مدينة باري الإيطالية التي تقول إن رفاته مدفونة في أرضها. كان مسؤول تركي أعلن في أكتوبر/تشرين الأول أن عظام القديس نيكولاس، وهو أسقف مسيحي يحظى بتقدير كبير ويعتبر مصدرا ملهما لشخصية سانتا كلوز، ربما لا تزال في مكان دفنها الأصلي في كنيسة بمنطقة ديمره (مدينة ميرا القديمة) بجنوب تركيا. تُوفي القديس نيكولاس الذي اعتاد على منح الأطفال المحتاجين هدايا دون أن يكشف عن شخصيه في عام 343 ميلادية، ويسود اعتقاد بأن عظامه نقلت إلى باري بجنوب إيطاليا بعدما أغار أشخاص على الكنيسة ونهبوها في عام 1087 وأخذوها معهم. وبالطبع أثار الإعلان بأن العظام لا تزال في تركيا رد فعل غاضبا في باري حيث ينظر للقديس نيكولاس بأنه القديس الراعي للمدينة. ورفض أبناء باري الأنباء ووصفوها بأنها محاولة للتقليل من مكانة الآثار القديمة ببلدتهم بعدما لم تجد دعوات تركية سابقة بإعادة عظام القديس استجابة في إيطاليا. لا نقاش! وأكد الأب جيراردو سيوفاري، وهو قس دومنيكي أسس "سنترو ستودي نيكولياني" في باري وأحد أكبر الخبراء بتاريخ القديس نيكولاس أن قبره في باري مزار مقدس. وقال إن "آثار الكنيسة في باري تحظى بالتقدير من المؤمنين من كل أنحاء العالم وأي شخص يمكن أن يصلي عند قبر القديس نيكولاس". وقال إن السرداب في باري مفتوح أيضا أمام غير الكاثوليك من أجل الصلاة. وأضاف يقول "الكنائس المسيحية التي تعترف بالعشاء الرباني مثل الأورثوذكسية والأرمينية والقبطية المصرية تحتفل بالقداس في السرداب". ويقام في كثير من الأحيان قداس أورثوذكسي عند بقايا كنيسة القديس نيكولاس في ديمره، وأقيم أخر مرة في السادس من ديسمبر وهو تاريخ وفاة القديس. لكن الأب جيراردو يتذكر أوقاتا طيبة. وقال "كانت لنا علاقات ممتازة مع تركيا وذهبت إلى هناك ثلاث مرات لمؤتمرات بشأن القديس نيكولاس، وصليت في كنيسته جنبا إلى جنب مع مصلين مسلمين". لكن منذ بدء الألفية تغيرت الأمور "في كل عام وقرب الاحتفال في ديسمبر تظهر مشكلات مع الأتراك الذين يطالبون باستعادة الآثار مما أدى إلى فتور العلاقات". جرى تغيير اسم الموقع إلى "متحف الأب كريسماس" بدلا من "كنيسة القديس نيكولاس" ووجه التركيز إلى شخصية سانتا كلوز الخيالية المعروفة على مستوى العالم. تغطية إعلامية حذرة وتقريبا كل التغطية الإعلامية الدولية لاكتشاف عظام القديس نيكولاس تعود إلى تقرير في صحيفة حريت ديلي نيوز الصادرة بالإنكليزية في تركيا الذي يبدو أنه نسخة منقحة ومترجمة بشكل سيئ لمقال آخر من النسخة التركية لحريت. وفي المقال التركي الأصلي، يتحدث جميل كارابايرام مدير المسح والآثار في أنطاليا عما توصل إليه مسح بالرادار عقب إعلانه في أغسطس/آب عن شروع فريقه في البحث عن قبر القديس نيكولاس. جرى تخفيف اللهجة الواثقة الموجودة في التصريحات الأصلية بشيء من الحذر في النسخة الإنكليزية للصحيفة. وأحالت البروفيسور سيما دوجان المدرسة بكلية تاريخ الفن في جامعة حجه تبه ومدير عمليات الاستكشاف في ديمره الأسئلة التي وجهت لها بشأن المسوح المأخوذة بالرادار داخل وحول كنيسة القديس نيكولاس إلى كارابايرام. ولم يتم الرد على رسائل بالبريد الالكتروني إلى كارابايرام وإلى مديرية المسح والآثار في أنطاليا. والتزمت ردود الفعل من الخبراء الدوليين الحذر وانتقدت كثير منها انتقادات للتغطية الصحفية. وقالت كارول مايرز مديرة موقع (سينت نيكولاس سنتر) الذي يعرض دراسات وروايات عن القديس نيكولاس "من المبكر جدا تخمين ما الذي اكتشف في الكنيسة في ديمره". وقالت إن الأفضل انتظار عمل خبراء الآثار وحذرت "يتعين القيام بمجهود كبير قبل القطع بأن الاكتشاف في ديمره هو قبر القديس نيكولاس، وببساطة شيء كهذا غير ممكن إذ ينبغي العثور على هيكل عظمي يعود إلى فترة حياته ومعرفة أنه يخص الأسقف". وحتى هذا لن يقوض زعم باري