هل-تشعر-السعودية---بالإرهاق؟

  • 9/29/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

لا أحد يشعر بالإرهاق أكثر من الديبلوماسية السعودية، التي دخلت في اختبار صعب، منذ انطلاق «الربيع العربي» في 17 كانون الأول (ديسمبر) عام 2010 في تونس، حينما خرج شعب تونس في مظاهرة كبيرة، احتجاجاً على الوضع المتردي للبلاد، وقتها هرب الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي إلى خارج البلاد، وفوجئ المسؤولون في مطار جدة بأن طائرة الرئيس المخلوع تطلب الإذن بالنزول، وقتها تحملت الديبلوماسية السعودية الكثير من الانتقادات والغضب من التونسيين وغيرهم، على أنها تدعم الهاربين، كان الأمر صعباً بتصحيح هذه الصورة للشعب التونسي، والذين اعتبروا أنها خطوة مضادة للحرية، إلا أن الرد السعودي جاء ما يعزز موقف الشعب التونسي، وبالفعل قدمت كل الدعم والمساندة لرغبة الشعب، وكانت إقامة الرئيس المخلوع ضمن ضوابط وقيود صارمة. ولم تكد أزمة تونس تنتهي، حتى لحقتها ثورة 25 يناير2011 في مصر، ونتج منها إسقاط حكم الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، ومن جديد تعرضت الديبلوماسية لهزة، إلا أنها استطاعت أن تعيد ثقتها مع الشارع المصري، حينما قدمت دعماً ديبلوماسياً واقتصادياً للمرشح الرئاسي الذي اختاره الشعب، وبلغ حجم الدعم والاستثمارات التي قدمتها السعودية لمصر أكثر من 23 بليون دولار، وفي كل مرة تتمدد نيران «الربيع العربي» كانت السعودية الأكثر تضرراً، ديبلوماسياً واقتصادياً، وكل هذا من أجل عدم انفلات الأمور وآثار انعكاسها على المجتمعات العربية، وتتحول إلى كابوس لشعوبها، فدعمت بقوة الثوار في ليبيا، ولعبت الديبلوماسية السعودية في مركز صناعة القرار في مجلس الأمن بأهمية حماية الشعب الليبي. في الملف اليمني وجدت السعودية نفسها أمام خيارات متعددة وصعبة. انقسام الشارع اليمني مع الثورة، إلا أنها وقفت على الحياد، واستطاعت بمشاركة دول الخليج احتواء الأزمة حينها مع النظام السابق، وبناء على رغبة الشعب اليمني بضرورة أن يترك الرئيس علي عبدالله صالح، وفي تلك الظروف الصعبة في اليمن، وموقف بعض القبائل من السعودية، تعاملت الديبلوماسية السعودية برباطة جأش وحكمة، وعلى رغم مماطلة وتلاعب الرئيس صالح، وما تسبب من قتل المزيد والدمار، تحملت السعودية الانتقادات التي كانت توجه إليها، على أنها تعمل لمصلحتها، ولا يمكن لعاقل ومتابع للأحداث أن ينكر مواقف السعودية مع الشعب اليمني الشقيق، في تنفيذ مشاريع تنموية، ودعم الحكومة اليمنية، سواء في عهد الرئيس المخلوع أو بعد قيام الثورة وإسقاط النظام وحتى الآن. تحملت السعودية من اليمن الكثير من الأذى الذي لحقها، من خلال استمرار التسلل عبر حدودها، لإرهابيين ومروجي مخدرات، وطرحت المشروع الخليجي للخروج من الأزمة والصراع اليمني القبلي. دخلت إيران ضمن الصراع السياسي في المنطقة، من خلال الانتافضة اليمنية والثورة السورية، الديبلوماسية السعودية وجدت نفسها من جديد أمام الانتقادات التي وجهت إليها، واعتبر كثير من المحللين أنها تصفية حسابات مذهبية وطائفية بين عملاقي المنطقة، واستطاعت إيران أن تحول الثورة السورية واليمنية إلى صراع طائفي ومذهبي، في سبيل تغيير أوراق اللعب في المنطقة، فبعد تدمير العراق كوطن واحد، هي الآن تمزق سورية واليمن، وحاولت شق الاتحاد الخليجي، حينما زرعت فتنة في البحرين وقطر، إلا أن الخليجيين تنبهوا إلى هذا الفخ، وعلى رغم ما شابها من تصريحات وتبادل اتهامات بين الدولتين الخليجيتين قطر مع دول شقيقة أخرى، الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وبالفعل استطاعت هذه الدول معالجة الأزمة، وديبلوماسية رفيعة المستوى التي زارت دول الخليج وتمثلت في وزيري الخارجية والداخلية ورئيس الاستخبارات. الحقيبة الديبلوماسية السعودية ظلت تحلق في الفضاء، تتنقل من دولة إلى أخرى، وإلى أصحاب صناعة القرار والمؤثرين عالمياً، تعاملت السعودية مع كل هذه الأزمات بكثير من الحكمة، بالتأكيد يهمها بالدرجة الأولى أمن المنطقة وأمن بلادها وشعبها. والخروج من الصراع السياسي في المنطقة. ويبدو أن مسار الثورة أخذ منحى آخر، بعد أن تحولت إلى ثورة مضادة عكسية، واستولى عليها تجار الأسلحة، ومروجو الأفكار المضللة، وأوجدت إيران لنفسها فرصة لتحقيق مكاسب، حتى وإن كانت على حساب الشعوب. من جديد الديبلوماسية ظهرت على السطح، إنما هذه المرة يدعمها الأمن الوطني وجهود وزارة الداخلية لمواجهة المد الطائفي، الذي تسعى إيران إلى قذفه كثعبان يريد أن يلدغ، أرادت أن تخيف منطقة الخليج بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، هذه المرة كان لا بد للسعودية من أن تتحرك بشكل أقوى وأكثر فعالية، إلى جانب الديبلوماسية السعودية التي أفضت إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، من خلال دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، ودول الخليج، فقد برز لاعب مهم لمواجهة الأزمة، وهو جهاز وزارة الداخلية، التي حتى الآن استطاع تحقيق مكاسب على أرض المواجهة، إما بالقبض المبكر عليهم، أو ملاحقتهم، وهذا ما يدعم الأمن الداخلي، سواء أصحاب الأفكار المتشددة أم المسوقين للطائفية لدعم الموقف الإيراني. التعاون الدولي مطلوب، لمواجهة تداعيات الصورة المضادة في منطقة الشرق الأوسط، وتبقى الديبلوماسية السعودية في حال استعداد مستمر، مع استمرار بقاء النظام السوري، وترقب عما يسفر عنه الصراع القبلي في اليمن، واستقواء الحوثيين، وهذا يعني المزيد من الإرهاق والقلق للديبلوماسية السعودية، ومزيداً من التحديات لملاحقة من يروج الأفكار الطائفية، ويجعل المنطقة وأجهزة الأمن في حال استعداد.

مشاركة :