شجرة عيد الميلاد تضيء درب التسامح في لبنان

  • 12/19/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شجرة عيد الميلاد تضيء درب التسامح في لبنانلا أحد من اللبنانيين يجعل الفرح ينتظر، لأن العنف والفوضى يتربصان بهم وبمدنهم وقراهم، لذلك يتجمعون في كل مناسبة وعيد على أنغام البهجة والسرور. عيد ميلاد المسيح يجعلهم يقبلون على السنة الجديدة بكل أمل، لا فرق بين مسلم ومسيحي وما تفرع عنهما من مذاهب وطوائف.العرب  [نُشر في 2017/12/19، العدد: 10847، ص(20)]الفرح من ثوابت الأديان بيروت - تتنافس المدن والبلدات اللبنانية سنويا على تقديم أجمل زينة في عيد الميلاد وأثمنها سعرا، في تقليد انطلق منذ 10 سنوات متجاوزا المدن والقرى ذات الغالبية المسيحية إلى المدن والقرى المسلمة. لكن التفنن بالزينة والإبداع في توزيعها بدأتهما مدينة جبيل الساحلية ( شمالي بيروت) التي ألهبت المنافسة ودفعت مدنا أخرى إلى السير على دربها المموج بألوان زاهية وأضواء متلألئة تسر الناظرين. أضاءت المدينة شجرة عيد الميلاد للعام، في احتفال ضخم أقيم في الشارع الروماني في وسط المدينة على وقع الترانيم الميلادية والمفرقعات النارية. وحضر الحفل عدد كبير من الطوائف الأخرى لا سيما من المسلمين والمسلمات، إذ تقول إحداهن “هذه المناسبة أصبحت عادة وتقليدا سنويا نحب أن نشارك فيه لما يتضمنه هذا الحفل من نشاطات متعددة، خاصة وأن أجواء الفرح تعم جبيل كل عام ما يبعث على الأمل والتفاؤل ببداية عام جديد”. ويقول أحد المشاركين إن الأجواء هنا تتسم بالصخب، خصوصا أن زينة الشجرة تختلف كل سنة عن سابقاتها إضافة إلى المفرقعات النارية المميزة، إنه حدث سنوي ننتظره بفارغ الصبر. وارتفعت شجرة الميلاد وسط بيروت المدينة التي تجتمع فيها كل الطوائف اللبنانية منها السنّة والشيعة والدروز والموارنة، والروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس، والأرمن الكاثوليك، والبروتستانت وصاحب إنارة الشجرة، بأصوات مزجت بين الأذان والترانيم تحية من بيروت إلى القدس. وقال محافظ بيروت زياد شبيب إن شجرة الميلاد هذا العام اتخذت سيرها نحو الطبيعة. وأضاف “قررنا أن نضيء شجرة أقرب إلى الاخضرار الطبيعي وليس الاصطناعي الذي تدخله بعض المواد الحديدية”.اللبنانيون يشعرون بالأمان والفرح عندما يشاهدون شجرة ميلادية تعلوها الألوان والزينة واعتبر شبيب أن المواطنين اللبنانيين يشعرون بالأمان وبفرح العيد عندما يشاهدون شجرة ميلادية تعلوها الألوان وترتفع حولها الزينة. وقال “لماذا لا نمنحهم هذا الأمان ونعطيهم جرعة تفاؤل لا سيما في هذا التوقيت بالذات؟”. وفي الأعوام القليلة الماضية، دخلت على خط التنافس والاهتمام بزينة الميلاد عدة مدن ذات أغلبية مسلمة كان قد برز اسمها في الاقتتال الطائفي في الماضي القريب. وبرزت في هذا السياق طرابلس وصيدا، فإلى جانب الحروب المذهبية التي عانتا منها، فقد عانتا أيضا من التطرّف من قبل بعض الجماعات المتشددة التي رفضت لسنوات طويلة فكرة التزيين كونها تتعارض مع الدين، بحسب رأيها، لكن علماء دين مسلمين من هاتين المدينتين، ومعهم شخصيات إسلامية فاعلة، كسروا القيود وشاركوا المسيحيين فرحة الأعياد، كون التعايش الديني السلمي فرضا وليس خيارا، كما يؤكدون. وأكّد مفتي مدينة صيدا الجنوبية وأقضيتها، الشيخ سليم سوسان، أنه لا حرج على المسلم مشاركة الفرحة بالعيد مع أخيه المواطن من ديانة أخرى، فهذه العادات تعزز السلم الأهلي وتبرز حضارة الدين الإسلامي الحنيف. وأضاف “مدينة صيدا تحديدا عاشت لقرون طويلة في ظل التكاتف الديني وتنوع المذاهب، حتى أيام الحرب الأهلية لم يقع أي اقتتال طائفي بين أبناء المدينة، فلماذا نريد اليوم رفض ظواهر الزينة والفرح؟”