادات والتقاليد فتوجهت إلى توثيق التراث الكويتي وتجميعه. وبادرت وزارة الإعلام أيضاً من خلال أجهزتها الإعلامية المختلفة بالمحافظة على هذا التراث فأقامت حفلات عديدة مع وزارة التربية وغيرها إضافة إلى إطلاقها وإنشائها "فرقة تلفزيون الكويت" للفنون الشعبية عام 1978 التي أعادت تلحين وتطوير العديد من الفنون التراثية كما قدمت الفرقة أعمالاً ولوحات اعتمدت على التراث والفولكلور ومرتبطة بالحاضر. وللمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب دور ومساهمات في المحافظة على التراث، إذ تنص بنود قانون إنشائه على "صيانة التراث الشعبي وحفظه وتوثيقه" وعلى نشر وإحياء الفنون الموسيقية من خلال برامجه ومهرجاناته ومشاركاته الفنية. وبناء عليه ينظم المجلس كل عام موسماً ومهرجاناً ثقافياً يسعى فيه إلى الاهتمام بالتراث الموسيقي والغنائي وتوثيقه والمحافظة عليه.

مشاركة :