إلى أين تتجه التعددية الحزبية والسياسية في اليمن؟!

  • 12/20/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يأتي في هذا العام الذكرى الـ35 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام (*) في الـ24 من أغسطس/ آب 1982م، في لحظة تاريخية فارقة تتطلب دراسة ديناميكية لمنظومة السياسية والحزبية في اليمن خلال مراحل متعددة، ومنها الإرهاصات الفكرية لفكرة التأسيس، مروراً بواقع التعددية الحزبية والسياسية في الإطار الدولي والإقليمي، وعلاقتها بالوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في اليمن خلال مرحلة التأسيس وانعكاساتها على الأفكار المنبثقة عن مراحل تطور الفكر السياسي حتى المرحلة الراهنة، والتي قد تعبّر عن العديد من التحديات والصعوبات والنجاحات والإخفاقات، لكنها شكَّلت في مجملها واقعاً تنظيمياً لا يُمكن تجاوزه دون أن يكون ذلك الواقع معبراً عن سوسيولوجيا التحالفات المحلية والوطنية والدولية التي رافقت مسيرة التعددية السياسية والحزبية في اليمن من حيث كونها انعكاساً للمحيط الاجتماعي، ومتأثرة به لدرجها أدى فيها التغير المتنامي لوقائع السلوك التنظيمي والحزبي إلى تعدّد مرجعيات الخطاب السياسي الذي تتبناه قوى تاريخية مختلفة، وأصبح من الأهمية بمكان دراسة السياق التواصلي الذي جسَّده ذلك الخطاب ما بين الوطنية أو القومية، والتي لا أحد ينكر أن هذه هي السمة الغالبة على النزاعات الاجتماعية - السياسية في البلاد العربية والعالم الثالث. وقد أجمع علماء الأنثروبولوجيا على أن اللغة جزء لا يتجزأ من حضارة الأمة، واللغة كحضارة الأمة تكتسب بتعلّم أنماط سلوكية واسعة تقع في إطارها، وتفسر على أساسها الأحداث، كما أنها عرضة للتبدل؛ نتيجة التراكُم الضخم لتجارب الشعب. ونستطيع القول إن "كل السياسة كلام، وليس كل الكلام سياسة"، ولذلك نجد الإشارة إلى علاقة اللغة بالسياسة وأهمية الاتصال السياسي، الاتصال - اللغة التي تصبح خطاباً، فتلك المقولة تجعلنا نتعرف على ماهية الاتصال السياسي: بث للرسائل التي لها أثر، أو يقصد أن يكون لها أثر في توزيع أو استخدام السلطة في المجتمع، ويقول رولوفز (Roelofs ): "السياسة عبارة عن كلام، فجوهر التجربة السياسية في أنها نشاط اتصالي بين الأشخاص"، وكما يعرف بأنه "العملية التي تقوم خلالها قيادة الأمة وإعلامها ومواطنيها بإضفاء معنى الرسائل المتعلقة بسير السياسة العامة، ومن ثم تبادل هذا المعنى". كما تقول غريبر: "إن الخطاب السياسي مهم للغاية، فهو يتعامل مع المشكلات الكبرى للحياة العامة، ويصفها ثم يشكلها، وأصبحت الصور اللفظية المصدر الرئيسي لفهم الواقع السياسي، وأساس العمل الرسمي أو عدم العمل، وأساس شعور الشعب بالتفاؤل أو التشاؤم، بالرضا أو السخط، حول سير الحياة السياسية". لذلك لا بد أن تكون اللغة السياسية مصوغة بشكل ملائم، ولديها القدرة على توليد الفكر وإيصال المعاني. وبمقولة العرب: "لكل مقام مقال"، وكما قال أرسطو أيضاً: "لا يكفي أن يعرف المرء ما ينبغي أن يُقال، بل يجب أن يقوله كما ينبغي". وهكذا فإن اللغة السياسية هي وسيلة مناسبة للتحكم وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للأحزاب والحكومات ووسائل الإعلام. فإلى أي مدى يمكن أن نستدل على اللغة السياسية للمؤتمر الشعبي العام في هذه المرحلة؟ التي قد تعكس "الرموز الحيوية ذوات المغزى (Significant Is Symbol)، عن تبادل الأدوار، أي عن عملية التفاعل الاجتماعي، والسيكولوجية الاجتماعية؛ حيث لا يصبح هذا الرمز ذا مغزى إلا إذا كان يحمل معنى محدوداً يشترك في فهمة المجتمع، وأبرز ما يُمكن أن نصفها -المرحلة الراهنة- بأن خطاب اللغة السياسية لديه منطق داخلي وارتباطات مؤسسية، فهو ليس ناتجاً عن ذات فردية يعبّر عنها أو يحمل معناها أو يميل إليها، بل قد يكون خطاب مؤسسة أو فترة زمنية أو فرع معرفي ما. وقد استطاع الزعيم الراحل علي عبدالله صالح خلال مسيرته الحزبية والسياسية من إبراز تلك اللغة من خلال المحافل الدولية والإقليمية، وعبّر عنها في هذه المرحلة من خلال وضوح الرؤية التي جسدت الأولويات والقيم، وصاغت التشكيلات الاجتماعية والسياسية المنضوية في المؤتمر الشعبي العام. ليس من خلال الشعارات والعبارات والهتافات التي تختزل الواقع وتؤيده فحسب، بل على ضوء خطاب سياسي يتضمن مفردات وألفاظاً بوصفها حلولاً، قرارات عن مشكلات، قضايا، أوضاعاً اجتماعية، سياسية، واقتصادية؛ لتجذب الأسماع، وتجد ذلك في عفوية وتلقائية، لكنها تعبّر عن وعي عميق بمدلولاتها، مما قد تجعل الآخرين يصغون لها، في لغة هوياتية تزيل الحواجز بين السلطة والعمل التنظيمي والحزبي، من خلال رؤية ثاقبة للمتغيرات في المحيط الدولي والإقليمي، وتجعل منها أنموذجاً للتنشئة السياسية، لكونه خطاباً يعكس المعيارية والنظام والمؤسسة، وكما تؤدي اللغة دورها الرئيسي في التنشئة الاجتماعية كذلك تُسهم في صنع الشرعية للنظام السياسي. وعلى ضوء ما سبق، قد يتساءل البعض إلى أين تتجه التعددية الحزبية والسياسية في اليمن؟ في مثل هذه المرحلة من التاريخ الحديث، التي قد يُشار إليها بالقول بأن الحزبية وسيلة وليست غاية، كما أن التعددية الحزبية والسياسية كخيار استراتيجي أصبحت ضمن أدوات الفرز الاجتماعي والتصنيف السياسي، وبالتالي أصبح من الممكن أن نتعامل مع المنهجية الملائمة لتفعيل هذه الوسيلة في إطار الخيار المناسب، وفي ظل الأداة المستوعبة للمتغيرات التي يُمكن أن تطرأ على المشهد السياسي والاجتماعي. وعلى الرغم من وجود العديد من الأدوات التي يمكنها أن تستوعب تلك المتغيرات من خلال تضمين الأحزاب السياسية قضايا معنية بإيجاد حراك سياسي واجتماعي في برامجها السياسية، ومنها ما قد يتطلب بعد ذلك إصلاحات دستورية، وتعمل النتائج المترتبة على ذلك الحراك على إعادة إنتاج تلك القضايا بواسطة نخبة سياسية معينة، وتُوجد من خلالها العمليات الديمقراطية الملائمة ضمن القضايا التي تتطلب النقاش والمفاوضات، التي قد تعبر عن انضباط القادة السياسيين الذاتي في اللعب بهذه الورقة تحت مبررات تبدو بأنها آنية. ولربما ذلك هو ما أشعل فتيل الحرب والعدوان في اليمن في إطار ما يُسمى "الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني الشامل" الذي انعقد في صنعاء 2013/2014م، والمتضمن "مسودة الدستور الجديد" التي ما زالت تتأرجح بين مسارات التحدي والتنفيذ، وما ترتب عليها من تداعيات لاحقة، بحيث تعبّر في مجملها بأن هناك جماعات ضغط سياسية واجتماعية عملت على تقليل احتمال صياغة "مسودة الضمانات والمعايير" التي يمكن التعامل معها على ضوء الاستجابات المحتملة لحقيقة وضع مثل تلك الأقليات، سواء كانت جماعات أو أقليات ضعيفة أو متماسكة، ويُمكن أن يُستدل عليها من خلال أطر مجتمعية محددة تضع في اعتبارها احتياجاتهم وظروفهم، وتؤسس بذلك لخطاب محلي أو دولي أو إقليمي من شأنه وضع فكرة المعايير المستهدفة ضمن آليات التحول الديمقراطي أو الاجتماعي أو الثقافي، وبالأحرى في "ملء الثغرات" بواسطة أطر للعمل متعددة الاتجاهات وذات صلة بالحقوق والواجبات. وهكذا فإن آليات العمل الحزبي والسياسي في هذه المرحلة عملت على صياغة أفكار وممارسات أكثر عمومية، مقلّلة من الفروقات بين فئات المجتمع المختلفة في حين استمرت فعلياً في الانخراط في سياسات وبرامج موجّهة في اعتراف منها بالاختلافات القوية في احتياجات وطموحات هذه النماذج المختلفة من الجماعات. وغالبا ما كانت تلك النماذج كالاستجابة لأزمات محددة، أو