ورث الرئيس دونالد ترامب شرق أوسط تهزه أزمات وحرب أهلية مع استثناءين هشين: الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وبرنامج إيران النووي، وكلاهما كان ساكناً. ومع اتخاذ قرارين مندفعين أنانيين، أخذهما على الرغم من التوصيات القوية لفريقه للأمن القومي، فقد عرض الوضع الراهن للخطر على كلتا الجبهتين. والسؤال الآن هو ما إذا كان الكونجرس أو الحلفاء الأوروبيون سينقذونه من ضربة ثالثة ربما تكون كارثية. وهناك أوجه تشابه مثيرة للدهشة بين رفض ترامب إعادة التصديق على الاتفاق النووي الإيراني في شهر أكتوبر وقراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الأسبوع قبل الماضي، وهي أيضاً تنم عن شيء. في كل حالة، كان يُعرض عليه مطلب بتفويض من الكونجرس بتجديد سياسة الرؤساء السابقين. كما حثه وزراء الدفاع والخارجية للحفاظ عليه، خشية أن يعرقل السياسات الأميركية ويعرض للخطر المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وخارجه. وفي كل مرة، كان ترامب يصر على ألا يفعل ما كان يفعله أوباما أو بوش الابن أو كلينتون. وقد سارع مستشارو ترامب لتضمين هذه القرارات الطائشة في شيء يشبه الاستراتيجية: محاولة لتجنيد الكونجرس والحلفاء الأوروبيين في حملة لملء الثغرات في الاتفاق النووي؛ وخطة سلام في الشرق الأوسط تسحب الفلسطينيين والعرب مرة أخرى إلى الدبلوماسية، بيد أن هذا ما هو إلا وجهة زائفة. في الواقع، لم يخطط ترامب، ولا أي شخص آخر في الإدارة لتداعيات قراره – سواء تجدد العنف في الأراضي الفلسطينية أو تعميق الصدع مع حلفاء حيويين. وبعض من تصفية الحساب هذا يحدث بالفعل. فقد تلقى «ريكس تيلرسون»، وزير الخارجية المحاصر، استقبالاً بارداً عندما وصل إلى بروكسل الأسبوع الماضي في إطار جولة أوروبية. وتضمن وصف الوزراء الأوروبيين لقرار ترامب بخصوص القدس بعض العبارات مثل «خطير للغاية» و «كارثي». وكما كان متوقعاً، اندلعت أعمال الشغب في الضفة الغربية؛ ولا يمكن للأميركيين إلا أن يأملوا في أن يكون المتطرفون العرب في أماكن أخرى مشغولين للغاية بالصراعات الأخرى للقيام بهجمات على أهداف أميركية على غرار هجوم بنغازي. ويبدو أن إيران هي أكبر مستفيد من تهور ترامب. والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سيزيد من صعوبة مواجهة الولايات المتحدة للعدوان الإيراني في جميع أنحاء المنطقة، من خلال تحالف يضم دول الخليج العربي والأردن. ويدعو زعيم «حزب الله»، وهو وكيل إيران في لبنان، للقيام بانتفاضة فلسطينية أخرى. وإذا ما حدثت، ربما تتم الإطاحة بمحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، وتمكين «حماس»، وهي حليفة لإيران. وأعطى عدم تصديق ترامب على الاتفاق النووي 60 يوماً للكونجرس - حتى هذا الأسبوع - لاتخاذ قرار بشأن إعادة فرض العقوبات على إيران. وهو لن يفعل ذلك، ما يعني أنه في شهر يناير، سيُعرض على ترامب اتفاق آخر مفوض قانوناً بشأن ما إذا كان سيبقي على تعليق العقوبات أو نسف الاتفاق النووي إلى الأبد. ويخشى فريقه، وزعماء الكونجرس من الحزبين والقادة الأوروبيين من حدوث شرخ آخر لا معنى له لكنه يجذب الانتباه. ولأن مفتشي الأمم المتحدة قد أقروا مراراً وتكراراً بامتثال إيران، فلن يقبل الأوروبيون ولا روسيا ولا الصين - الذين يمثلون الأطراف الأخرى من الاتفاق – إلغاء ترامب للاتفاق. وسيكون نظام آية الله لديه خيار لذيذ: إما الالتزام بالاتفاق وعزل الولايات المتحدة، أو استخدام إعادة فرض العقوبات الأميركية كذريعة لاستئناف تخزين اليورانيوم عالي التخصيب. ولن يكون لترامب أي ملاذ سوى خوض حرب لم تستعد لها الولايات المتحدة على الإطلاق. وهناك تحركات سريعة هادئة بين قادة الكونجرس والقادة الأوروبيين لمنع هذه الكارثة. وقد بحث الزعماء «الجمهوريون» و«الديمقراطيون» في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي تشريعاً محتملاً مع مستشار الأمن القومي «إتش أر ماكماستر». وتقضي الفكرة بفرض بعض القيود الإضافية على إيران بطريقة لا تنتهك الاتفاق القائم ومقبولة من الأوروبيين. وسيكون هذا متوازناً من خلال قيد جديد على ترامب، مثل شرط يمنعه من إلغاء الاتفاق النووي دون موافقة الكونجرس. وسيوافق الأوروبيون على العمل مع الإدارة بشأن الخطوات الكفيلة بمنع إيران من تطوير الصواريخ بعيدة المدى، التي لم يشملها الاتفاق - ومرة أخرى، بشرط ألا يخرق ترامب الاتفاق الحالي. هذه الجهود التي يبذلها الحزبان وعبر الأطلسي لتهدئة وإحاطة الرئيس الأميركي لها سوابق قليلة. وربما تفشل. بيد أن استعداد ترامب الواضح لتعريض المصالح الأميركية والغربية الحيوية للخطر قد جعلت الأمر ملحاً. *كاتب أميركي ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
مشاركة :