على الأرجح. وقالت مايرز "توجد مواد رئيسية مفصلة تخص العظام التي نُقلت إلى باري. هذه القصة قوية للغاية وموثقة جيدا ومواقع الحج الحالية راسخة جيدا لدرجة انني أتوقع أن تأكيدا بوجود القبر سيقابل بالإهمال". تعزيز السياحة وفي هذه الأثناء، لم تخف السلطات التركية آمالها في أن القديس نيكولاس قد يعزز السياحة. ونقلت حريت عن كارابايرام قوله "إذا تأكدت النتائج فإن السياحة في أنطاليا ستزداد. إذا صدقت توقعاتنا لن توجد وظائف شاغرة في ديمره". وعلى نحو غير معهود بالنسبة للمنطقة الساحلية التركية، يوجد عدد قليل من الفنادق والشقق المخصصة للإيجار متاحة للسائحين في ديمره إذ لا تزال الزراعة مهيمنة على الاقتصاد المحلي. وعلى بعد 50 كيلومترا إلى الغرب، يعج منتجع كاش على البحر بسائحين غربيين وروس، وعلى مسافة 80 كيلومترا إلى الشرق توجد "أوليمبوس" الوجهة المفضلة لراغبي الأماكن المفتوحة. ديمره حقا "سندريلا" ما يعرف باسم "ساحل التركواز" وهو شاطئ طويل ونقي يمتد من بلدة اندرياكي الساحلية إلى بحيرة مهجورة حتى في ذروة الموسم. لكن الأمور مرشحة للتغير. يجري التخطيط لإقامة مطار كاش المتوقع أن يستقبل خمسة ملايين سائح في العام قرب ديمره ويجري بالفعل تشييد فنادق جديدة. يمر طريق سريعة جديدة وواسعة من أنطاليا بين الجبال والوديان إلى "ممشى تنزه ليكيا" الشهير. وتوجد أيضا خطط لزيادة سياحة السفن السياحية في المنطقة. خطط التنمية تفصل بين رواد الأعمال المحليين والمتخصصين في السياحة. وجمع التماس على الانترنت ضد مطار كاش أكثر من 20 ألف توقيع. ويقول كثير من الناس إن الخطط ستغير السمات الأصلية للمنطقة وستضر بالسياحة التي تعاني في الوقت الراهن من انخفاض أعداد الوافدين، وبالأنشطة ضعيفة الأثر عالية الإيرادات مثل الرحلات والتنزه بالدراجات الهوائية ومشاهدة المعالم الثقافية. القديس نيكولاس هو المصدر الوحيد في ديمره الذي يجذب سائحين أجانب واكتشاف قبر "جديد" حتى وإن كان الاكتشاف مثير للجدل، يناسب بشكل جيد خطط التطوير التي تستهدف استقبال أعداد كبيرة من السائحين. لكن الأب جيراردو يقول إن قبر القديس نيكولاس له تأثير ضعيف على السياحة في مدينة باري. وأوضح يقول "الحجاج يرونه قديسا مسيحيا فقط ويأتون من أجل الصلاة. السائحون يأتون في سفن سياحية لزيارة الكنيسة الرومانية الخلابة لمشاهدة ما تحويه من أعمال فنية. لا أحد يأتي من أجل سانتا كلوز". وتتفق معه كارول مايرز في الرأي وتقول "الحجاج الروس يذهبون إلى ديمره لأنه يوقرون بشدة الأسقف القديس نيكولاس. أشهر قديس في روسيا. وسأندهش إذا كان لهم أي اهتمام على الأطلاق في سانتا كلوز الغربي". "إنه حي وسيحيا إلى الأبد" يثير سانتا كلوز جدلا في تركيا أيضا. فبينما يزين الأتراك العلمانيون منازلهم ويستمتعون بالتسوق في مراكز تجارية تدوي بموسيقى أعياد الميلاد، فإن المحافظين يعترضون على ما يرونه استعمارا ثقافيا. وفي كل عام تشهد تركيا احتجاجات غريبة ومنها "إعدامات" لسانتا كلوز. يصعب تخيل أبوين غربيين يصحبان أبنائهما لزيارة تركيا لرؤية "قبر سانتا كلوز"، فقط "جرينش الشرير" هو من يستطيع أن يزعم أن "سانتا كلوز مات" مثلما قالت العديد من عناوين الأخبار بعد الإعلان التركي. حتى سانتا كلوز نفسه يختلف مع هذا الرأي. ويقول فيليب فينز المتخصص في سانتا كلوز والذي فاز بجائزة "سبيريت سانتا كلوز" عام 2012 " سانتا لم يمت. سانتا كلوز فكر تجسد في هيئة بشر في النموذج الذي عرضه القديس نيكولاس". وأضاف قائلا "روح القديس نيكولاس نموذج يحتذى به. عرض لنا نيكولاس طريقة طيبة للعيش. كان يعطم الجوعى ويحرر المسجونين ظلما وكان يعتني بالمحتاجين. أتمنى أن نحب ونخدم الأطفال في كل الأعمار ونمنح الأمل والحب والمرح ونحن لا ننسى المعنى الحقيقي لعيد الميلاد".(أحوال تركية)
مشاركة :