روح غريبة تأسر الخطوط والألوان والندوب تنهش جسد اللوحة بقلم: خلود شرف

  • 12/17/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الفنانة التشكيلية آني كوركدجيان ترسم مخلوقات سوريالية أنجبتها الحرب، وتشتغل على مفردة القبح لتعرّيها وتظهرها أمام المجتمع الرافض لها ويمارسها في الخفاء.العرب خلود شرف [نُشر في 2017/12/17، العدد: 10845، ص(14)]مآسي التحولات العنيفة طبعت أعمال الفنانة بالغرابة الكئيبة يقول غراهام كوليير في كتابه “الفن والشعور الإبداعي” إن “الإنسان قد يضع يده على الحقيقة دون أن يعيها”. ومنذ عمر السنتين فتحت التشكيلية اللبنانية الجنسية وسورية الأصل آني كوركدجيان عينيها على مشاهد الحرب في لبنان وعلى الهوس الجنوني المسكون بالحرب وبالدم، ولدت لترى الناس وحوشاً تنهش لحم بعضها البعض، دونما رحمة، وهي من فصيلة واحدة. عندما غادرت لبنان اكتشفت أن الحياة تجد معبراً لوردة دونما هذه القرابين البشرية، وبهذا المرض. عالجت نفسها برسم شخوص سكنت ذاكرتها، أجساد مسكونة بالرهاب والمرض والخوف والفصام، لن تفهم معنى الفصام إلا إذا سكنك هاجس الموت والحياة على شفة لحظة. وعي هذه الطفلة الداخلي تشرّب بأسئلة فرّغتها عندما امتلكت أدوات اللون والخط، فرّغتها على شكل أجساد تطرح سؤالاً مصيرياً، من المسؤول عن كل هذا التشوّه؟ فهي تجرّد كل مكنونات النفس المختبئة وراء الكواليس، وتعرضها بلوحاتها على أنها تشوّه يطال كل البشرية المسؤولة عن هذه الحرب.يبدو واضحاً وجلياً التأثر البليغ ببعض التجارب الغربية في التجسيم لشخوص الفنانة اللبنانية سورية الأصل بتونات لونية ترابية تتجلى في معظم لوحاتها يبدو آني كوركدجيان ترسم متأثرة بروح المدرسة السوريالية، ولوحاتها مزيج يجمع بين عدة مدارس، اندماج بين تكنيكات وتصوّرات المدارس للوصول إلى ما بعد الحداثية، روح واحدة توحد اللوحات، لكن الندوب تنهش جسد كل لوحة على حدة بتفصيل دفين في جحيم الإنسانية، فنجد رغم الطابع الموحد بتضخيم الأجساد التي تبدو وكأنما هي غارقة بانطوائية شديدة، وبخوف، أو تضخيم ملمح واحد تحاول الفنانة التركيز عليه لتشخيص الحالة المرضية التي تقع بها الشخصية، ورغم الألوان البسيطة المستخدمة في إبراز هذه الشخوص، إلّا أن لكل لوحة من لوحات كوركدجيان انطباعا خاصا بطرح جديد لموضوع اللوحة. ترجمة واعية للون والخطوط والأجساد ترافقها ترجمة لا واعية لخيالات غريبة مرعبة تمسّ هذا الجوع البشري للقتل والتدمير، والسيطرة على الآخر حتى درجة الإقصاء. كما توضع حواجز جانبية على عيني الدابة وهي تدور حول مركز دائري كي تظن نفسها تمشي في كل الاتجاهات في دائرة يتيمة، نجد لوحة لكوركدجيان لشخصية قد تعدّدت تسير في دائرة وراء بعضها البعض، حانية رأسها للأسفل في سعي وراء اللاجدوى، شخوص فصامية لكن كل طرقها تدور من حول مركز العدمية على أرض مربعة بلون ترابي من درجة الجسد المتعدد، تسقط معظم أخيلتها على الأرض بينما الأخيلة الباقية تكمل مسيرها في فجوة لا معنى لها وسط هذا الدوران. الثيمة العامة في لوحات آني هي الاشتغال على مفردة القبح كما هو المفهوم السائد بتعبيرية واضحة، كي تعرّيها وتظهرها أمام المجتمع الرافض لها بكل شكل من أشكالها ويمارسها في الخفاء، بروح من خطوط ماتيس تسيطر على معظم لوحاتها نجد لوحة لامرأة تمسك حلماتها وتشدها للأعلى ضمن دلالات وانفعالات شهوانية، كتلة تملأ فراغ اللوحة بألوان من درجة متقاربة. لا حلم لديها أبعد من حالة قضم الوحدة نجدها في لوحة أخرى لشخصية تقضم كتفها بأسنانها، صراع بين حالة الألم وبين الشهوة. يبدو واضحاً وجليّاً التأثر البليغ ببعض التجارب الغربية في التجسيم لشخوص الفنانة اللبنانية سورية الأصل بتونات لونية ترابية تتجلّى في معظم لوحاتها، صانعة نسيجا ترابيا يوضح حقيقة الإنسان “من التراب إلى التراب” حقيقة تتجلى بعري واضح في زمن الالتباس حيث لديها لوحة لشخصية تمسك عضوها الذكري بحالة المعتاد، غارقة في الوحدة، شخوص آني لا تبدو وكأنها تقدم حالة بورنوغرافية، وإنما تقدم حالة إنسانية غارقة في الوحدة والعزلة والخذلان. تتجلى الحالة اللونية بالتونات الترابية بحالة جنائزية بشكل مكثف في لوحة نساء يئدن أجنة ويرمين بها في فجوة كبيرة أمام رجل بيده ما يشبه السلك، حالة من الإجهاض وانعدام الوجود والرغبة لنساء تتوارث الحياة أجسادهن بحماية من الرجل. لوحات آني كوركدجيان حالة إنسانية لا تبدو كأمراض في النهاية بل هي نحن عراة من أقنعتنا التي تواري الورم المتفشي في البشرية. كاتبة من سوريا

مشاركة :