عدسة متناهية في الصغر اسمها القصة القصيرة جدا بقلم: محمد الحمامصي

  • 12/16/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

عدسة متناهية في الصغر اسمها القصة القصيرة جداتعد القصة القصيرة جدا ضربا جديدا من القص، يقوم على لغة مكثفة وموحية، يتماس فيها بشكل كبير مع الشعر وخاصة مع قصيدة النثر، لكنه يبقى جنسا أدبيا إشكاليا، مازال يحاول فيه الكثير من الكتاب العرب، ومنهم الكاتب والمترجم المصري عبدالسلام إبراهيم. “العرب” التقت إبراهيم في حوار حول مجموعته القصصية الأخيرة “الملائكة لا تأكل الكنتاكي” وحول القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا وواقع الثقافة اليوم.العرب محمد الحمامصي [نُشر في 2017/12/16، العدد: 10844، ص(14)]الق .ق .ج عوالم مكثفة تناقش معظم قصص مجموعة “الملائكة لا تأكل الكنتاكي” للروائي والمترجم عبدالسلام إبراهيم مسألة الهوية العربية، ومسألة البحث عن الأوطان والتشتت فيها، وتتضمن 78 قصة قصيرة جدا تسعى إلى المغايرة في رؤيتها وتجلياتها الأسلوبية. القصة وتحولاتها حول رؤيته للقصة القصيرة وبداياتها مع كتابتها يقول إبراهيم “حينما بدأت كتابة القصة القصيرة كنت مهموما بقضية الشكل وكيفية صياغة السرد من منطلق التجديد ومحاولة الابتعاد عن التنميط الذي يغرق فيه الكثيرون من كُتَّاب القصة. لذا كانت تستغرق كتابة القصة وقتا أطول حتى تخرج بالشكل الذي أرضاه، بالإضافة إلى ذلك كان علي أن أكتبها بلغة تُعبر عن المكان الذي لا أجد صعوبة في اختياره، ليكون مسرحا للأحداث، لأنه ببساطة المكان الذي أعيش فيه، ربما يختار المكان الأسلوب وكيفية صياغته وربما يستخدم الزمن أسلوبا مغايرا، بمعنى أن للمكان سطوة تفرض على الكاتب اللغة المناسبة كما أن للزمن سطوة أخرى لا تقل عن سابقتها أهمية”. ويلفت إبراهيم إلى أن القصة القصيرة ليس لها معيار معين من ناحية الطول أو القصر، فيمكنها أن تمتد من نصف صفحة إلى عشرين صفحة، وجاءت القصة القصيرة جدا لتحسم المسألة في هذا الجانب، واختزلت الزمن والمكان في حيز صغير فجعلت اللغة أكثر تكثيفا وقوة، لغة أكثر رصانة، ولذا نجد أن القصة القصيرة جدا جاءت لتمحو عيوب القصة القصيرة من ناحية الإطالة وكثرة الشخصيات وتمدد الزمن. يتابع الكاتب “كان علي أن أفصل ما بين الشكلين اللذين في رأيي تعرضا للتشويه كثيرا من قبل بعض الكتاب الذين لم يفهموا أيا منهما. فجاءت مجموعة ‘الملائكة لا تأكل الكنتاكي‘ لتكون نموذجا للشكل الذي جاء ليعبر عن مرحلة ما بعد يناير 2011، أي البحث عن الهوية والأوطان والتشتت فيها، واحتوت على مضامين جديدة بلغة أخرى وأسلوب آخر كي تواكب ومضات السوشيال ميديا التي فرضت نفسها على المجتمعات العربية”. ويرى عبدالسلام أن القصة القصيرة جدا بشكل عام لا تزيد عن نصف صفحة لأنها تعبر عن حالة شعورية مكثفة وإن كانت تتضمن زمنا طويلا، لكن اللغة والأسلوب يضعانها في عدسة متناهية الصغر تنظر بعينيك من خلالها لترى المساحة الضيقة أو المنظور الضيق الذي يرسمه لك الكاتب كي ترى من خلاله ما يود أن يقوله. إذن يأخذك الكاتب لترى القصة في نقطة صغيرة وربما تتسع في مخيلتك لتكون كبيرة جدا.اللغة والأسلوب في القصة القصيرة جدا يضعانها في مرتبة مختلفة ويؤكد إبراهيم أن ارتكاز مجموعته على الهوية يشكل نوعا من الشعور بالخطر من فقدان الحرية، ويضيف “جاءت ثورات الربيع العربي كي تتشرذم الهوية العربية وطالما فقد المواطن هويته فقد حريته. وطالما أن هذه الثورات فشلت، فلن يستعيد المواطن العربي هويته المسلوبة في وقت قصير. وأرى أن الضوء الذي لاح بالثورات قد حل محله ظلام أحلك سواد من ظلام المستعمر، فلم تتشكل المجتمعات بالشكل الذي كان المواطنون يحلمون به في السنوات الأخيرة، لذا بدأت تظهر تكتلات وكيانات اجتماعية ليست متكافئة ثقافيا ربما تؤثر بشكل ما في تغيير الهوية التي يحلم بها المثقفون”. الترجمة والكتابة ويلمح عبدالسلام إلى رابط خفي يربط ما بين رواية “عرش الديناري” ومجموعته “الملائكة لا تأكل الكنتاكي” وهو “إعادة تكوين العالم أو إعادة صياغة بعض المفاهيم الإنسانية التي تغيرت كثيرا، ومحاولة العثور عن الإنسان المتشرذم وتفكيك صراع الأديان، والمكان هو البطل في الرواية والمجموعة وإن تشكل بعدة أشكال في المجموعة، لكنه مكان واحد”. ويشير إلى أن هناك تراجعا للقصة القصيرة أمام الرواية، نظرا إلى أن الرواية تحظى باهتمام كبير في الجوائز، التي يسعى إليها الكتاب طمعا في الحصول عليها، كما يرى البعض أن كتابة الرواية نوع من الوجاهة الاجتماعية، لكن القصة القصيرة لها نكهة لا يمكن أن تشمها في الرواية، لذا سيبقى هذا الجنس الأدبي حاضرا حتى وإن غابت عنه الشمس قليلا. ويوضح ضيفنا أن “القصة القصيرة تحظى بشعبية كلاسيكية، بمعنى أن هناك قراء كلاسيكيين يبحثون عنها ويقرؤنها، ورغم انحسار الضوء قليلا عنها، لكنها موجودة وربما كانت القصة القصيرة جدا هي الشكل الجديد لها، وربما حلت محلها ولن تعود القصة القصيرة كسابق عهدها، لا أعرف، وأظن أنها ربما تعود بقوة إذا وضع البعض لها جوائز”.عبدالسلام إبراهيم: للمكان والزمان في القصة سطوة تفرض على الكاتب اللغة المناسبة وحول مشهد الثقافة والإبداع في مصر في الوقت الراهن يشير إبراهيم إلى ارتباط الإبداع المصري ارتبطا وثيقا بالثقافة المصرية ويظن أن الإبداع هو الذراع الطولى للثقافة وإن وجد الإبداع المناخ المناسب فسوف يرتقي بالثقافة ويعلو شأنها، لكنه يشعر بأن هناك قيودا تقيد الثقافة بشكل عام، منها ما هو معلن وما هو مضمر، وأن هناك رجالا يقوضون الدور الثقافي في مصر كما يحدث في هيئة قصور الثقافة وهيئة الكتاب وبعض المراكز الثقافية. أما عن تأثير كونه مترجما على رؤيته الإبداعية فيرى الكاتب أن التأثير المهم الذي انعكس على رؤيته الإبداعية لكونه مترجما هو الالتزام والانضباط في الانتهاء من مشروعات الكتابة، كما أنه يجد في الترجمة الملاذ الآمن حينما يتوقف عن الكتابة. ويشدد إبراهيم على أن الترجمة تمر بظروف صعبة للغاية في مصر، فبعد أن كان هناك مشروع كبير للترجمة في هيئة قصور الثقافة، قد توقف لظروف عديدة، كما أن مشروع سلسلة الجوائز في هيئة الكتاب يمر بظروف غير معلنة، ولم يعد كسابق عهده، إضافة إلى أن المركز القومي للترجمة يلفظ أنفاسه الأخيرة. هناك أيد خفية تعبث في الثقافة وتحاول تقويض كل المحاولات للنهوض بها، والخط البياني الذي كان يعلو مؤشره منذ خمس سنوات وكنا سعداء بسبب ذلك انحنى مؤشره إلى الخلف وربما يعود إلى نقطة البداية. ونذكر أن المجموعة القصصية “الملائكة لا تأكل الكنتاكي” للكاتب عبدالسلام إبراهيم، الصادرة عن دار فضاءات للنشر، هي المجموعة الثالثة للكاتب، حيث سبق له أن أصدر مجموعتين؛ الأولى بعنوان “كوميديا الموتى” والثانية “مسافة قصيرة جدا للغرق”، كما أن له ثلاثة أعمال روائية؛ “قادش الحرب والسلام”، و”الطواب الأكبر” و”عرش الديناري”. كما اشتغل إبراهيم في مجال الترجمة وله عدة ترجمات مثل “اللعب مع النمر.. ومسرحيات أخرى” و”عشر مسرحيات مفقودة”، و”مختارات قصصية لأدباء جائزة نوبل” وغيرها.

مشاركة :