بعد تأسيسهم جمعيّة "شمس" للدفاع عن المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً، أطلق نشطاء تونسيون إذاعة إلكترونية في "مغامرة" جديدة محفوفة بالمخاطر والتحديات. ما رسالة ورؤية الإذاعة؟ وما هو حجم الدعم الذي تتلقاه؟ حوالي أربعة آلاف تهديد "أغلبها بالقتل" تلقّاها بوحديد بلهادي (25 عاماً) على صفحته في فيسبوك منذ أن أعلن (يوم 11 كانون الأول/ديسمبر 2017) عن تأسيس إذاعة "شمس" الإلكترونية أو "شمس راد": أوّل إذاعة للمثليين في تونس والعالم العربي. بوحديد، مدير الإذاعة، أقرّ بأن إطلاق إذاعة للمثليين مغامرة في تونس حيث "يغلّب المجتمع ثقافة النقل على العقل" في إشارة إلى ثقل التراث الديني الذي يجرّم العلاقات الجنسية المثلية. تهديدات بالقتل والتصفية انطلقت الإذاعة الممولة من سفارة هولندا بتونس في بث برامجها اليوم الاثنين (18 كانون الأول/ديسمبر 2017). ولم يخف نضال الزيدي (22 عاماً) مدير البرامج في الإذاعة خشيته على نفسه وعلى طاقم الإذاعة من "تهديدات بالقتل والتصفية" وصلتهم من متطرفين، داعياً السلطات إلى توفير حماية لهم. الزيدي أصبح محور حديث وسائل الإعلام والشارع التونسي الذي لم يستوعب كيف تحوّل شاب "يحفظ أجزاء من القرآن" و"إمام سابق" بأحد مساجد ولاية المنستير، وسط البلاد، إلى "شاذ جنسي" يضع "قرطاً في حاجبه"، حسب ما كتبت بعض وسائل الإعلام. وقد أقرّ الزيدي في حوار مع DW عربية بأنه سبق له فعلاً إمامة مصلين في "مناسبة واحدة" خلال شهر رمضان عام 2013 عندما كان "مراهقاً عمره 18 عاماً ويبحث عن شخصيته" على حد تعبيره. "استراتيجية إعلامية" لمكافحة "رهاب المثلية" "أمام تغييب وتشويه الأقليات الجنسية في الإعلام التونسي وتعاطيه غير المهني وغير الموضوعي مع هذه الأقليات وتواصل انتهاك حقوق الأقليات الجنسية ونشر خطابات كراهية ودعوات عنف ضد المثليين على شبكات التواصل الاجتماعي، وضعت جمعية شمس للدفاع عن المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً، استراتيجية إعلامية بديلة بدأت بإطلاق مجلة إلكترونية تحمل اسم (Shams mag) صدر عددها الأول في آذار/مارس 2017، ثم إذاعة إلكترونية بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستمعين" حسبما صرّح بوحديد بلهادي لـDW عربية. تهدف هذه "الاستراتيجية"، وفق بلهادي، إلى "نشر ثقافة قبول الآخر المختلف، دون وصم أو تمييز" ومكافحة "رهاب المثليّة الجنسيّة" (هوموفوبيا) باعتباره "السبب الرئيسي للانتهاكات والاعتداءات التي يتعرض لها المثليون في تونس". ولخّص مدير الإذاعة أهم هذه "الانتهاكات" في إخضاع الشرطة التونسية باستمرار المشتبه في مثليتهم الجنسية إلى "فحوص شرجية" لإثبات ممارساتهم الجنسية المثليّة ثم محاكمتهم بموجب الفصل 230 من القانون الجنائي الذي يعاقب "مرتكب اللواط أو المساحقة بالسجن مدة ثلاثة أعوام". تخضع الشرطة التونسية المشتبه في مثليتهم الجنسية إلى "فحوص شرجية" "رصد" للانتهاكات والعنف وستقوم إذاعة "شمس"، وفق مديرها، بـ"رصد" ما يتعرض له المثليون في تونس من "انتهاكات" و"المطالبة بإلغاء الفصل 