«غفار الزلة».. مسرح قسوة مختلف

  • 12/16/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عبدالمحسن الشمري | الانتقام والثأر هما العنوان الرئيسي لمسرحية «غفار الزلة» التي قدمتها فرقة مسرح الخليج العربي مساء أمس الأول على مسرح الدسمة، ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي 18، من تأليف الفنان العماني محمد المهندس، ومن إخراج عبدالله العابر، وبعيدا عن الخوض في تفاصيل الأحداث، فإننا نشير إلى أن النص جريء جدا وصعب في أفكاره وفي مفرداته لأنه يعتمد على الحوار الذهني. نص عماني النص يدعو إلى التعامل الإنساني ونبذ الأحقاد، فنحن أمام فتاة تعيش من البداية في حالة قلق شديد ورغبة في الانتقام من قاتل والدها، تتذكر اللحظة التي انقض القاتل على والدها، ويكبر الحقد في قلبها، وتغذيه والدتها، وتتواصل الأحداث عبر حوارات غاية في الجمال، وتصل ذروتها عندما تتزوج الفتاة فجأة من قاتل والدها، وتحمل منه، هنا يجن جنون والدتها وتحاول قتل الرجل لكنها تقتل الجنين. وتصدم الفتاة من هول ما حدث، ويتحول النص إلى بكائية طويلة، وتعيش الفتاة ووالدتها لحظات من الألم العنيف وكل منهما تندب حظها، لكن مفاجأة القاتل تخرس الألسن وتصدم الجميع، لأنه انتقم لوالده، ويدعو المؤلف إلى نبذ فكرة الانتقام من خلال شخصية الوليد عيسى الذي يكون ضحية بريئة لثأر قديم جدا، ويظل السؤال قائما من المسؤول عما حدث؟ ولماذا حدث كل ذلك في بيئة واحدة تسكن المكان نفسه من سنين؟ وهل سيسعى الجميع إلى التسامح لأن فيه قوتهم وتماسكهم؟ اسئلة حائرة يطلقها المؤلف العماني محمد المهندس الذي استخدم لغة شاعرية وحوارات ممزوجة بتعابير أدبية قوية. قراءة واعية للوهلة الأولى، شعر الجمهور أنه أمام مسرحية تقترب كثيرا من مسرحية «البوشية» التي قدمها العابر قبل سنوات، وله العذر في ذلك لأن الأجواء متقاربة، لكننا أمام قراءة إخراجية مختلفة إلى حد بعيد، استخدم فيها المخرج عدة محاور للابتعاد عن رؤيته في «البوشية»، أولها الاستخدام المختلف للفولكلور الخليجي من بداية المسرحية، حيث حلقة «الزار» التي قدمتها مجموعة من الممثلات اللاتي ظهرن في شكل مجاميع، وتكثفت هذه الرؤية في المشاهد الأخيرة التي لجأ فيها المخرج إلى العنف الشديد في تعاطيه مع الشكل الفولكلوري، وصل إلى درجة القسوة وتعذيب النفس ربما ليؤكد المخرج رؤية المؤلف في الانتقام أو الخروج من لغة الثأر. والقسوة كانت ماثلة في أداء أبطال العمل الرئيسيين، وقد شعرت شخصيا بالرأفة لأحوال هؤلاء الممثلين، خاصة النجمتين حنان المهدي (الفتاة) وهبة العيدان (الأم). واستفاد المخرج من التقنيات الفنية على خشبة المسرح في شكل رباعي ناجح، أطرافه مصمم الديكور محمد الربيعان، ومصمم الأزياء الدكتور فهد المذن، ومصمم الإضاءة عبدالله النصار ومصمم المؤثرات الصوتية والموسيقى عبدالله البلوشي، الذين قدموا سينوغرافيا متماسكة، كانت جزءا أساسيا من اللعبة الإخراجية، بل كانت جزءا مهما من الفعل الدرامي على خشبة المسرح، ونجح الرباعي في تقديم لوحات جميلة في أكثر من موقع. تميز التمثيل كان هناك تناغم واضح في أداء نجوم العرض قادته الفنانة حنان المهدي في دور الفتاة «شيخة»، فنانة متجددة مدركة لأبعاد الشخصية وتضيف لها من خبرتها الكثير، عاشت تحولات الشخصية بشكل يدعو للإعجاب، وكانت هبة العيدان فرس الرهان الذي قدمه المخرج، وتفوقت في أدائها لدرجة كبيرة وشكلت مع المهدي ثنائيا متماسكا مدركا لأبعاد كلتا الشخصيتين. مفاجأة العرض كانت الممثل محمد ملك الذي أراه للمرة الأولى على خشبة المسرح، يؤكد أنه نجم قادم بقوة إلى الصفوف الأولى، ونجح مشاري المجيبل وعبدالله البدر في حضورهما على خشبة المسرح. يشار إلى أن مجاميع التمثيل ضمت أسماء معروفة مثل منال الجارالله، آلاء الهندي، بدر البناي، سعاد الحسيني، سارة القبندي، محمد القلاف، عبدالله الصيري، علي عبدالرسول، كفاح الرجيب، إلى جانب فهد العامر، فهد الأحمد، محمد القلاف. العابر يدعو إلى التسامح عبر المسرحية د . نوره المليفي | يدعو المخرج الدكتور عبدالله العابر إلى التسامح ونبذ الخلاف والعفو وغفر الزلة عبر مسرحية «غفار الزلة»، فالتسامح سمة أصحاب القلوب البيضاء التي تحب الخير وتنشر السلام، أما الحقد والشر فإنه يحول المجتمع إلى غابة سوداء يقتل فيها القوي الضعيف بالغدر والطعن من الخلف. الأخذ بالثأر عار يهدد المجتمع، وأولى سمات التسامح كما هو مستوحى من شخصيات المسرحية مناداة المخرج العابر التخلي عند مبدأ أو قانون الأخذ بالثأر، لأن هذا المبدأ يهدد المجتمع بالتفكك والانهيار ويورث تصارع الأجيال ومعاقبة أهل الغدر لذنب لم يرتكبوه. فالبطلة «شيخة» التي عشقت «حمود» وتزوجته على سنة الله ورسوله، وهو قاتل والدها، قد حملت في أحشائها جنينه، وهنا طلبت منها والدتها أن تجهضه وتتخلى عنه فما كان من شيخة إلا أن تمسكت بجنينها الذي نما في أحشائها، وفي يوم ولادته تقتله جدته (أم شيخة) لتثأر من حمود قاتل زوجها ووالد ابنتها، وهنا تأتي المفاجأة التي يفجرها حمود، فوالد شيخة هو قاتل لأم حمود، وحمود أخذ ثأر والدته وأم شيخة أخذت ثأر زوجها الغادر والقاتل لأم حمود. هكذا القتل يورث القتل، ولكن لو تسامحت أم شيخة لما ظلمت حمود وقتلت ابنه (حفيدها)، فالحقد يولد حقداً والغدر يولد غدراً والدائرة تدور، ونستطيع أن نوقف هذه الدائرة بالتسامح والصفح والتخلي عن مبدأ الأخذ بالثأر. المسرحية خرجت عن نطاق المألوف وشدت الانتباه، بما تضمنته خشبة المسرح من شخصيات وإضاءة وأداء وأزياء ورقصات تتماشى مع ترتيب الأحداث، وأغان بصوت شجي معبر عن المأساة وعن آلام الفراق بسبب جريمة الأخذ بالثأر.

مشاركة :