حال الحيوانات في حديقة الزبير بالبصرة إهمال يهدد بالهلاك بقلم: فيصل عبدالحسن

  • 12/20/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الحديقة الوحيدة للحيوانات في قضاء الزبير بالبصرة باحثا عن البهجة والسرور لأطفالك حتى تشعر فورا بمؤاخاة حيوانات الحديقة للإنسان العراقي في عذاباته اليومية. عذابات ناجمة عن قلة الخدمات المقدمة لهذه الحيوانات، وشظف العيش، وصعوبة الظروف المحيطة بها. الحيوانات تبدو في غاية البؤس، بالرغم من محاولات عامليها، وبكل الإمكانيات المتاحة، والمهارات التي اكتسبوها من خلال معايشتهم لها أن يجعلوها تعيش لأطول فترة ممكنة. الأسد ملك الغابة يبدو في قفصه الحديدي تعيسا، وجائعا بالرغم من ملاطفات لبؤته له بين الحين والآخر، فهما لا يتبادلان الملاطفة بينهما طويلا، نظرا لظروفهما الصعبة جدا، وتدليل أحدهما للآخر ترف لا مبرر له في ظروفهما. الزئير لا يفيد، ولا الدوران العصبي في القفص، فلن يحصلا على غير ما قدر لهما في هذا السجن البغيض. أحد المراهقين ألقى بنعل قديم إلى الأسد، فظن الأسد المسكين أن ما ألقي له قطعة لحم، فأخذ يتعاون مع لبؤته على تمزيقه بالأنياب، والمخالب، ولكن دون جدوى، ثم تركا النعل في زاوية القفص بعد أن يئسا من أن يكون ذلك شيئا يؤكل. زائر آخر ألقى بـ”الشامية ” (ذرة الفشار) إلى الثعلب الروسي، فأخذ يلتقطها حبة حبة من على الأرض، لكنها لا تغني من جوع، ولكن التقاطه لحبات الفشار من على أرضية القفص تفرح الأطفال وتضحكهم. ما رواه أحد الزائرين ممن عملوا في حديقة للحيوانات بالتنومة، شرق البصرة، عن طعام الحيوانات غريب، قال لـ”العرب”، “إن الأسد ولبؤته، وبقية النمور لم تذق اللحم الحقيقي منذ شهور في تلك الحديقة”. وحكى عما يقدم للحيوانات من طعام، وهو عبارة عن خلطة دماء وفول، وبقول أخرى مع ما يتخلف من الأمعاء، والأحشاء من مجازر الحيوانات. وأضاف “أن المشرفين على الحديقة يضيفون إليها ما يتخلف من أطراف الدجاج المذبوح، والأجنحة وتقدم لها، وهو ما أدى ببعضها إلى إصابتها بأمراض مختلفة، وأغلبيتها تعاني من أمراض مستعصية على العلاج، وهي توشك على الهلاك”. ويتساءل الزائر، وهو يرى الحيوانات القادمة من بلدان باردة، “كيف بقيت هذه حية في أقفاصها الحديدية الخالية من أي وسائل للتبريد في الزبير، وهو القضاء الذي يقع على أطراف الصحراء، ودرجة الحرارة لا تقل عن 50 درجة في الظل خلال معظم شهور الصيف؟”. ويشمل التساؤل النسور الأميركية، والغزلان الأوروبية، والبجع الروسي، والثعلب الروماني، والدب القطبي، وغيرها من الحيوانات التي تعيش في بيئة باردة. وهي تعيش اليوم في مناخ مختلف أسيرة لدى الإنسان بلا أي وسائل لحمايتها أو لتخفيف صعوبات المناخ المختلف عنها.ملاطفات لتخفيف معاناة الحيوانات وفاء أسد غالي صالح المرشدي (45 سنة) صاحب حديقة الحيوانات بقضاء الزبير بالبصرة، قال لـ”العرب” عن مشروعه الترفيهي “أقمت حديقة الحيوانات على حسابي الخاص للترفيه عن أهل مدينتي الزبير، فهي الحديقة الوحيدة بالقضاء، حددت لي البلدية أرضا صغيرة عام 2012، كانت تلك الأرض مزبلة، ومنطقة أشجار سدر كثيفة يؤمها المشردون، وكان لا يستطيع أن يمر بها أحد ليلا، لأنه سيتعرض للسلب من قبل قطاع الطرق. وبالرغم من المخاطر الأمنية وقتها قمت بتنظيفها، وبناء سور حولها وإعدادها كحديقة للحيوانات. ولم تخصّص لي البلدية أي مبلغ مالي لإعانتي في مشروعي الذي يخدم أهل الزبير، ويضيف إلى حياتهم وحياة أطفالهم نافذة لرؤية حيوانات لا يرونها إلا بالتلفزيون، ويوفر لهم فرصة للترويح عن أنفسهم وأطفالهم في نهاية الأسبوع. يضيف صاحب الحديقة “على العكس من ذلك، فرضت علي البلدية مبلغ إيجار للأرض