حققت حكومة مملكة البحرين من خلال وزارة الإسكان خلال الأعوام الأخيرة تطورًا ملحوظًا في إدارة الملف الإسكاني، يتناسب وطبيعة التحديات المعاصرة التي تواجه هذا الملف الاجتماعي الهام، ومنها التحديات الديموغرافية وما تتضمنه من زيادة المطردة في النمو السكاني، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية المتعلقة بانخفاض أسعار النفط.فالمتتبع لمسيرة وزارة الإسكان خلال السنوات الأخيرة يلحظ أن حكومة مملكة البحرين شرعت في التحول التدريجي في نهج تزويد المواطن ذي الدخل المحدود بالخدمات الإسكانية، عبر الانتقال من مرحلة تقديم خدمات تقليدية ومباشرة، تتمثل في بناء المشاريع الإسكانية وتوزيعها أو تقديم تمويلات لأغراض البناء أو الشراء أو الترميم، لتوجه الدفة نحو القطاع الخاص للمشاركة في تقديم خدمات السكن الاجتماعي من خلال برامج ومبادرات تم دراستها بعناية وبدأت تحقق نتائج تثبت نجاح التوجه الحكومي الجديد.ولعلّ تبني برنامج عمل الحكومة في محور التنمية البشرية والخدمات الاجتماعية لمبادئ تطوير السياسات الإسكانية، وتعزيز دور القطاع الخاص في توفير مشاريع السكن الاجتماعي، وتسهيل حصول المواطن على التمويل المناسب لامتلاك المسكن، بالإضافة بالطبع إلى جهود الأخرى الرامية إلى توفير 25 ألف وحدة سكنية من خلال المشاريع التي تنفذها الوزارة، كل تلك المبادئ تؤكد على التوجه الجديد في إدارة الملف الإسكاني القائم على أسس احترافية تتناسب وتحديات العصر.وخلال السنوات الثلاث الماضية، وتحديدًا منذ إقرار برنامج عمل الحكومة، نجحت وزارة الإسكان بدعم كبير من الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر في تحقيق مؤشرات مرتفعة للغاية على صعيد تطوير السياسات الإسكانية وإفساح المجال أمام القطاع الخاص لتقديم الخدمات الإسكانية للمواطنين.تعزيز دور القطاع الخاصنهجت وزارة الإسكان نهجين رئيسيين في مسار إطلاق يد القطاع الخاص في توفير الخدمات الإسكانية، يتمثل الأول منه في إبرام التعاقد مع إحدى شركات التطوير العقاري لتنفيذ مشاريع إسكانية على الأراضي الحكومية، وكانت التجربة الأولى في المدينة الشمالية التي تم الاتفاق على تنفيذ 1618 وحدة سكنية بها، بالإضافة إلى تنفيذ 832 وحدة سكنية بمنطقة اللوزي.وقد حققت هذه التجربة حتى الآن نجاحا على صعيد اكتمال نسب الإنجاز بها، وقيام الوزارة فعليا بتوزيع الوحدات على المواطنين المدرجة طلباتهم على قوائم الانتظار، في إطار برنامج التوزيعات الذي أمر به صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وحاليًا تخضع تلك التجربة إلى التقييم من قبل المسئولين والخبراء في وزارة الإسكان لدراسة الإيجابيات وفرص التحسين والجدوى المتحققة من تلك الشراكة.أما التجربة الثانية والتي تشهد نجاحًا كبيرًا ورواجًا في الشارع البحريني، هو برنامج مزايا، الذي حقق نتائج إيجابية في فترة زمنية قياسية، أهّلته لأن يتم اعتماده كخدمة إسكانية أساسية بقرار من مجلس الوزراء،حيث سجل البرنامج منذ تدشينه عام 2013 قيام 6000 مواطن بالتقدم للحصول على شهادة تأهيل، فيما أنهى 2500 مواطن إجراءات استلام وحداتهم بالفعل في فترة زمنية وجيزة للغاية، وهذا العدد يعادل حوالي نصف مدينة إسكانية كالتي تنفذها وزارة الإسكان في شرق الحد والمخطط لها أن تكون في شرق سترة، الأمر الذي يعكس حجم الإنجاز الذي حققه البرنامج.وفي ظل النجاحات التي حققها البرنامج، بفضل الدعم الكبير من قبل لجنة الإعمار والبنية التحتية برئاسة سمو الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء، فإن الوزارة تتجه حاليا لتطوير المعايير والاشتراطات للاستفادة من البرنامج،بهدف توسيع قاعدة المواطنين المؤهلين للاستفادة من البرنامج، الأمر الذي يدعو إلى تقليص عدد الطلبات الإسكانية على قوائم الانتظار من جهة، ومن جهة أخرى يستقطب الأسر البحرينية حديثة التكوين ممن لا تتجاوز أعمارهم 35 عامًا للحصول على خدمته الإسكانية مباشرة دون الحاجة إلى الانتظار.