. ولفت سوسان إلى أنه في السنة الماضية صادف تزامن عيد مولد النبوي الشريف مع عيد ميلاد السيّد المسيح، وقد تبادل الطرفان تهنئة بعضهما البعض ورفعا الزينة سويا في المدينة، معتبرا أن هذه التصرفات تخفف كثيرا من الاحتقانات الطائفية وتعزز السلام “والزينة من مظاهر الفرح والفرح من ثوابت الإسلام”. وفي العام 2016، فازت مدينة طرابلس عبر استفتاء شعبي بأفضل زينة ميلاد في لبنان، وتتميز العاصمة الثانية للبلاد بتعدد طائفي من مسلمين سُنة وعلويين ومسيحيين وسابقا كان اليهود، لكن غالبية سكانها الساحقة من المذهب السُني.اللبنانيون يتقاسمون فرص الفرح في الأعياد وللسنة الثانية على التوالي تؤكد المدينة تمسّكها بالعيش المشترك ورفضها لكل مظاهر التطرف، فقررت هذا العام تزيين ساحاتها وأزقتها المسلمة قبل الأحياء المسيحية، بكلفة عالية جدا، بعضها من ميزانية البلدية وأخرى تبرعات من التجار والشخصيات الفاعلة في المنطقة. وحملت أشجار الزينة التي تنتشر في المدينة ذات الأغلبية المسلمة عبارة الفرح “إنجوي”، يقبل عليها المواطنون من مختلف المشارب يلتقطون الصور التذكارية والبهجة على وجوه الكبار والصغار. مطران الكاثوليك في طرابلس إدوارد ضاهر عبّر عن غبطته الكبيرة لما يشاهده في العامين الماضيين داخل مدينته التي سبق وأن ذاع صيتها إعلاميا بأنها مدينة الاقتتال والخوف. وقال “نحن اليوم سعداء بأننا نعيش أجواء الميلاد في مدينة الفيحاء وقد احتفلنا بالأمس القريب بذكرى المولد النبوي الشريف مع إخوتنا المسلمين، أيام معدودة وسنحتفل بعيد الميلاد المسيحي سويا أيضا”. وعزا المطران ضاهر الفضل لإحياء هذا التعايش بعد سنوات من الحرب والقلق والمخاوف إلى أبناء المدينة التي تضم شريحة كبيرة من المثقفين برزوا في العالم، فأبناء طرابلس لا توجد بينهم سوى قلّة قليلة من المتطرفين وقد ولّى زمانهم، وفق تعبيره. وتضفي الزينة جوا كبيرا من الحياة خاصة لزوار الفيحاء من الداخل والخارج، وهي لا تعبر عن حب من طرف واحد، فبحلول شهر رمضان المبارك، كما يقول مطران الكاثوليك، يقوم المسيحيون بتزيين واجهات محلاتهم، ويشاركون إخوانهم المسلمين سهرات الليالي الرمضانية في الشوارع والمطاعم. كلام المطران ضاهر ليس مجرد وجهة نظر رجل دين مسيحي يسعى لترسيخ التعايش، بل هو واقع ملموس يعيشه ويحرص على تحقيقه كل مسيحي ومسلم في المدينة ، “هو اسمه عيد والعيد معناه الفرحة فما المشكلة أن نتشارك جميعا الفرحة وإبعاد شبح التطرف ومحاولات الإرهاب التي تزحف إلى بلادنا؟”، تساءل المطران. ويختم حديثه بهذه الرسالة “نريد السلام للجميع، فطرابلس تحديدا وباقي المدن عموما تريد السكينة وتبادل الأفراح وكذلك مشاطرة الأحزان، طالبين من الله أن تعمّ المسرة بين الجميع ونعيش دوما رافعين رؤوسنا في صلاتنا ومحبتنا بين بعضنا البعض ونتقبل الآخر”.

مشاركة :