230 من القانون الجنائي وبقية الفصول القانونية التي تتعارض مع دستور تونس الجديد الصادر سنة 2014 الذي نص على ضمان الحريات الفردية وعدم التمييز، مهما كان نوعه، بين المواطنين". على الرغم من "خطها الملتزم بالدفاع عن الأقليات الجنسية"، إلا أن إذاعة شمس "لن تدعو إلى المثلية الجنسية والإباحية أو تشريع زواج المثليين" هكذا علق نضال الزيدي على أبرز الاتهامات التي تواجهها جمعية وإذاعة شمس في تونس اليوم. وقال الزيدي الذي سبق له العمل مقدم برامج سياسية في إذاعة محلية تبث من ولاية المنستير (وسط)، إن إذاعة شمس ستكون "إذاعة عامة تقدم برامج اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية وبإمكان أيّ شخص من أي فئة عمرية الاستماع إليها" لافتاً إلى أن "العاملين في الإذاعة ليسوا كلهم مثليين". وأضاف أن أمينة السبوعي الناشطة النسويّة السابقة في منظمة "فيمن" لعاريات الصدور، ستقدم برنامجا "اجتماعياً" حول أشكال العنف التي تتعرض لها النساء اليوم في تونس مثل التحرش الجنسي والاغتصاب. "تجريم قانوني" و"رفض مجتمعي" "تعتبَر وضعية المثليين في تونس أفضل بكثير مما هي عليه في دول عربية أخرى، إلا أنها تبقى هشة بسبب التجريم القانوني للمثلية الجنسية، والرفض المجتمعي الواسع لهم في تونس" وفق الحقوقي منير العش. وقال الباحث لـ DW عربية "كان المثليون يعيشون متخفين إلى أن جاءت الحريات مع ثورة 2011، فخرجوا إلى العلن وأسسوا جمعيات ونظموا اجتماعات، ورفعوا علم قوس قزح في بعض التظاهرات، وتحدثوا في وسائل إعلام وأخيراً أسسوا إذاعة". الحقوقي منير العش: أصوات حداثية قليلة أعلنت تضامنها مع جمعية شمس ولاحظ العش: "كلما تناولت وسائل الإعلام التونسية موضوع المثلين إلا وتنامى رفض المجتمع لهم. رأيناسائق تاكسي في العاصمة يعلق على زجاج سيارته لافتة تمنع ركوب المثليين، وصاحب مطعم يعلق على واجهة محله لافتة تمنع دخولهم". الداعية التونسي بشير بن حسن ذهب إلى حد اعتبار تأسيس إذاعة للمثليين في تونس بأنه "نوع من أنواع الإرهاب" مطالباً السلطات بـ"التصدّي" له "قبل أن تنزل بنا نقمة الله". "حذر" من اليسار و"تقاعس" من دعاة حقوق الإنسان ولفت منير العش إلى أنه حتى الأحزاب السياسية اليسارية "التقدّمية" في تونس "تتوخى الحذر الشديد" عند التطرق إلى موضوع المثلية الجنسية خشية أن تجلب إلى نفسها "سخط الشارع" مشيراً إلى أن "أصواتاً حداثية قليلة" أعلنت تضامنها مع جمعية شمس بعد تلقيها تهديدات مؤخراً. وقد أعربت آمنة القلالي مديرة مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تونس عن خيبة أملها بسبب "عدم تسامح" أشخاص "يزعمون الدفاع عن حقوق الإنسان" مع المثليين عقب إعلانهم عن تأسيس إذاعة. بالإضافة إلى التهديدات الأمنية، تواجه إذاعة المثليين "تحديّات في التمويل ونقص في العاملين المحترفين، حيث لن تجرؤ أي شركة على الإعلان فيها، ولن يقدم صحافيون محترفون على العمل معها خوفاً من ردة فعل الإسلاميين والحملات التي سوف يشنّونها والتي قد تصل إلى المساس بالممتلكات والأجساد" وفق منير العش. حاتم الشافعي
مشاركة :