وقد ذهبت النتائج الإيجابية التي حققها برنامج مزايا إلى ما هو أبعد من تقديم الطلبات الإسكانية للمواطنين فقط، إذ ساهم البرنامج في تشجيع المطورين العقاريين على تنفيذ المزيد من المشاريع بأسعار مناسبة، واتخذت وزارة الإسكان زمام المبادرة في تأهيل تلك الشركات، وتزويدهم بالمواصفات الفنية المعتمدة للانضمام للبرنامج،فضلاً عن توسع بنك الإسكان الشريك الاستراتيجي للوزارة في استقطاب مزيد من البنوك التي تمنح تمويلات ميسرة وطويلة الأمد للمستفيدين مع دعم مالي مباشر من الوزارة في سداد الأقساط الشهرية.ويمكن القول إن برنامج مزايا قد حقق مبدأ تسهيل حصول المواطنين على التمويل الإسكاني المدرج في برنامج عمل الحكومة من خلال التمويلات التي تمنحها البنوك المشاركة في مزايا للمواطنين،فضلاً عن قيام وزارة الإسكان بوضع أطر وسياسات جديدة تتعلق بتخصيص التمويلات المباشرة التي تقدمها للمواطنين بهدف الشراء أو البناء أو الترميم، بما يضمن عدم تراكم طلبات التخصيص دون استفادة، وتقديم التمويل المالي للمواطنين الأكثر حاجة وجاهزية، وبالتالي الحصول على التمويل وشراء الوحدة أو بناؤها أو ترميمها في فترة زمنية قياسية.جهود مستمرة لتوفير 25 ألف وحدة سكنيةعلى صعيد محور تقليص فترة الانتظار من خلال تسريع وتيرة توفير الوحدات السكنية، الوارد في برنامج عمل الحكومة، فقد حققت وزارة الإسكان مؤشرات متقدمة للغاية على صعيد نسب الإنجاز في جميع المدن الإسكانية التي تقوم بتنفيذها، بدءا من المدينة الشمالية التي تعد الأكبر من حيث الحجم والمساحة، مرورًا بمدينة خليفة، ومدينة شرق الحد، وإسكان الرملي، بالإضافة إلى مدينة شرق سترة.فعلى صعيد المدينة الشمالية، تشير الإحصائيات إلى أن الوزارة قامت بالدفع بـ6572 وحدة سكنية إلى حيز التنفيذ، وتم الانتهاء من 2807 وتخصيصها بالفعل للمستفيدين، فيما تعكف الوزارة على تنفيذ 3406 وحدات سكنية تتفاوت نسب الإنجاز بها، وتعتزم الوزارة طرح 2346 وحدة سكنية للمناقصة، مقابلة 314 وحدة تم طرح مناقصاتها مؤخرا.أما على صعيد مدينة شرق الحد، فقد خصصت وزارة الإسكان 1392 وحدة سكنية للمستفيدين، مقابل 2132 وحدة قيد التنفيذ، وتم طرح مناقصة تنفيذ 695 أخرى، وتشهد تلك المدينة تقدمًا كبيرًا على الصعيد الانشائي، ويتبقى الانتهاء من مراحل تنفيذ أعمال البنية التحتية حتى يتم التشغيل التدريجي للمدينة واستلام المواطنين لوحداتهم.وعلى صعيد مدينة خليفة، فقد قامت الوزارة بتخصيص 1368 وحدة سكنية بها بعد بلوغ نسب الإنجاز في الوحدات مراحل متقدمة للغاية، فيما تعكف الوزارة على تنفيذ 1595 وحدة سكنية أخرى، تتفاوت نسب الإنجاز بها.وفي مشروع ضاحية الرملي، تقوم الوزارة بتنفيذ 4501 وحدة وشقة سكنية، تم الشروع في تنفيذ 1261 وحدة سكنية بها مطلع العام الجاري، وخصص منها 548 وحدة للمواطنين المدرجة طلباتهم على قوائم الانتظار، بينما تستعد الوزارة لطرح المناقصات الخاصة ببناء 3240 وحدة سكنية خلال الفترة القليلة المقبلة. وفيما يتعلق بمشروع ديرة العيون الذي يعد أحد ثمار الشراكة مع القطاع الخاص، فهو يتضمن تنفيذ 3043 وحدة سكنية، يتم حاليا تنفيذ 2198 وحدة منها بنسبة 71.2% من إجمالي المشروع، فيما سيتم قريبًا طرح مناقصات بناء 845 وحدة سكنية في المشروع.أما بخصوص مشروع مدينة شرق سترة، فإن الوزارة أكملت نسب الإنجاز في أعمال الدفان البحري والحماية الصخرية للمشروع، بالإضافة إلى الانتهاء من المخططات العامة والتفصيلية، وتعكف حاليًا بالتعاون مع بنك الإسكان على التفاوض مع شركات عالمية لتنفيذ مراحل المشروع المختلفة.