بـ8 ملايين دينار سنويا (6400 دولار)، وهو مبلغ كبير يجهض كل محاولاتي لتطوير الحديقة، وتحسين أوضاع الحيوانات وظروف معيشتها. وللعلم أن رسم دخول العائلة إلى الحديقة لا يتجاوز 4 آلاف دينار (3.2 دولار) وهو مبلغ ضئيل بالنسبة لحاجات الحديقة، ورواتب العاملين فيها، كما أن ثقافة زيارة الأماكن العامة لم تزل غير شائعة في قضاء كالزبير، ومعظم العائلات تقضي عطلتها في البيوت أمام التلفزيون، والأطفال يقضون عطلتهم في الشوارع. ويستطرد المرشدي قائلا “أنا مغرم بالحيوانات الأليفة والمفترسة منذ طفولتي. ربيت معظم هذه الحيوانات في بيتي التي تراها في الحديقة. اعتنيت بتربيتها منذ كانت صغيرة، كالأسد واللبؤة والنمر والدب وغيرها. تعلمت منها الكثير، وأهم ما تعلمت منها الوفاء، فالأسد الذي تربيه على الحليب، وتضعه في حضنك صغيرا لن ينسى رائحتك، وشكلك حين يكبر، فهو سيأتيك ليحضنك ويشمك، ويتمسح بأكتافك، كأنه يقول لك أنا أسد وفيّ وما جزاء الأحسان إلا الإحسان”. ويتابع قائلا “تضاعفت في حديقتي أعداد الحيوانات، كالغزلان والنعام والماعز والخيول والثعالب والقرود، بسبب عنايتنا بها، بالرغم من شظف عيشها، وقلة ما أستطيع إنفاقه عليها. مشكلتنا الحالية هي ارتفاع مبلغ إيجار الأرض السنوي الذي أدفعه للبلدية بالزبير. والمفروض أنّ مشروعي الترفيهي لأهل الزبير يكون معفيا من الإيجار والضرائب وفواتير الماء والكهرباء. آمل أن تساعدني الدولة بتوفير العناية الطبية المجانية لحيواناتي، وأن يلتفت الميسورون من أهل الزبير لمساعدتي ماديا، والمساهمة في تطوير الحديقة بإنشاء مقهى فيها، ومطعم للزائرين، ومتجر لبيع دمى الأطفال، وغير ذلك من منشآت ضرورية لمشروع ترفيهي”. شائعة هروب النمر ساجت المالكي (59 سنة) عضو مجلس محافظة البصرة، قال لـ”العرب” عن شروط تأجير الأراضي العامة لأصحاب المشاريع الترفيهية “تعليمات تأجير أو حيازة المناطق العامة في المحافظات، والأقضية تخضع لإشراف وإدارة وزارة البلديات والأشغال العامة بالعراق، وهي التي تقرر مساحة الأرض الممنوحة، ومبلغ إيجارها السنوي، ولا علاقة لها بما سيتم على الأرض من مشاريع. ولكن المجلس البلدي في المحافظة يضع ضوابطه الخاصة، لأي مشروع جديد”.مؤاخاة الحيوانات للعراقي في عذاباته اليومية ويضيف أن “من هذه الضوابط ألا يضر المشروع بالبيئة، وألا يتسبب في خدش الحياء العام، ولا يقام قريبا من منشأة نفطية أو أمنية، ولا يتسبب في أي أضرار مادية أو معنوية لسكان المدينة أو لبناها التحتية. وهناك شروط عديدة أخرى توضع لتنفيذها من قبل صاحب المشروع، وكلها لا علاقة لها بالمبلغ الذي سيحدد كإيجار للأرض أو تخفيف الضرائب عنه أو مساعدته في أي أمر غير الأشراف على تنفيذ الشروط المثبتة معه في العقد”. نبيل عبيد (30 سنة) موظف يعيش في الزبير، ومن الزوار الأوائل لحديقة الحيوانات، قال عن الحديقة “منذ سنتين وأنا أزور الحديقة مع عائلتي، وأصطحب ضيوفنا أثناء عطلة الأسبوع إليها. بدأت علاقتي بها عندما سمعنا بخبر هروب نمر منها وصار يهدد حياة أهل الزبير كما أشيع وقتها، وخافت العائلات على أطفالها. وكانت تطلب منهم البقاء في البيوت خوفا من النمر الهارب”. ويستطرد عبيد قائلا “عرفت وقتها أن في الزبير حديقة للحيوانات، فقررت زيارتها بالرغم من إشاعة هروب النمر، ولم تكذب الجهات الأمنية أو الجهات المسؤولة هذا الخبر إلا بعد مدة طويلة. وفي زيارتنا الأولى للحديقة، كانت ابنتي خالدة تمسك بي وبأمها خوفا مما سمعته عن شائعة النمر الهارب، أما أمها فكانت تلومني مولولة وهي تقول لي أعرف أنّ نهايتي ستكون على يديك، وهذه المرة بأنياب نمر جائع.. أضحكني قولها ذاك وقتها، لكننا زرنا الحديقة، وتمتعنا