الدوحة تحاول تبرير تراجع الثقة بمستقبل الاقتصاد القطري من خلال نسج نظريات مؤامرة تشترك فيها جميع أسواق المال العالمية، وهو أمر لا يمكن حدوثه على أرض الواقع. ويعاني الاقتصاد القطري من شلل كبير بسبب المقاطعة الشاملة التي تفرضها عليه كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، والتي شملت إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية بسبب دعم الدوحة للإرهاب. وقد أدّى ذلك إلى خلل واسع في جميع النشاطات الاقتصادية بسبب صعوبة توفير بدائل للسلع التي كان معظمها يأتي من السعودية والإمارات، ويشمل ذلك إمدادات السلع الاستهلاكية ومواد البناء وصولا إلى قطع غيار السيارات والمعدات. وتؤكد البيانات الرسمية القطرية أن أسعار العقارات سجلت تراجعات كبيرة بسبب عزوف المستثمرين عن البلاد، رغم الحوافز غير المسبوقة التي قدمتها الدوحة لإقناعهم بمواصلة نشاطهم في البلاد. وأدّت المقاطعة إلى سحب ودائع بمليارات الدولارات من البنوك القطرية وتعطيل خطوط الشحن الملاحي إلى قطر وإغلاق حدودها مع السعودية التي كانت معبرا للكثير من وارداتها من الغذاء ومواد البناء. وشهد الريال القطري منذ فرض المقاطعة في 5 يونيو الماضي تراجعا في سوق الصرف الخارجية مقارنة مع السوق المحلية التي بقي فيها قريبا من سعر الربط الرسمي البالغ 3.64 ريال للدولار، من خلال إجراءات قاسية وصلت حد حجم السيولة عن السوق القطرية. وتراجع سعر تداول الريال في التعاملات الآجلة في أسواق المال العالمية نهاية الشهر الماضي ليصل إلى نحو 3.90 على منصة رويترز مقارنة بسعر الربط بالدولار الذي تدافع عنه الدوحة عند 3.64 للدولار. ويعني ذلك وجود فجوة تصل إلى أكثر من 7 بالمئة بين السعرين. ويؤكد ذلك حجم الثمن الباهظ التي تدفعه الدوحة للدفاع عن قيمة الريال، حيث تؤكد الأرقام الرسمية أنها ضخت 40 مليار دولار لمعالجة أزمة السيولة، لكن الأموال سرعان ما تتسرب إلى الخارج. ويرى مراقبون أن تلك الأرقام الرسمية لا تكشف الصورة كاملة. وهم يرجحون أن تكون مؤسسات سيادية قطرية قد ضخت مبالغ أخرى كبيرة دون الإفصاح عنها. ويقول مصرفيون إن السيولة المتوافرة في سوق الصرف تضررت كثيرا بسبب ممانعة البنك المركزي والبنوك القطرية الحكومية في توفير العملات بسبب خشيتها من استخدام تلك الإمدادات في المضاربة على الريال. وتسبب نزوح رأس المال في نضوب الاحتياطيات في الأشهر التي تلت فرض العقوبات. ويرى محللون أن نزيف الأموال التي تضخها المؤسسات السيادية لمعالجة شحة السيولة سيستمر ويتفاقم مع استمرار المقاطعة التي تفرضها السعودية والإمارات ومصر والبحرين. وقد دحضت مؤسسة أم.أس.سي.آي لمؤشرات الأسواق مزاعم الدوحة الشهر الماضي وأكدت أنها قد تسحب قريبا ثقتها بالسوق القطرية وبالسعر الرسمي للريال في ظل اتساع الفجوة بين السعر الرسمي ورهان الأسواق العالمية على انخفاض قيمته الذي يبدو مرجحا. وأشارت إلى أنها قد تستخدم أسعار الصرف الخارجية لحساب قيمة سوق الأسهم القطرية في خطوة قد تغير وزن الأسهم القطرية على مؤشر أم.أس.سي.آي للأسواق الناشئة. وتشير التقديرات إلى أن حجم الأصول الخارجية التي باعتها الدوحة والاستثمارات التي قامت بتسييلها يصل إلى 40 مليار دولار في محاولة لمعالجة أزمة السيولة المتفاقمة في البلاد بسبب حركة الأموال باتجاه واحد نحو الخارج. وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد ذكرت بداية الشهر الحالي أن الدوحة قد تضطر لخفض الإنفاق الرأسمالي على المشاريع الحكومية إذا اشتد الضرر الذي لحق باقتصاد البلاد جراء المقاطعة. ويرى العديد من المحللين أن تغيير نظرة وكالات التصنيف الائتماني العالمية إلى الاقتصاد القطري يمكن أن يقوض الثقة في اقتصـادها ويفـاقم المتاعب المـالية في المستقبل. ويجمع المحللون والمستثمرون على أن أزمة الاقتصاد القطري تتفاقم يوما بعد يوم، وأن نظريات المؤامرة التي تنسجها الدوحة والشكاوى التي توزعها يمينا وشمالا تكشف عمق الأزمة التي أدت إلى موجة نزوح كبيرة للأموال من البلاد.
مشاركة :