التوزيعات الإسكانيةاستطاعت وزارة الإسكان على مدار عامي 2016 و2017، وبفضل أوامر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، أن تقوم بتوزيع 15.200 وحدة سكنية على المواطنين المدرجة على قوائم الانتظار، وهو العدد الذي يعكس بالطبع حجم الإنجاز الإسكاني المتحقق خلال السنوات الماضية، ومن المتوقع أن يشهد عام 2018 المزيد من التوزيعات، بما يكفل تحقيق أهداف برنامج عمل الحكومة.تطوير السياسات الإسكانيةعلى صعيد محور تطوير السياسات الإسكانية المدرج في برنامج عمل الحكومة، قامت وزارة الإسكان بتوقيع اتفاقية مع المكتب الإنمائي للأمم المتحدة، بهدف مراجعة وتوثيق سياسة واستراتيجية الإسكان في البحرين طبقا للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية،كما من المتوقع أن يقدم المشروع سياسة واستراتيجية وطنية للإسكان تستند إلى الأدلة مع خطط عمل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل صيغت ونوقشت مع أصحاب المصلحة وملامح قطاع الإسكان توثق التحديات وفرص الشراكة مع جميع القطاعات، حيث يعتبر إصدار سياسة إسكانية جديدة إحدى أولويات برنامج عمل الحكومة 2015-2018.ومن المتوقع أن تسهم السياسات الجديدة في رسم الخارطة المستقبلية لقطاع السكن الاجتماعي بالمملكة، وتحديد سبل استدامة الملف الإسكاني على المدى البعيد، حيث يعتبر ملف استدامة الخدمات الإسكانية أحد أولويات الحكومة الموقرة، لضمان الاستمرار في توفير الخدمات الإسكانية للمواطنين.تأثير نمو مشاريع وبرامج السكن الاجتماعي على القطاعات الأخرىألقت الطفرة الإسكانية التي تحققت في قطاع الإسكان منذ عام 2011 بظلالها على القطاعات الأخرى التي تشارك الوزارة في تنفيذ المشاريع الإسكانية، فقد بلغت الطاقة الاستيعابية للمواطنين في المشاريع الإسكانية التي نفذها الوزارة وما رافقها من توزيع لوحدات تلك المشاريع حوالي 140 ألف نسمة، وهو العدد الذي يعادل عدد سكان محافظة المحرق تقريبا. كما أسهمت المشاريع الإسكانية في تطوير البنية التحتية في المناطق التي شهدت تنفيذ تلك المشاريع، حيث تقوم الوزارة إلى جانب أعمال بناء الوحدات السكنية بتأسيس البنية التحتية الثانوية من خطوط مياه الصرف الصحي والطرق والإنارة. بالإضافة إلى ذلك،فإن كثافة تنفيذ المشاريع الإسكانية انعكست أيضا على الاقتصاد الوطني من خلال تنشيط قطاعات مواد البناء وتنشيط السوق المحلية المنتجة لها، فقد بلغ حجم الخرسانة الجاهزة التي تم استخدامها في مشاريع وزارة الإسكان قيد التنفيذ حوالي 1.1 مليون متر مكعب، وهو ما يعادل 50% من إجمالي الناتج المحلي السنوي لمملكة البحرين من الخرسانة الجاهزة،كما بلغ عدد الطابوق المستخدم في تشييد الوحدات السكنية خلال الفترة من عام 2011 وحتى عام 2017 حوالي 106 ملايين طابوقة تقريبًا، وهو ما يعادل 2.5% من الناتج السنوي للطابوق في جميع مصانع مملكة البحرين، فيما بلغ حجم الحديد المسلح الذي تم استخدامه في جميع المشاريع التي نفذتها وزارة الإسكان حوالي 105 أطنان، وهو ما يعادل 55% مما يتم استخدامه من الحديد المسلح بمملكة البحرين. كما أن هناك امتيازات أخرى أضفتها المشاريع الإسكانية على المناطق التي شهدت تنفيذ تلك المشاريع، فمشاريع الإسكان وفرت ما مجموعه 605 كيلومترات من أرصفة المشاة في جميع المشاريع الإسكانية التي تم تشييدها حتى الآن.إن جهود وزارة الإسكان المتعلقة بتنفيذ جميع تعهداتها الواردة في برنامج عمل الحكومة ستبقى مستمرة بفضل الدعم اللامحدود من لدن القيادة الرشيدة والحكومة الموقرة، وتتوقع الوزارة يكون عام 2018 هو عام الحصاد لجميع المبادرات والخطط والمشاريع التي تعكف الوزارة على تنفيذها، لتتواصل المسيرة الناجحة لوزارة الإسكان التي انطلقت منذ 60 عامًا، وستستمر بمشيئة الله.
مشاركة :