برؤية الحيوانات، وحين رويت لصاحب الحديقة حكاية النمر الهارب، أبدى استغرابه، وقال إنه لأول مرة يسمع هذه الرواية الملفقة، وقادني لأرى الأسد ولبؤته، وقال إن الحديقة ليس فيها أي نمر ليهرب من الحديقة”. ويضيف نبيل “كان ذلك قبل سنتين، ولم تكن وقتها في الحديقة حيوانات كثيرة. الآن أرى حيوانات الحديقة قد ازداد عددها، وقد بذل صاحب الحديقة وفريقه جهودا كبيرة لتحسين ظروفها، حتى أنهما طلبا من خدمة المطافي بالبصرة في أحد أيام يوليو الماضي إرسال فريق إلى الحديقة، وظن معظم أهل الزبير حدوث حريق في قلعة الحيوانات، ولكن عرفنا في ما بعد أنها جاءت لتوجيه مياه مواسيرها نحو أقفاص بعض الحيوانات لتبريدها بسبب الحر الشديد”. وحسب منشور لمنظمة الكفوف الأربعة النمساوية، فقد ساهم فريقها برئاسة الطبيب البيطري النمساوي من أصل مصري أمير خليل في إنقاذ دب وأسد من بقية 40 حيوانا قتلوا أو نفقوا جوعا في حديقة الحيوان في الموصل في صيف العام الماضي أثناء معارك تحرير الموصل من داعش، وتم نقلهما إلى النمسا لغرض علاجهما وتأهيلهما من جديد.فراغ البطن ينسي الألفة وجاء في المنشور “أن عدد زوار حدائق الحيوانات في العالم وصل العام الماضي إلى مليون زائر، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة للمنظمات ينفق سنويا 400 مليون دولار على حدائق الحيوان في العالم، وأن 52 بالمئة من الحيوانات انقرضت في العالم بين السنة 1970 و1990 من البرمائيات والطيور والزواحف والثدييات والأسماك. وناشدت المنظمة دول العالم ضرورة المساعدة في إنشاء محميات، وحدائق للحيوانات للحد من انقراضها”. تعتيم على الحديقة هند جاسم (27 سنة) معلمة مدرسة ابتدائية قالت لـ”العرب”، “في حصصي التدريسية لطالباتي أطلب منهن زيارة حديقة الزبير للحيوانات لتوسيع معلوماتهن عن الحيوانات الأليفة والمفترسة. وصاحبت طالباتي في إحدى الزيارات بعد أن أخذت موافقات كثيرة من إدارة المدرسة ومديرية التربية، ومن أولياء أمور الطالبات. واشترطوا عليّ عدم جمع أي مبلغ مالي منهن، لذلك جعلت الزيارة طوعية، ولمن استطاع لها سبيلا”. وأضافت جاسم بأسى “قررت بيني وبين نفسي بعد تلك المجازفة التي عملتها وسببت لي انزعاجا، ألا أعيدها مرة أخرى، فالعراق بلد عاد إلى القرون الوسطى، وأي تصرف فيه جرأة، ولو كانت ضئيلة تُحارب من ممثلي الأحزاب الدينية أو من أولياء أمور الطلاب أو موظفي وزارة التربية، ولذلك كل محاولة لمساعدة الطلاب خارج الإطار الذي يحدد من أولئك تصبح محط تهمة لمن يقوم بها. آمل أن أرى طالباتي يزرن حديقة الحيوانات من تلقاء أنفسهن، وليس إرضاء لمعلمتهن”. سلام عبدجبارة (60 سنة)، تاجر من سكان المنطقة القديمة بالزبير، قال “من الضروري مساعدة من يملك الأموال في تطوير مدينة الزبير، وتطوير مرافقها، وقد ساهمت شخصيا بمبالغ مالية لترميم مدارس آيلة إلى السقوط في المدينة، وكذلك ساهمت مع العديد من تجار سوق الزبير في أعمال خيرية”. ويستطرد جبارة “طبعا توجد أمور تحتاجها المدينة بشكل ملح، فمثلا نتعاون حاليا لبناء مرافق عامة في السوق، وهناك جمعية لمساعدة النساء الأرامل والأيتام، ولذلك فإن حديقة حيوانات يمكن اعتبارها من البعض وسيلة لهو لا أكثر؛ ومن ثمة لن ينالوا أي ثواب من الله في بذل أي مساعدة مالية لتطويرها”. وأضاف سلام “أهل الزبير محافظون في طبيعتهم منذ القدم، لذلك ينبغي أن يوجد من يوضح لهم الفائدة الترويحية والتعليمية لأولادهم بوجود هكذا حديقة. والحقيقة لا يعرف الكثيرون أن في الزبير حديقة حيوانات بسبب تقصير القنوات الرسمية الإعلامية، كالتلفزيون والصحافة، والإذاعة، والمنظمات المدنية في الترويج لهذا المشروع، وغض البصر عنه”.

مشاركة :