ملامح من حياة المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني

  • 12/17/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تحتفل دولة قطر يوم غد، الإثنين، الموافق للثامن عشر من شهر ديسمبر باليوم الوطني الذي يقام هذا العام تحت شعار "أبشروا بالعز والخير"، حيث يعد الشعار من أقوال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله في خطاب الثبات الذي ألقاه سموه في 21 يوليو الماضي خلال الأزمة الخليجية الراهنة. وإذ تحتفل البلاد بهذه الذكرى المجيدة، فإنما تستذكر فيها إنجازات مؤسسها الأول الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني الذي كرس فكره وجهده ووقته وحنكته لوضع أسس بناء دولة حديثة، في وقت كانت تشهد فيه المنطقة نزاعات واضطرابات وحالة من عدم الاستقرار، بسبب التنافس والبحث عن مواطئ قدم ونفوذ بين القوى الاستعمارية في ذلك الوقت. والمؤسس (طيب الله ثراه) هو الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني من ذرية معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب من الوهبة من بني حنظلة من قبيلة بني تميم المضرية العدنانية. وقد أنجبت قبيلة الوهبة عددا كبيرا من المشاهير في العلم والشجاعة. ولد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني (رحمه الله) عام 1242هـ الموافق 1826م، ونشأ في فويرط بشمال شرق قطر في كنف والده الشيخ محمد بن ثاني الزعيم الأشهر حين ذاك، حيث تلقى تعليمه على أيدي علماء الدين فتعلم القرآن الكريم وعلومه والفقه والشريعة، إلى جانب تعلم الفروسية والقنص والأدب كما شارك والده في إدارة شؤون البلاد كافة.  وفي عام 1264هـ 1847م انتقل مع والده ليقيم في البدع وكان عمره حوالي 21 عاما، فبرز بين أقرانه زعيما شابا متطلعا للقيادة، وهو ما ظهر فيما بعد عندما تعرضت قطر للغزو، فبرز الشيخ جاسم، على رأس القوات القطرية المدافعة عن قطر ليبارز أحد أشجع فرسان الجزيرة حينها، وتمكن من أن يصرعه بعد معركة حبست فيها الأنفاس. فبرز الشيخ جاسم بعد هذه الواقعة كفارس قطر الأول الذي التفت حوله الفرسان بعدما نال الحب والإعجاب والتقدير من كافة أبناء قطر. ويروي الرحالة البريطاني وليم بلجريف الذي زار قطر في عام 1279هـ 1862م، بأنه عندما التقى بالشيخ جاسم في ذلك العام، لاحظ ظاهرة واضحة في الرجال الذين كانوا يلتفون حول الشيخ جاسم ويحيطونه برابط متين من الألفة رغم تنوع قبائلهم.. هذه الشهادة تظهر بجلاء طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين الشيخ جاسم وأبناء قطر، وتؤشر من خلال الوصف قوة تأثير شخصيته في أبناء القبائل القطرية، وهي الدلالة على نضوج وتبلور فكرة التعاضد والوحدة التي كان قد بدأ يحصد ثمارها بفضل فكره وكرم أخلاقه، وتبلور فكرته وفكره السياسي الساعي إلى توحيد القبائل القطرية، وهو في سن الخامسة والثلاثين. وبمرور الأيام والخطوب على قطر وأهلها، لمع نجم الشيخ جاسم وتوسعت شعبيته، بفضل ما آتاه الله من علم وحكمة وحنكة وكرم وحسن سياسة، استطاع أن يوحد القبائل القطرية تحت لوائه ويجمع شتاتها، بعدما ألف بين القلوب، فاجتمعت على محبته. محبة وطاعة وولاء تجلى بشكل واضح في تحديه لمختلف القوى التي أرادت أن تنال من قطر ومن أهلها، الذين التفوا حوله بقبائلهم فتقدمها، وانضوت تحت لوائه، فوحد شتاتها راسما مستقبلها، وبفضل ذلك التوحد استطاع الشيخ جاسم حماية الحدود، وتأمينها، فبرزت قطر في المنطقة ككيان مستقل. فقد قضى حوالي خمسين عاما من عمره في قيادة شعبه، نجح في توجيه الدفة، بسياسة حكيمة متعقلة، كتب لها النجاح في خضم بحر مائج بالأحداث والمتغيرات والضغوطات الدولية والإقليمية، التي كانت تحاول بسط سيطرتها على البلاد، بسلسلة أحداث ستبقى جزءا من تاريخ البلاد، وسيظل يذكرها أبناء قطر كأيام مجيدة من تاريخهم. وعندما نتذكر المؤسس نتذكر شجاعته في مواجهة المعتدي والتصدي له بعنفوان الشباب متسلحاً بإيمان بالله لا يتزعزع، كما نتذكر هبته لنصرة المظلوم ومعه هب أبناء وطنه في مواجهة الظلم، وعندما حيل بينه وبين