رد فعل لأزمة معينة، وقد تعمل في إطار عمل أكبر ينطلق من الإقليمية إلى الدولية، وربما لم تتوافر ببساطة الظروف السياسية لتلك الممارسة في المرحلة الراهنة؛ نظراً لأن كثيراً من الخبراء قد دافعوا عن ذلك التحوّل وتوجهاته، إذا ما كان التحول إلى منظور شامل لذلك الإطار بالقول إنه من التعسف الإصرار على اجتياز الجماعات بعض الاختيارات للحضور التاريخي أو الاستقرار الإقليمي في سياقات أكثر شمولية هو في الواقع أكثر إنصافاً أو شرعية بطبيعته، وفي ذلك إشارة إلى ما قد ينجم عن هذا التصور من "سوء تأويل"؛ كون التحول من منظور موجه إلى منظور عام يتم أساساً لأسباب نفعية، ولم يكن ناتجاً من معارضة مبدئية للتوجه بحد ذاته، وفي العمل بذلك التحول في مرحلة أو فترة زمنية محددة، ليس تراجعاً تكتيكياً أو استجابة ملائمة للضرورات السياسية، بل هو مسألة سيكولوجية معنية في ربط التكيف الخاص بهوية تلك الجماعات بمشروعات وسياسات الإدارة المحلية في ظل حدود معرفية أو خرائط ثقافية أو اجتماعية ثابتة ومتغيرة، وفي ذات الوقت، قد تعمل على تقديم معارضة مبدئية لفكرة المطالب المتمايزة على مستوى الجماعات القائمة على التاريخ والأرض. ولذلك فمن المهم أن يكون واضحاً أن ذلك الإطار في الواقع مسألة ملاءمة سياسية؛ لكون تلك الحدود أو الخرائط قد تحصر الناس في أدوار ثقافية وتعرض الحرية والفردية للخطر، ومن ناحية أخرى، قد تعمل الخطط أو السياسات بعيداً عن بِنى السلطة الأساسية، وهو تخوف ما زال قائماً في المرحلة الراهنة في ظل ما عززته حقيقة أن الحركات السياسية والاجتماعية ما تدخل في تحالفات أو ائتلافات تكتيكية مع الأحزاب السياسية الليبرالية سواء كانت أحزاباً جديدة أو قديمة. ولكن من المحتمل أن ينجم عنها مراكز جغرافية ثابتة تعمل على إعادة توزيع جوهري للقوى والموارد، وتحقيق ذلك، وليس مجرد اعتراف رمزي لحالة الحراك السياسي أو الاجتماعي قد تتحول مآلاته إلى حشود سياسية كما هو الحال في ميدان السبعين، والتي قد تساعد في تحسين المشاركة الديمقراطية بين الجماعات التي استُبعدت من قبل، وتقلل من خطر العودة إلى الحكم السلطوي، وتبني مشروعية لعملية التماسك الديمقراطي في مواجهة تحديات البِنى السياسية والقانونية للدولة، وبالتالي، فإن تلك الممارسات السياسية والاجتماعية قد تخدم بالفعل كمعمل للتجارب المبتكرة للمواطنة الديمقراطية. لكونها قد تعكس القيم الكامنة للحضارات التاريخية، وتلك القيمة الحضارية للحشود الجماهيرية ليست هي البداية أو نقطة الانطلاق، بل قد يكون ميدان السبعين بأمانة العاصمة صنعاء، أحد الأماكن، التي نبدأ بها استدعاء المصادر والشروط المسبقة للتعددية الحزبية والسياسية، وتصوغ بذلك الاتجاه الفلسفي أو السياسي الذي ينبغي التعامل معه. وهذا ما يعبر عنه ضمنياً بالدور الحاسم الذي لعبته المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية من خلال الدفع بأجندات مهمة من أجل التغيير بطريقة مستقرة وثابتة/ أم أن ذلك الدور لا يعدو مجرد كونه تمويهاً حول آليات عملية التحول إلى الديمقراطية بغض النظر عن نوع الجماعات السياسية والاجتماعية والظروف الأساسية المحيطة بها. وبناءً على جميع ما سبق، هل يمكن القول إن التعددية الحزبية والسياسية في اليمن -في ظل الوضع السياسي الراهن- غاية أم وسيلة؟ أو كلاهما معاً؟ مما قد يتطلب أدوات مفاهيمية جديدة لدراسة الأبعاد (الظرفية) و(المكانية) التي يتمحور حولها ذلك الواقع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) هو تنظيم تأسس بقيادة علي عبد الله صالح في 24 أغسطس/آب 1982. * للتأمل: إذا لم يكن في يدك غير مطرقة، فستتعامل مع كل شيء على أنه مسمار. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :