أكد معالي الشيخ الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء أن الاحتفاء بذكرى بيعة خادم الحرمين الشريفين ينطوي على دلالات ومضامين عميقة من أهمها البعد الديني، حيث قامت هذه الدولة المباركة على الثوابت الشرعية في كل مناحي الحياة، وقال معاليه: إن حنكة وحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ورؤيته المستنيرة وقراراته الحازمة حفظت ثوابت المملكة وقطعت الطريق على دعاة الفتنة والشر. وأوضح د. أبا الخيل أن الوحدة الوطنية والالتفاف حول ولي الأمر هي الحصن ودليل خيرية وتميز هذه البلاد وأهلها.. جاء ذلك في حوار شامل أجرته «اليمامة» مع معاليه بمناسبة الذكرى الثالثة لبيعة خادم الحرمين الشريفين فيما يلي نصه: ذكرى الوفاء والولاء والسؤدد * يحتفي وطننا الغالي بالذكرى الثالثة للبيعة المباركة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - كيف ترون مسيرة المملكة في عهده -حفظه الله-؟ - من منن الله جل وعلا، وآلائه التي لا تعد ولا تحصى أن أنعم على هذه البلاد بقادة أوفياء، وولاة أمر أماجد، ساروا على نهج المؤسس الباني الموحد الملك عبدالعزيز - رحمه الله- في التمسك بالثوابت والأسس التي قامت عليها هذه البلاد المباركة، حتى عهد مليكنا المفدى وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله- الذي تمر علينا في هذه الأيام الذكرى الثالثة لبيعته المباركة وهي بلا شك ذكرى عظيمة، ذات أبعاد مهمة جليلة، نتذاكر بها حجم النعم وواجبنا تجاهها، ومسؤوليتنا تجاه المهددات والمخاطر، وهذه الذكرى التي ذكرى الوفاء والولاء، واللحمة والإخاء، والسؤدد والإباء، ذكرى ممتدة تجسد كل معاني المحبة والترابط والتعاون والتكاتف لأنها تعد امتداداً تاريخياً وحضارياً لهذه الدولة المباركة، التي تأسست على نصرة الكتاب والسنة، والقيام على أصل الأصول، وأساس الأمن، وأوجب الواجبات: توحيد الله جل وعلا بصورته الصافية النقية كما نزلت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حامية هذا الأصل مما يشوبه ويكدره، محققة لجوانبه، محاربة كل مظاهر الشرك والبدع والانحراف، ومع تمسكها بهذه الثوابت العظيمة التي هي أساس العز والتمكين، وسبب كل خير عميم إلا أن ذلك لا يمنعها من التعامل مع متغيرات العصر، وتفاعلات الواقع، آخذة بكل سبب يؤدي إلى النهوض والارتقاء، وبلوغ الريادة والعالمية، وتجاوز الأزمات والفتن، والنوازل والمحن، والمهددات والمخاطر بكافة أنواعها وأنماطها، وصورها وأشكالها. وهي ذكرى عظيمة لملك همام، وقائد فذ، وحاكم استثنائي، قاد وطننا إلى مواقف العزة والكرامة، وقرارات الحكمة والحنكة والسداد، ليختصر بها مسافة الزمن في منجزات مباركة، حقق بها لوطنه وشعبه ما تعجز لغة الإحصاء أن ترصده، بل للعالم أجمع، نَعَم إنها ذكرى بيعة الولاء والوفاء والعطاء والنماء، والسؤدد والعز لإمامنا المبارك ومليكنا المفدى،، خادم الحرمين الشريفين، المليك المفدى، سلمان بن عبد العزيز آل سعود - أمده الله بعونه، وأدام عليه نعمه. دلالات عظيمة * في ذكرى البيعة نستصحب دلالات عظيمة من منظور البعد الديني ومن ناحية شخصية القائد الذي بايعناه على السمع والطاعة.. ما أبرز هذه الدلالات؟ - هي دلالات عظيمة، ومؤشرات مهمة ومن أهمها على البعد الديني تأكيد قيام دولتنا المباركة على الثوابت الشرعية، والأصول الراسخة في الجماعة والإمامة، وفي كل شؤون ومناحي الحياة، فالبيعة تأكيد لهذا التلازم بين الثوابت والأسس، والتفاعل مع كل عصر بما يناسبه، فلا يمكن التقدم والتطور إلا إذا كانت تلكم الأصول منطلق الحكم والتحاكم، ومن دلالاتها ترسيخ شرعية هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم التي هي أساس القوة الداخلية، واللحمة والوحدة الوطنية، وقد وردت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء في الأمر بالتمسك بالجماعة ونبذ الفرقة، فقال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، ولهذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: أمَرَهُم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديثُ المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف كما في صحيح مسلم من حديث سُهَيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثاً، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثاً، يَرْضى لَكُمْ: أنْ تَعْبدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وأنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، وأنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاهُ اللهُ أمْرَكُمْ؛ وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثاً: قيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وإِضَاعَةَ الْمَالِ». ولا شك أن البيعة الشرعية تقتضي السمع والطاعة، والوفاء والتكاتف والتعاون والنصح لولي الأمر، ومن النصح: الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل، فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإصلاح وإماتة الشر والقضاء عليه، وإقامة الخير، لأن المقصود من الولايات كلها: تحقيق المصالح الشرعية، ودرء المفاسد، وذلك كله يعني أن يحقق كل مواطن ومواطنة معاني وقيم المواطنة الصالحة، والانتماء الصادق لهذا الوطن المعطاء، وكل هذا يؤدي بتوفيق الله إلى أن ينعم الجميع بالأمن والاستقرار ورغد العيش، والتنمية في شتى المجالات وهو ما نعيشه بحمد الله واقعاً ملموساً في هذه البلاد ببركة تحقيق ولاة أمر هذه البلاد المباركة ومواطنيها الشرفاء لهذه المعاني الشرعية الراسخة ولله الحمد والمنة. حنكة القائد حفظت ثوابتنا ووحدتنا * يقود الملك سلمان سفينة المملكة والمنطقة من حولنا تشهد اضطرابات وفتناً وبلادنا بفضل الله ثم بحنكة القيادة تواجه تحديات هذه المرحلة بكثير من العزم ووضوح الرؤية.. كيف تفاعلتم مع سياسة الحزم التي يقودها الملك سلمان لمواجهة هذه التحديات والمهددات؟ - توارد الفتن، وتوالي المحن، وتعاظم المتغيرات من سمات هذا الزمن يخبر عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حذر منها ومن آثارها، وأخبر وأنه كلما تقادم العهد كانت الفتن مدلهمة، وقال: «إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها»، ولهذا فهذا الخبر الذي يعد من معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتجسد في واقع الأمم اليوم، لكن تركزت الوصايا في الفتن على الأخذ بالمنهج الشرعي، ولزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما، وكما ذكرت سابقاً فإن هذه البلاد تأسست على نصرة الكتاب والسنة، والقيام على أصل الأصول، وأساس الأمن، وأوجب الواجبات: توحيد الله جل وعلا بصورته الصافية النقية كما نزلت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حامية هذا الأصل مما يشوبه ويكدره، محققة لجوانبه، محاربة كل مظاهر الشرك والبدع والانحراف، هذا أحد الأسس التي تعصم من الفتن، ويحفظ الله بها بلادنا التي لازمت هذه الأصول والثوابت، ومع تمسكها بهذه الثوابت العظيمة التي هي أساس العز والتمكين، وسبب كل خير عميم إلا أن ذلك لم يجعلها بمنأى عن مظاهر التطور والتقدم، ومعالم الحضارة، بل إن تمسكها بهذا الدين بوسطيته وشموليته ومقاصده، مكنّها من التعامل مع متغيرات العصر، وتفاعلات الواقع، آخذة بكل سبب يؤدي إلى النهوض والارتقاء، وبلوغ الريادة والعالمية، فهذا المنهج الرشيد، والمسلك السديد هو ما قامت عليه دولة التوحيد وحافظ عليها الملوك الكرام، واستمر قوياً ثابتاً راسخاً صامداً أمام متغيرات الواقع، وتحولات الزمن، وهو ما برز في عهد ملك الحزم والعزم، والوفاء والتأريخ الذي يعد مدرسة في هذا، ولهذا نجد أن معالم المنهج الشرعي في الفتن، ووصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للسلامة فيها كانت ظاهرة في سياسة ولي أمرنا حماية للدين ودفاعاً عنه، في نشر مبادئه وقيمه ودعائمه، وإحقاق الحق، ونشر العدل، ومقاومة الإرهاب والعدوان والفساد والإفساد، وما يؤدي إلى ذلك من أفكار وجماعات وتيارات وتنظيمات، وإقامة حكم الله فيهم، مترسمين منهج سلف هذه الأمة، وهم أقرب الناس إلى شعبهم محبة وعطفاً وشفقة، وقلوبهم مفتوحة، وأبوابهم مشرعة، فبادلهم الشعب حباً بحب، ووفاءً بوفاء، وأثبتت مواقف المحن، وأزمنة الفتن أنهم معدن ثمين، وكنز نفيس، يظهر أصالته في هذه الأزمات، لينحسر عن لحمة متأصلة تستعصي على الفرقة والاختلاف بإذن الله، ومع كل هذا كانت القرارات الحازمة، والرؤى النيرة، وحزمة الأنظمة التي حددت الإطار الوطني للدولة الحديثة، والقرارات والأوامر الملكية التي حفظت ثوابت هذه البلاد، وعززت وحدة هذا الوطن، وقطعت طريق المزايدة ودعاة الفتن، ومواقف إقليمية ودولية حازمة كانت بعد حفظ الله وتسديده، سبباً في قطع دابر الشر، وحفظت هيبة هذه البلاد، بل وقوتها في المشهد الدولي، وجعلت من المملكة واحة آمنة مستقرة في محيط مضطرب يتقلب بالفتن والمدلهمات والحروب والصراعات، وما من شك أن كل مواطن مسؤولاً أم غير مسؤول هو جزء من هذا الواقع الذي يعيش هذا الحكم الراشد، والمسؤولية الشرعية والوطنية، تحتم على الكل أن يحقق هذه الطموحات، كيف لا وهي أمر الله وعهده للجميع، وهذا حالنا جميعاً ودورنا في تنمية بلدنا وحمايته من المؤثرات، فنحمد الله جل وعلا على هذه النعمة ونسأله أن يجنب بلادنا وبلاد المسلمين عامة كل شر وفتنة. المملكة قوة عالمية مؤثرة * خادم الحرمين الشريفين يتمتع برصيد ضخم من الخبرة في المعترك السياسي وقد نجح في استثمار هذا الرصيد في تعزيز دور المملكة الدولي وبناء شراكات إستراتيجية متعددة.. كيف ترون حضور المملكة في المشهد الدولي اليوم؟ - خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله تعالى - وهبه الله عز وجل من الخلال والخصال ما يتمكن به بعد توفيق الله من جمع الكلمة، وحشد القوى، وإقامة التحالفات على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فأصبح وطننا الغالي بفضل الله قوة مؤثرة، وثقلاً عالمياً لا يمكن تجاوزه في أي محفل، بل أصبح سبّاقاً إلى كل ما فيه نفع الأمة العربية والإسلامية، بل والمجتمع الدولي قاطبة، واستحق هذا الوطن الغالي على إثره تصدر المشهد وتبوّء القيادة، هذه المكانة المستحقة والمنزلة اللائقة به كوطن هو أصل، الأوطان وبلد الرسالة، ومهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومأرز الإيمان، وكان محل التقدير والثناء، الإشادات المتوالية، وما قمم الرياض التأريخية، والتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة التطرف والإرهاب، إلا أكبر شاهد ودليل، فقد قادت هذه البلاد الغالية، والمملكة الآمنة، والدولة الفتية هذه القمم، وعقدت هذه التحالفات، وحشدت هذه الدول بقدرة وقوة وعزيمة، وحكمة وحنكة، جعلت الكل يتفاعل مع المشهد ويسجل الحضور اللافت، ويدرك أن هذه المرحلة تتطلب تغليب لغة العقل والحوار، ومنطق الاجتماع والائتلاف، ومبدأ الوسطية والاعتدال، وأن الواقع المليء بالصراعات والدموية والعنف، والصور التي أفرزتها مبادئ ضالة، وأفكار