وطنه، وسار الناس من أجله مضحين بحياتهم فداءً له، وسالت دماؤهم من أجل فك أسره، ولا زلنا نتذكر معاناتهم من أجل الثأر له، لقد نصرهم فنصروه وجاهد من أجلهم فعاضدوه. كما نتذكر قائداً غيوراً على الوطن وحرمته، والذود عن كرامته، ورد كل معتدٍ وطامع فيه، فعلى مر الأحداث والمواقف التي شهدتها مراحل التأسيس، ظل الشيخ جاسم مثالاً للقائد الفارس والمفاوض الحكيم، ولعل فيما جرى بينه وبين العثمانيين خير دليل على الحنكة السياسية والعسكرية التي كان يتمتع بها.. ففي مارس 1893 وبينما كان الشيخ جاسم قد شارف السبعين، رفض وبإصرار، كل محاولات العثمانيين، زيادة نفوذهم في قطر، ورغم الضغوطات ورغم فارق القوة والعدد بين الطرفين، فقد ثبت على الحق، واستعد بإيمانه وولاء شعبه، لخوض معركة الوجبة التي فرضت عليه، فخاضها حتى تحقق للقطريين النصر، وهزم العثمانيون في تلك المعركة التي شكلت بنتائجها نقطة فاصلة في تاريخ قطر الحديث، بما برهنته عن القطريين من صور الثبات، والعزم، ووحدة الصف والكلمة خلف قائدهم الشيخ جاسم، الذي أثبت بقراره وبانتصاره، حنكته في القيادة، وقوة استقلالية القرار القطري.  وباستقرار الأمور وسيادة قطر على أرضها بدأ الشيخ جاسم مشروعه للنهوض بالبلاد، فقام ببناء المساجد والمدارس، واستضافة العلماء، وطبع كتب الفقه على نفقته، وأمر بتوزيعها داخل قطر، وفي البلدان الأخرى، دليلا على حبه للعلم وإيمانه بدوره في نهوض الأمم والشعوب.  تميز عهده رحمه الله بانتشار الأمن والعدل والرخاء.. وشهدت البلاد ازدهارا في أعمال الغوص على اللؤلؤ وتجارته، حتى أصبحت قطر من أكبر مصدريه والمتعاملين به. وتضاعفت أعداد السفن العاملة في ميادين التجارة والغوص والنقل. وتنوعت الأعمال، وراجت الأسواق وازدادت أعداد السكان فتوسع العمران وانتشر.  وكان المؤسس (طيب الله ثراه) ناصراً للمظلوم، وساعياً لفك أسر من يلتجأ إليه، ومفرجاً للكرب، ومعتقاً للعبد، وهو في كل ذلك لا يبتغي غير مرضاة الله، ولم يخضع لغيره، ثائراً من أجل دينه ومدافعاً عن وطنه.. فصدق قول المؤرخ محمود شكري الآلوسي فيه: "كان من خيار العرب الكرام مواظبا على طاعاته، مداوما على عبادته وصلواته، من أهل الفضل والمعرفة بالدين المبين، وله مبرات كثيرة على المسلمين"، فعلت مكانته بين الناس جميعاً، كما كان على حد قول المؤرخ سليمان الدخيل: "مسموع الكلمة عند العرب مهابا عند الرؤساء والأمراء نافذ القول، دأبه الإصلاح ولم يسع في أمر إلا أتمه الله على يديه وأعماله كلها خالصة لوجه الله تعالى". كما كان رحمه الله رجلاً متديناً نقياً، على جانب عظيم من التقوى ومخافة الله، شديد الخشية لله، عادلاً في أحكامه وأقضيته.. وكان صاحب عقيدة، بعيداً عن البدع والمحدثات، عابداً تقياً، محافظاً على الصلاة يتحين أوقاتها.. وكان يؤم الناس في صلواتهم، ويخطب بهم الجمعة، وإذا خطب أذهل السامعين، وجلب قلوبهم إليه، وهو من أركان العربية وأنصارها، ويباشر بنفسه تعليم الناس، كما يباشر بنفسه القضاء والفصل في المنازعات بين مواطنيه. وقد ختم حياته وهو يردد كلمة التوحيد.  أما عن صفاته البدنية وملامح شخصيته رحمه الله، فقد وصفه من رآه بأنه كان رجلاً طويلاً فارع الطول، وكان يؤم جماعته في صلاة الجمعة والجماعات، ويرى من الصفوف الأخيرة في المسجد.. وكان خفيف العارضين متين العظام، حسن الهيئة في بساطة، مهاباً جليلاً. قوي الشكيمة حازما ذا عزم وتصميم، ورجلاً من أفذاذ الرجال الذين قلما يجود التاريخ بأمثالهم. ومما اتصف به هذا الشيخ الجليل، الجود والكرم والإنفاق في وجوه الخير الكثيرة، فقد كان كريماً محباً للخير وأهله، معروفاً بالسخاء، وقد جلب إليه جوده وحسن أخلاقه محبة الناس وإجلالهم فشاع له الذكر الجميل. كانت وفاة المؤسس رحمه الله عصر يوم الخميس 13 من شهر شعبان سنة 1331هـ، الموافق 17 يوليو 1913م ودفن في قرية الوسيل وهي قرية تقع على بعد 24 كيلومتراً شمالي الدوحة. وبوفاته فقدت قطر قائد فذاً وعلماً من أعلامها، ورمزاً من رموز أصالتها، وأديباً من أدبائها، رجل العلم والفضل والكرم.;

مشاركة :