يؤكد الخبراء أن الوقت ما زال مبكراً لدق ناقوس الخطر، إلا أن اكتشافاتهم تقدّم سبباً وجيهاً للاعتناء بصحة الفم. هل يرتبط مرض اللثة بالسرطان؟ تشير دراسة نُشرت في مجلة «علم أوبئة السرطان، ومؤشراتها، والوقاية منها» إلى رابط بين الاثنين، مظهرةً أن النساء المسنات اللواتي يعانين أمراضاً في اللثة يكن أكثر عرضة لسرطان الثدي، والرئة، والمريء، فضلاً عن الميلانوما، الذي يُعتبر أكثر أنواع سرطان الجلد خطورةً. ولكن لم يحِن الوقت بعد لدق ناقوس الخطر. صحيح أن الدراسة نُشرت في مجلة محترمة، إلا أن لها حدوداً قد تؤثر في نتائجها، حسبما يؤكد أليساندرو فيلا، مدرّس متخصص في طب الفم والعدوى والمناعة الفمويتين في كلية طب الأسنان التابعة لجامعة هارفارد وجراح مساعد في مستشفى Brigham and Women’s. رغم ذلك، يؤكد أن صحة الفم يجب أن تكون من أهم أولوياتك. لربما ما زال من المبكر اليوم القول إن أمراض اللثة ترتبط بالسرطان، إلا أن البحوث تُظهر أن أمراض اللثة، التي تُعرف بأمراض دواعم السن، قد تزيد خطر مرض القلب والمشاكل الصحية الأخرى. فهم النتائج توصل معدو الدراسة، الذين اكتشفوا الرابط بين السرطان وصحة الفم، إلى خلاصتهم بالاعتماد على معلومات قدمتها نحو 65869 مشاركة مسنة في استبانات ملأنها بأنفسهن ضمن إطار دراسة «مبادرة صحة المرأة» التي تقوم على المراقبة، والتي بدأت جمع المعلومات في عام 1994. سُئلت النساء في الدراسة عما إذا كان طبيب أسنان أو خبير في صحة الأسنان أخبرهن بأنهن يعانين مرضاً في اللثة. تتبع الباحثون في الدراسة تلك النساء مدة ثماني سنوات كمعدل بغية تحديد مَن منهن أصيبت بالسرطان. خلال فترة الدراسة، ظهرت أكثر من 700 حالة سرطان بين النساء، واكتشف الباحثون أن مَن عانين أمراض دواعم السن واجهن ارتفاعاً في خطر السرطان بلغ 14%، مقارنةً بمن لم يعانين أمراض لثة. وارتفع خصوصاً خطر سرطان الثدي، والرئة، والمريء، فضلاً عن الميلانوما. لكن فيلا يشدد على أن مشاكل عدة تشوب الدراسة وتؤثر في نتائجها، من بينها واقع أن النساء (لا اختصاصيين محترفين) هن مَن حددن إذا عانين مرض لثة، ما جعل التقارير أقل مصداقية. أمراض اللثة غير متساوية قد يخبر طبيب الأسنان امرأة تعاني تهيجاً بسيطاً في اللثة مع بعض النزف خلال المعاينة الطبية أنها مصابة بـ«مرض لثة». لكنه يشير إلى حالة تُدعى «التهاب اللثة» ويمكن علاجها بتنظيف الأسنان، وفق فيلا. أما التهاب دواعم السن (شكل أشد حدة من مرض اللثة)، فهو ما رُبط بحالات صحية متنوعة في مختلف أنحاء الجسم. يؤدي هذا الالتهاب إلى انحسار اللثة عن الأسنان أو إلى خسارة الأخيرة لأن التهاب دواعم السن يُلحق الأذى بالعظام التي تثبت الأسنان في موضعها. كذلك تؤدي هذه الحالة إلى تشكّل جيوب صغيرة في اللثة تتجمع فيها البكتيريا وتسبب عدوى. لا يدرك كثيرون الاختلاف بين هاتين الحالتين ويعتقدون أنهم يعانون أمراض دواعم السن في حين أنهم مصابون بالتهاب اللثة لا التهاب دواعم السن، حسبما يشير فيلا. بالإضافة إلى ذلك، أخذ معدو الدراسة في الاعتبار بعض عوامل الخطر المرتبطة بالسرطان، من بينها التدخين، إلا أنهم أغفلوا عن أخرى، كالتعرض للأسبستوس، أو الاستعداد الجيني للسرطان، أو السن المتقدمة للمشاركات في الدراسة، التي ترفع بحد ذاتها خطر السرطان، حسبما يؤكد. هل تشكّل اللثة السليمة مؤشراً إلى صحة القلب؟ قد يبدو الرابط بين صحة الفم وصحة القلب مستبعداً. لكن العناية الملائمة بالأسنان واللثة تسهم في الحد من خطر الإصابة بمرض القلب. تؤدي أمراض اللثة إلى الالتهاب، وهو رد فعل مناعي تجاه إصابة أو عدوى. وتنتقل المواد الكيماوية التي ينتجها الالتهاب في اللثة إلى الدم. وعندما تبلغ هذه المواد القلب، تزيد الالتهاب داخل الصفيحات التي تسبب تصلب الشرايين في القلب، ما يفاقم بدوره خطر النوبة القلبية أو السكتة الدماغية. لكن هذا الرابط مثير للجدل. يوضح الدكتور بيتر زيمتبوم، طبيب قلب وبروفسور مساعد في كلية الطب في هارفارد: «يعود هذا الرابط إلى أن مَن يعانون أمراض لثة حادة يواجهون أيضاً عدداً كبيراً من عوامل الخطر المعتادة المرتبطة بمرض الشريان التاجي، كالسن، والداء السكري، والنظام الغذائي السيئ، وأمراض أخرى غير معالجة». صحيح أن بعض الدراسات يُظهر أن تنظيف الأسنان بالفرشاة والخيط يؤدي إلى تراجع معدلات مؤشرات الالتهاب وتحسُّن إضافي في عوامل خطر معروفة ترتبط بمرض القلب، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الرعاية الفموية الجيدة تحول دون الإصابة بنوبة قلبية، أو سكتة دماغية، أو الموت جراء مرض القلب، وفق الدكتور هارفي وايت، عضو في مجموعة بحوث أكاديمية تابعة لهارفارد تدرس الأمراض القلبية الوعائية. رغم ذلك، تسهم هذه الرعاية في حماية صحة أسنانك. النساء الأكثر خطراً ربما يراودنا بعض الشكوك حيال نتائج الدراسة، إلا أن ذلك لا يعني أنك تستطيعين تفويت موعدك المقبل لدى طبيب الأسنان. تنعكس أمراض دواعم السن سلباً على أسنانك وصحتك. لذلك من الضروري أن تأخذي تدابير الوقاية على محمل الجد. يؤكد فيلا: «أمراض دواعم السن حالة تؤثر في صحة المرأة عموماً». فقد ارتبطت بارتفاع خطر الداء السكري، والأمراض التنفسية، ومرض القلب، وفق الأكاديمية الأميركية لطب دواعم السن. علاوة على ذلك، تُعتبر المرأة أكثر عرضة لأمراض دواعم السن خلال البلوغ والحمل. ويعتقد فيلا أن ذلك يعود على الأرجح إلى ارتفاع معدلات الهرمونات الجنسية. كذلك تكون النساء أكثر عرضة لهذه الأمراض بعد سن اليأس لأن الفم يزداد جفافاً، ما يؤدي إلى أمراض اللثة، فضلاً عن أمراض فموية أخرى. اعتني بأسنانك اعتني بفمك وصحتك بزيارة طبيب الأسنان بانتظام لتخضعي لمعاينة فموية شاملة، وفق فيلا. بهذه الطريقة، إن كنت تعانين مرض لثة في مراحله الأولى، تستطيعين معالجته قبل تفاقمه. علاوة على ذلك، التزمي بعادات التنظيف بالفرشاة والخيط. صحيح أن هذه الدراسة لا تثبت بشكل حاسم أن أمراض اللثة تعزز خطر السرطان، إلا أنها تثير أسئلة مهمة قد تدفع الباحثين إلى إجراء مزيد من الدراسات. في هذه الأثناء، واظبي على تنظيف أسنانك بالفرشاة لأننا ندرك جيداً أن صحة اللثة مهمة لصحة الجسم بأكمله.
مشاركة :