منحرفة، وتيارات طائفية، وجماعات إرهابية، ومشاكل تراكمية يمكن للعقلاء أن يوجدوا منه مخرجاً، ويتجاوزوا بحكمتهم، ونظرتهم البعيدة، وفكرهم النير، وبصيرتهم الثاقبة، كل تعقيدات الواقع، وتداعياته وآثاره، يسند كل ذلك النية الصالحة، والإخلاص الظاهر، والمبادئ الشرعية والإنسانية التي يتطلع إليها الجميع لتكون منقذاً من هذه الواقع المتأزم، ولهذا كانت هذه الخبرة وهذا الرصيد الضخم الذي يتمتع بها مليكنا المفدى سبباً في تصدر المملكة للمشهد العربي والإسلام والدولي، واعتراف العالم أجمع بالدور القيادي لهذه البلاد المقدسة. الرؤية ٢٠٣٠م * أحد التحديات الكبيرة كان الوضع الاقتصادي بعد الانخفاض في أسعار البترول وقد تعامل الملك سلمان برؤى جريئة ومبادرات جسدتها رؤية المملكة 2030.. كيف ترون مستقبل المملكة على ضوء أهداف هذه الرؤية وما توقعاتكم لمسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟ - نحمد الله سبحانه وتعالى أن وفق خادم الحرمين الشريفين لهذه الخطوات الموفقة، والإجراءات المسددة، والتعامل العالي مع الملفات الاقتصادية الضخمة، وتلك المبادرات والرؤى النيرة التي تتعامل مع الحاضر وتستشرف المستقبل من أجل التوجه نحو تنويع مصادر الدخل، ورفع مستوى الإسهام، والمشاركة في البناء من الجميع، وبما يستوعب التحولات المختلفة إقليمياً ودولياً وتوقعات المستقبل وخططه بصورة تدريجية واقعية في أولويات مرتبة، تلك الخطوات الإبداعية أسهمت فيما نراه اليوم واقعاً ملموساً في طريق تعزيز قوة الاقتصاد واستدامته، ومتانة أسسه ومرتكزاته، ولغة الأرقام تثبت أن تلك الخطوات قد حققت الهدف المنشود، والأمل المعقود من رسمها، وتأطيرها، وها هو الواقع يشهد تطبيقات تعد ثمار هذا التخطيط، وأهمها المشاريع الكبرى التي تعد حلم الوطن، وطموحات القيادة. الوحدة الوطنية الحصن الحصين * ونحن نحتفي بذكرى البيعة تبرز أهمية وقيمة الوحدة واللحمة الوطنية للحفاظ على استقرارنا ومكتسباتنا الوطنية.. كيف يمكننا تعزيز أهمية هذه اللحمة الوطنية والمحافظة عليها وعلى مكتسبات الوطن أمام تربص الأعداء؟ - الوحدة والتلاحم بين الراعي والرعية، وبين المسلمين هي الحصن الحصين من دعوات الشر والفتنة والانقسامات والمظاهرات ولا شك أنها أمر يستحق الشكر، وهو دليل على خيرية وقوة وعزة الوطن الذي يتميز بها، ولذا يُذَكِّر الله رسوله وخليله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بنعمة الألفة والوحدة فيقول: «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم»، فالله هو الذي يعطي المحبة وينزعها، وهو الذي يجمع القلوب ويؤلفها، وهي لاشك لا تحصل إلا بعمل جليل، يعامل به المسلم ربه ويصدق مع الله، فيصدقه الله ويكتب الله له القبول في الأرض كما ورد في الحديث: «إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال إني أحب فلاناً فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: «إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض»، ومنبع الخيرية فيها أنها عائدة إلى الأصول والثوابت والرواسي، فمنطلق الرعية في تعاملهم مع ولاة أمرهم ومحبتهم لهم هو عبوديتهم لله عز وجل بهذا الأصل العظيم الذي هو وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصية المودع: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وأن تأمر عليكم عبد»، وأمره - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله عن النجاة من دعاة الفتنة والخروج على الحكام بقوله: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، ومشاعرهم تجاه ولاة أمرهم هي عبودية أيضاً: «خيار أئمتكم من تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم»، «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي السلطان المقسط»، وولاة الأمر في المقابل يستشعرون عظم المسؤولية وثقل الأمانة، ويعيشون هموم الوطن والمواطنين، ويرون أن سعادة المواطن سعادة لهم في مشاعر متبادلة، فالشعب الوفي، وأبناء هذا الوطن يعبرون بعفوية عن هذه المشاعر، وولاة أمرنا وعلى رأسهم مليكنا المفدى يبادلهم الحب بمثله. محاربة الإرهاب والتطرف * محاربة الإرهاب هدف إستراتيجي للمملكة، كيف ترون جهود المملكة في هذا المجال ودورها المهم كشريك للمجتمع الدولي في مواجهة هذه الآفة؟ - لا يوجد بلد عاني من الإرهاب وحاربه وتصدى له عسكرياً واقتصادياً وفكرياً كما فعلت المملكة العربية السعودية، والعالم أجمع يقر بما قامت به المملكة العربية السعودية في هذا المجال، فالمملكة رائدة في التصدي لخطر التطرف والعنف والإرهاب مهما تنوعت طرقه وأساليبه ومسمياته، وهذا الدور ولا شك نابع من دورها القيادي في خدمة الإسلام والمسلمين والتصدي لكل من يحاول تشويه صورته من أعداء الإسلام تنقيته من التهم التي يريدون إلصاقها به، وهذا الالتزام ولله الحمد يبين لنا الموقف من المحن والتقلبات والمشكلات والتحولات التي يمر بها العالم الإسلامي والعالم أجمع ويساهم في القضاء على كل أشكال الغلو والعنف والتطرف والإرهاب، ويعالج أسباب التفرق والتنازع وشق الصف، ولاشك أن الحديث في هذا الدور الرائد والمحوري يطول ولا يمكن الإحاطة بجوانبه ومنجزات الدور السعودي الأصيل فيه لكثرة الإنجازات والانتصارات التي سيسجلها التأريخ الحديث إسلامياً وعالمياً لقائدنا الملهم، ومليكنا المسدد - حفظه الله. فعاليات ومؤتمرات * جامعة الإمام تميزت بتنظيم فعاليات ومؤتمرات متعددة تصب كلها في خدمة الوطن وتعزيز الأمن والاستقرار.. كيف وجدتم أصداء هذه المساهمات وإلى أي مدى حققت أهدافها؟ - لقد تحقق لقطاع التعليم في هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-من المنجزات والإسهامات النوعية، بلغت فيه جامعاتنا مبلغاً نفاخر به جميعاً، وقدمت ما يدعم مسيرة التطور والنماء ولله الحمد، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي تلقى رعاية خاصة ودعماً متواصلاً، وتشرف مناسباتها وفعالياتها المختلفة بالرعاية الملكية الكريمة والدعم والمساندة الدائمة، بما يحمل القائمين عليها مسؤولية مضاعفة لتحقيق تطلعات ولاة أمرنا أيدهم الله فيها، وتنفيذ توجيهاتهم، ولهذا فما تقوم به الجامعة هو في الحقيقة تنفيذ لتلك التطلعات والتوجيهات، وفي إطار الخطط والرؤى التي يأمر بها ولاة الأمر -حفظهم الله ورعاهم- وتلك البرامج حققت ولله الحمد الغاية المنشودة منها، وساهمت في خدمة أهداف الوطن، ورعاية أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات، وقدمت التوجيه وساهمت في رفع مستوى الحصانة الفكرية في وجه المهددات والمخاطر والتجنيد الذي يسعى من خلاله أعداء الإسلام وأعداء هذه البلاد إلى زرع الفتنة، وشق الصف، وتفريق المسلمين في هذه البلاد، ولذا كانت هذه البرامج والفعاليات التي حظيت ولله الحمد بنجاحات وقدمت إسهامات نوعية في هذا الإطار. * كلمة أخيرة تختم بها اللقاء في هذه المناسبة المجيدة؟ - نسأل الله سبحانه أن يمكن لإمامنا وولي أمرنا، وأن يسدد قوله وفعله، ويجعله من أنصار دينه وأعوانه، وممن يجدد الله بهم الدين في هذا العصر، كما نسأله سبحانه أن يحفظه بحفظه، ويكلأه برعايته، ويمده بعونه، وأن تمر علينا هذه الذكرى أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، ووطننا إلى عز وخير وتقدم، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين. ونشكر لكم هذا اللقاء.
مشاركة :