جندرية عصا المايسترو: عزف النوتات للنساء والقيادة للرجال فقط

  • 12/21/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

فبل أربعة أعوام، احتفى العالم بـ«مارين السوب» أول امرأة تأخذ عصا المايسترو لقيادة الفرقة السيمفونية في الحفل الختامي لمهرجان برموز للموسيقى الكلاسيكية في لندن. "السوب" التي اعتلت منصة المايسترو لأول مرة في تاريخ المهرجان الذي يمتد 118 عاماً، قالت على هامش تلك المناسبة إنها فخورة بأن تكون أول امرأة تعتلي منصة المايسترو في هذا المهرجان العريق، مضيفةً أنها تذكرت قول «الأستاذ» الذي كان يعلّمها العزف على الكمان وهي في التاسعة من العمر: "البنات لم يُخلقن لهذا". ربما كان الأمر ليتكرر في مصر لو أكملت إيمان الجنيدي رحلتها الفنية التي بدأت منذ 33 عاماً وانتهت جليسة في البيت بعد أن استطاعت تحقيق بعض النجاحات وحصدت بضع جوائز مثل أفضل مايسترو بمهرجان الفيوم في عام 2010 بعد قيادتها لفرقة الموسيقى العربية في بني سويف وتقديم أكثر من حفلة ناجحة. الاحتفاء بـ«إيمان» عام 2010 كأول امرأة تتولى منصب «مايسترو» الذي يعد حكراً على الرجال في مصر لم يدم طويلًا، وحديثها عن الصعوبات التي واجهتها حتى ذلك الوقت جزء صغير مما عانته بعد ذلك حتى قررت الجلوس في البيت مكتفية بإنشاء مركز لتعليم الموسيقى في محافظتها. تقول إيمان لـ«رصيف22» إن عام 2010 كان الأفضل لها على الإطلاق، فبعد التكريم وتحقيق بعض الخطوات الناجحة جاءت ثورة 25 يناير وتوقف عندها النشاط الفني والمهرجانات في المحافظات، لتبدأ رحلة التماس طريق لها في  دار الأوبرا التي تعدّ المعقل الرئيسي للفنون والآداب في مصر.أقوال جاهزة شاركغردالمؤسسات الفنية في مصر وعلى رأسها دار الأوبرا تفضل الرجل على المرأة رغم أن رئيسة دارة الأوبرا امرأة شاركغرد 70% من العازفين والموسيقيين في فرق الموسيقى العربية نساء و30% رجال لكنها فوجئت بالكثير من الصعوبات، أولاها أن دار الأوبرا تركز فقط على  ترقية العازفين العاملين في القاهرة ولا تنظر إلى من هم في الأقاليم، ومع مركزية الدولة فإن أي جهد في الأقاليم لن يظهر للنور برغم التكريم الإعلامي الذي قوبلت به في عام 2010، تقول إيمان. تكمل«الجنيدي» أنها عرضت على دار الأوبرا المصرية في عام 2012 تنظيم حفلات لفرقة الموسيقى العربية ببني سويف داخل مقر الأوبرا، فالفرقة موجودة بالفعل لكنها معطلة بسبب عدم وجود أي مشاركات فنية، وبالتالي ليس لها أي قيمة، وطلبت أن يتم تنظيم حفلات لها، ورغم أنه لا يوجد أي مانع قانوني لأن فرقة الموسيقى العربية قانونياً تتبع دار الأوبرا، إلا أنه لم يرد أحد ولم تتلقَّ رداً من الدار حتى الآن. وتوضح أول مايسترو في مصر أنها واجهت خلال عملها الكثير من المشكلات وتدرك أن قيادة فرقة موسيقى أمر يستحق التفرغ طويلًا، لكن غلق الأبواب ورحيل أعضاء الفرقة واحداً بعد آخر بسبب تعطل العمل، جعلها تتجه في البداية إلى تعليم الأطفال للموسيقى، ومنذ عام 2016 وهي مهتمة من خلال مركزها الموسيقي رعاية الموهوبين بعيداً عن أي قيادة فنية. أكمل القراءة وهل هناك ما يمنع النساء من تولي منصب المايسترو؟ تنفي إيمان الجنيدي بدليل أنها استطاعت فعل ذلك. صحيح أن تلك المهنة تستلزم القدرة على القيادة بشكل جيد وإدراك التقنيات الفنية وتذليل العقبات أمام العازفين والتفرغ لوقت طويل، لكن هناك آلاف النساء يستطعن فعل ذلك. إذإً ما المشكلة؟ تشير إيمان إلى أن قبل ثورة يناير 2011 كان هناك اهتمام سياسي من الدولة بالمرأة بشكل عام، وذلك الفضل كان يعود لسوزان مبارك زوجة الرئيس الأسبق، وأكبر دليل على ذلك، كما تقول إيمان، ترقية الدكتورة إيناس عبد الدايم لنائب أكاديمية الفنون بالقاهرة في 2010. لكن بعد الثورة لم يكن هناك مثل هذا الاهتمام، ولم تكن العوائق سياسية فقط. فخلال مشوارها الفني، تعرضت للكثير من المضايقات، كانت أولاها أن بعض العازفين لم يكن يروقهم أن تقودهم امرأة في العزف، خاصة أن المايسترو كما تقول لا يتعلق بكونه قائداً فنياً فقط بل يجب أن يكون هناك بينه وبين أفراد فرقته ألفة، وأن يستطيع تهيئتهم نفسياً ويكون قائداً انسانياً أيضاً، ولولا عملها بعض الوقت خارج مصر لما استطعت التغلب على تلك المشكلات. والمشكلة الثانية هي التفرغ الكامل، فقيادة فرقة موسيقية يعني الحضور قبل الجميع والمغادرة ومتابعة البروفات والتحدث مع العازفين للتعرف عليهم وحل مشاكلهم قدر الإمكان، وهذا يتطلب وقتاً كبيراً خارج البيت قد لا يسمح به بعض الأزواج للأسف، لكن تظل المشكلة الحقيقية هي أن المؤسسات الفنية في مصر وعلى رأسها دار الأوبرا لا تزال تفضل الرجل على المرأة رغم أن رئيسة دارة الأوبرا امرأة. لكن لرئيسة دار الأوبرا رأياً آخر. الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا المصرية تنفي ما قالته «إيمان» عن أن هناك تعسفاً في بعض الأوقات، وتقول لـ«رصيف 22» إن قادة الفرق الموسيقية «المايسترو» في مصر قليلون بسبب وجود قسم واحد مسؤول عن تخرجهم وهو قسم التأليف والقيادة في معهد الكونسرفتوار، وفي الأوبرا يوجد 20 مايسترو فقط. وتضيف «إيناس» أن هناك عدة معايير تحكم من يتولى قيادة فرقة للموسيقى العربية أو أي فرقة أخرى تابعة للدولة، على رأس تلك المعايير أن يكون المؤهل للمنصب درس في معهد «الكونسرفتوار» قسم تأليف وقيادة، ولديه الكثير من ملكة القيادة ومُدرك لواجباته الفنية وللألفة بين أعضاء الفرقة التي يكون لها رأي حاسم في اختيار من يقودهم، وذلك عُرف متبع عالمياً. والاختيار يكون في حالة خلو مكان لأن المايسترو مهنة لا يحددها عمر، وبالتالي فإن التغيرات قليلة، أما الحديث عن تفضيل الرجال أو حتى من هم في العاصمة دون الأقاليم فهو أمر غير دقيق، لأن 70% من العازفين والموسيقيين في فرق الموسيقى العربية نساء و30% رجال. "لا سبب محدد». هكذا تفسر إيناس عبد الدايم عدم وجود مايسترو امرأة في الحفلات الموسيقية التي تنظمها دار الأوبرا أو في مهرجان الموسيقى العربية، مشيرةً إلى أن القيادة تتطلب الكثير من الوقت والدراسة، وقد لا يتوفر ذلك للنساء في مصر، في ظل المسؤوليات الأخرى التي يفرضها المجتمع على المرأة، لكنها تؤكد في الوقت نفسه، أن هناك بعض العازفات في الأوبرا واعدات جداً. ما وظيفة المايسترو؟ يخبرنا المايسترو رضا رجب أن هناك مهمتين لقائد الأوركسترا، الأولى تتعلق بالنواحي الفنية والتي تمثل في الإدراك الكامل بالنوتة ودراسة التأليف الموسيقى وطبيعة الآلات الموسيقية، وتنظيم إيقاع الفرقة ومعالجة قصور بعض العازفين وإدارة الحفل فنياً بصورة جيدة، خاصة أن تعدد الآلآت واندماج بعض العازفين في الكثير من الأحيان في عزفهم يحتاجان دوماً إلى شيء من الرعاية، الأمر أشبه بقيادة سفينة، إذ كل شيء موجود، لكن يجب أن يكون هناك قائد يقرر أي طرق سنسلكها. المهمة الثانية كما يوضحها رضى لـ«رصيف22» تتعلق بالناحية الإنسانية، فواجب القائد تهيئة المناخ النفسي الجيد لإبداع العازفين، وهذا يستلزم أن يكون قريباً منهم لإعطائهم الثقة ليبوحوا له بمشاكلهم التي يمكن أن تؤثر على عملهم، وذلك لا يتعارض مع روح القيادة، أما عن النساء فيرى أنهن بعيدات عن منصب المايسترو لأنهن لا يفضلن الدراسة الطويلة وتحصيل الخبرات التي يستلزمها هذا المنصب، فضلاً عن صعوبة العمل. « ليس من باب التفضيل بل من باب الواقعية»، ترد أميرة محمد العازفة على آلة «الكمان» بدار الأوبرا المصرية، وخريجة معهد الكونسرفتوار، مؤكدةً في حديثها إلى «رصيف22»: "أن جميع الدارسات في معهد الكونسرفتوار يعلمن منذ البداية أن قسم التأليف والقيادة للرجال فقط، وخلال 4 سنوات درّست في قسم «آلات العزف الإيقاع» لم أرَ امرأة تدرس". أسباب كثيرة منعت «أميرة» من الالتحاق بقسم التأليف والقيادة، فعدا أن الدراسة 7 سنوات مقارنة بالأقسام الأخرى ومدتها 4 سنوات، هناك التراكمات التاريخية والصورة الذهنية التي صورت تاريخ الفرق الغنائية كلها بأن هناك مايسترو يرتدي «البدلة» ويقود الفرقة ولم يتعود العازفون رؤية امرأة تقود رغم أنهم اعتادوا رؤيتها على رأس المؤسسات الثقافية . "أثناء عملي، كان هناك زميلة تخرجت من هذا القسم وكانت مثار حديث طويل كونها استطاعت ما لم نستطع فعله، ورغم مهاراتها لم تجد فرصة للقيادة حتى بعد التخرج وانتهى بها الأمر إلى أن سافرت للخارج"، تضيف أميرة. ويوضح مصطفى جرانه، عميد المعهد العالي للموسيقى الكونسرفتوار، عاملاً آخر قد يكون وراء عدم وجود مايسترو امرأة، فيقول لـ«رصيف22» إن التعليم في المعهد في قسم التأليف والقيادة ليس كافياً لأن يكون هناك قائد أوركسترا، وهذا بسبب ضعف الإمكانات. ففي الخارج، هناك دراسة بشكل أعمق ومنح حق التجربة. لذلك فإن معظم من قادوا الفرق الموسيقية سافروا للخارج، وهناك حصلوا على بعض الشهادات الفنية وشاهدوا تجارب الآخرين قبل العودة لمصر. وبالنسبة للفتيات، فإن السفر للدراسة قد يكون عائقاً وبمجرد أن يكون هناك اثنان أحدهما درس في المعهد ثم حصل على دراسات أخرى في الخارج، والثاني درس في المعهد يكون الأفضلية للأول بكل تأكيد. اقرأ أيضاًهل تلقى الأوبرا آذاناً مُصغية في العالم العربي؟كوكوش، أسطورة إيران الغنائيةتعرفوا إلى ملكة البوب التركي، سيزين آكسورسالة من نساء بنما لسيدات مصر: اِلعبن الموسيقى ولا تتركن مجتمعاً ذكورياً يسيطر عليكن كلمات مفتاحية المرأة مايسرو موسيقى التعليقات

مشاركة :