بدون أدنى شك، هناك تحديات تحيط بقضية إنهاء الإنقسام وإستعادة الحياة الديمقراطية لدى الفلسطينيين، ليس فقط من خارج الحالة “إسرائيل و أمريكا”، بل من داخل الحالة الفلسطينية ذاتها، تحديات قد تطيح بالمصالحة وتعيد الفلسطينيين إلى مربع الإنقسام. ولَّد الإنقسام الفلسطيني، طيلة 11 سنة، خرابا ليس في البيئة الإقتصادية والإجتماعية، بل في البيئة السياسية، والتي كانت أشد خطرًا من باقي المحددات، فالإنقسام السياسي جعل من العالم التشكيك في التمثيل السياسي للفلسطينيين، وسمح بتدخلات في الحالة الفلسطينية، من قِبَل دول موَّلت الإنقسام وسعت إلى ترسيخه، لإعتبارات عديدة، أهمها المس بوحدة الفلسطينيين وبالهوية الوطنية. التحديات التي تواجه عملية المصالحة، أولا رؤية الحركتين للمصالحة. من الواضح أن حركة حماس قد إتخذت قرارا بالتخلص من حكم القطاع، وإلقاء هذه المعادلة في وجه السلطة، هذا القرار يبدو منطقيا، وإن جاء متأخرًا جدًا، ولكنه يخضع للمعادلة التالية: الخروج من الحكومه ومن تحمل المسؤوليات، ولكن في ظل الهيمنة والسيطرة العسكرية على القطاع. بمعنى أن حماس تريد من السلطة أن تدفع الفاتورة بدون أن تقدم حماس أي ثمن مرتبط بهيمنتها على القطاع، في السياسة، بمعنى التوافق على برنامج سياسي يشكل للجميع حدًا أدنى مقبولاً، ويشكل أرضية فاعلة لمواجهة ما يخبئه ترامب للقضية الفلسطينية، والتطلع لاحتياجات الناس الأساسية. حركة فتح تنظر لهذه المصالحة من جهة ضمان سيطرتها على القرار الفلسطيني، وهذه المرة “الموحد”.. الحجة التي إستخدمت بالسابق من قبل الإدارة الأمريكية و إسرائيل، بأن السلطة لا تسيطر و لا تمثل الفلسطينيين، شاهدنا ذلك في فترة نيل العضوية في الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن، وحتى الحديث عن “صفقة القرن” تحتاج إلى وحدة الفلسطينيين، وبمقدار أن حركة فتح و السلطة الفلسطينية تحتاجان إلى السيطرة على القرار الفلسطيني، الذي من الممكن أن تحصل عليه من إنجاز المصالحة، بمقدار خشيتها من الطريقة التي تدار بها حوارات القاهرة، البدء بالتفاصيل، أي التمويل ودفع الفاتورة الشهرية…إلخ، وتأجيل القضايا الكبرى التي سوف تدفعها حماس من جيبها، وهناك إعتقاد خاطئ لدى البعض في قيادة حركة فتح بأن حماس باتت ضعيفة، وحان الوقت لتسديد الضربة، بإنتزاع كل عناصر القوة التي تمتلكها، وهذا إعتقاد خاطئ، وعدم فهم للمتغيرات التي حدثت في الحركة، وقوة حماس العسكرية لا يستهان بها، وهي عامل مهم بالنسبة لها لفرض السيطرة والهيمنة، ومن الممكن أن يستعمل في أية لحظة، وهذا وارد، وهو ما تخشاه حركة فتح والفلسطينيون عامة. والتحدي الثاني: ما تقوم به الإدارة الأمريكية، من إيصال الفلسطينيين إلى مرحلة القبول بتسوية يجري الإعداد لها في أروقة البيت الأبيض، ومن هنا كان الموقف الأمريكي وعلى لسان مسؤولي البيت الأبيض، وبحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، بأن الوساطة التي تقوم بها مصر بين حركتي فتح وحماس خلقت فرصًا إيجابية نادرة، هذا الموقف إستتبعه موقف آخر بشأن سلاح حركة حماس، وهو أن سحب سلاح الحركة لايمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها، بمعنى آخر فإن سحب سلاح حماس لم يعد مطروحًا على الأقل في هذه المرحلة. وبشأن الموقف من تشكيل الحكومة الفلسطينية، إشترطت الإدارة الأمريكية أن تعترف بإسرائيل، وأن تتخلى عن الإرهاب والمصادقة على الإتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل، في إشارة إلى إتفاقيات أوسلو وما تبعها. ومن هنا نفهم أن إدارة ترامب تسعى إلى تهيئة الفلسطينيين لإدخالهم في صفقة القرن، وإزالة العقبة المتمثلة في الإنقسام. ولكن رغم ذلك يدرك الفلسطينيون أن ما يسمى بصفقة القرن، سوف تكون على حساب القضية وعلى تطلعات الفلسطينيين، لإعتبارات معروفة تتعلق بسقف هذه الصفقة، التي لن تخرج عن التفاهمات الأمريكية مع حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. الرئيس ترامب لم يسقط حل الدولتين نهائيًا، بل أخرجه من شرعيته الدولية إلى مجرد وجهة نظر، يمكن لإسرائيل أن تأخذ بها أو تأخذ بغيرها.. وبالمقابل نتنياهو لا يريد شيئًا أكثر من ذلك في هذه المرحلة.. ولكن خصومه يقولون له إن البديل هو الدولة الواحدة، ولكن بين خيار حل الدولتين وحل الدولة الواحدة ثمة طريق ثالث ستسعى إسرائيل، مدعومة من ترامب، بفرضه على الفلسطينيين والعرب. البديل الإسرائيلي لحل الدولتين والدولة الواحدة، سيبدأ من البحث عن غطاء عربي إقليمي، من الممكن أن يشارك في صياغة ملامح هذا البديل ومكوناته “صقفة القرن”، حتى وإن تم ذلك تحت غطاء مواجهة العدو الإيراني المشترك. ملامح الصفقة لن تخرج على ما ينشر بين الفينة و الفينة سواء من مراكز دراسات أو من شخصيات وازنة لدى الإدارة الأمريكية، السلطة الحالية تتحول إلى دولة بدون القدس، ومستوطنات الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية، وبلا القدس وسيطرة أمنية مطلقة في غور الأردن، وبالطبع مع سقوط حق العودة كاملاً، أو تخريجات شكلية لذلك. *كاتب مقيم في فلسطين
مشاركة :