بديعة كشغري شاعرة سعودية تنتقد مجتمعها بجرأة وحرية قدّم المبدعون السعوديون الكثير للأدب العربي، رغم الحراك الاجتماعي الذي شهدوه على مر عقود، لكن اللافت مؤخرا هو ارتفاع عدد المبدعات والكاتبات السعوديات، اللواتي قدّمن للساحة الثقافية العربية نصوصا مختلفة، تبتعد عن السائد في الكتابات النسوية، ممزقات الحدود النسوية في الأدب، ليتطرقن إلى الواقع الاجتماعي وواقع الإنسان السعودي والعربي ككل. “العرب” التقت الشاعرة السعودية بديعة كشغري في حديث حول المرأة السعودية المبدعة وتصوراتها.العرب حسام عبدالقادر [نُشر في 2017/12/22، العدد: 10850، ص(15)]اللغة حررتني من القيود عندما قابلت الشاعرة السعودية بديعة كشغري، في ديوانية الشعر العربي بمكتبة الإسكندرية، أدركت للوهلة الأولى أنني أمام شاعرة ومثقفة مختلفة، متمردة، قامت بكسر كل القيود والأسوار، ترفض لبس العباءة، وترفض أن تكون شخصًا عاديًّا بالمجتمع. هي ليست مبدعة تكتب شعرًا جميلاً فحسب، بل تحمل هموم وطنها، وتعبّر عنه في قصائدها، وتحاول مناقشته خلال الندوات التي تشارك بها، وفي جولاتها حول العالم، وهي أيضًا شاعرة متجولة دارت معظم أنحاء العالم، واستطاعت أن تكون لها وجهة نظر مختلفة في الحياة منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها. أرفض العباءة نشأت كشغري وسط أسرة مختلفة عن كثير من الأسر السعودية التي كانت متشددة– وما زالت إلى حد كبير- في هذه الفترة، ومن الصعب أن يكون للفتاة دور أو حياة خاصة بها، ليس هذا فقط، بل وتعمل وتخرج للحياة الاجتماعية، وتسافر للتعليم في أوروبا. إلا أن بديعة رفضت بشدة أن تكون الفتاة التقليدية، التي تتزوج مبكرًا، وساعدها في ذلك والدتها وعائلتها. تحكي بديعة كشغري عن بداياتها قائلة “بدأت الكتابة في المرحلة الثانوية، وكنت أخبئ ما أكتبه في الأدراج، كنت مشغولة في الدراسة، وكان اسم المرأة محظورًا”. وتضيف “والدتي كانت دائمًا الوسيط بيني وبين والدي، كانت ليبرالية جدًّا، ومنفتحة رغم تدينها الكبير، وساعدني خالي على أن أسافر إلى كل أنحاء العالم وأنا صغيرة، لأصبح رحالة طوال حياتي حتى أطلقوا عليَّ ‘السندبادة الشاعرة’، كنت أستكشف عوالم جديدة، وأمرّ على المتاحف في أوروبا وأنا طالبة أنهل من ثقافتها وعلومها”. بدأت كشغري في نشر قصائدها منذ عام 1978 في الصحف السعودية، وكانت ستنشر أول ديوان لها عام 1983، ولكنها أجلته؛ لأنه كانت هناك موجة بالسعودية ضد الحداثة في هذه الفترة، كما تقول، حيث حورب كل السعوديين المنفتحين فكريًّا، فقررت تأجيل نشر الديوان حتى تستقر الأوضاع، وظلت تكتب دون نشر دواوين، حتى عام 1994 عندما نشرت أول ديوان لها.الشاعرة تمسكت بالوظيفة منذ صغرها لأنها أعطتها استقلالا، ومن ثم استقلالية في الفكر والحرية ما خدمها كمبدعة وتقول الشاعرة “زرت مرة أهلي في الطائف، فلما جاء أخي ليستقبلني بالمطار، فوجئ أني لا ألبس العباءة، فقال لي ‘الأميركيات يلبسن العباءات وأنت لا؟’ فقلت له: الأميركيات يلبسنها للمتعة، وإنما أنا لا ألبسها من أجل قضية”. وحول التطور الكبير الذي يحدث بالسعودية الآن، تقول بديعة “إن التطور الحالي الذي يحدث بالسعودية، بيد الملك سلمان وولي العهد، هو تطور طبيعي وحتمي، وفي رأيي لو كنا تركنا عجلة التطور بشكلها الطبيعي كانت الأمور ستسير، وتصل بنا لما وصلت إليه كل البلاد، بينما نحن أوقفنا التطور، ورجعنا إلى الوراء كثيرًا بسبب الأصولية المتشددة منذ الثمانينات وحتى التسعينات من القرن الماضي، التي كانوا يسمونها ‘حركة الصحوة’، وهؤلاء الإسلاميون المتشددون دمرونا”. وتضيف أن “المرأة السعودية لم تكن تظهر صورتها في الإعلام، ولذلك فسفري وإقامتي بالخارج أفادني كثيرًا، وأثر في تطوري وتكويني، وأنا في النهاية جزء من تطور المجتمع، وفي نفس الوقت كنت شاهدً عيان، وعينًا على المجتمع من خلال كتاباتي، حيث عبّرت عن كثير من ظواهر المجتمع السعودي مثل الخاطبة، والعنف المدرسي، والمحرم، والسائق، والكفيل، في قصائدي، ولي قصيدة أتحدث فيها عن وجهي كامرأة”. الاستقلالية والانفتاح حول علاقتها باللغة وعشقها لها، وكيف كانت وسيلة لعملها، تقول كشغري “أطلقوا عليّ سيبويه الأسرة بسبب حبي للغة وعشقي لها، وتعلمت العربية والإنكليزية بمجهودي الشخصي، وإصراري على التعلم، فأنا أعشق اللغة منذ صغري، وكانت سببًا في أني أعمل وسني 16 سنة، حيث وجدت نفسي مدرّسة أدرس اللغة لأطفال مرحلة الابتدائي، وكنت سعيدة جدًّا بهذا العمل الذي كنت أؤديه بحب وامتنان، وظللت أعمل بالتدريس حتى أنهيت دراستي من قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، واشتغلت بشركة أرامكو السعودية مدرّسة إنكليزية لتأهيل الموظفين، ومترجمة ومحررة بمجلة الشركة”.قصائد تحمل هموم وطن وتضيف “تمسكت بالوظيفة منذ صغري لسببين؛ الأول: أنها أعطتني استقلالاً اقتصاديًّا، ومن ثم استقلالية في الفكر والحرية. والثاني: وجدت أنّ لي تأثيرًا اجتماعيًّا هامًّا في تعليم الفتاة السعودية، فالتدريس هو منبر إعلامي، أقوم بتدريس المنهج، ولكني أنقل من خلاله فكرًا وثقافة، وتعلمت الاستقلال منذ أن سكنت بمفردي”. في سؤال خاص للشاعرة حول حياتها العاطفية، تضحك بالشاعرة، فيما تقول “تزوجت مرتين، ولم أوفّق، وقد تكون طبيعة شخصيتي المستقلة والمنطلقة سببًا في ذلك، والزواج الأول كان في 1985 من شاب سعودي، كان معجبًا بي جدًّا ومتحمسًا لإبداعاتي ولعملي، ولكن بعد الزواج وجدت أن هناك فرقًا بين النظرية والتطبيق، واستمر زواجي ثلاث سنوات ونصف السنة”. وتضيف “أما الزوج الثاني، كان شاعرًا وإعلاميًّا كنديا من أصول عربية، وكانت بيننا مراسلات ترقى للمراسلات الأدبية، تزوجنا عام 1998، واستقلت من الشركة من أجل أن أسافر معه إلى كندا، ولكن بعد الزواج اكتشفت كثيرًا من الأمور التي لم أكن أعرفها، ما كان صادمًا لي، فقررت الانفصال”. وتقول “أقمت في كندا 8 سنوات، حتى بعد الانفصال، وتعلمت الكثير من المجتمع الكندي، وأصدرت هناك ثلاثة دواوين، وترجمت لي كثير من الأعمال”. يعرف عن الشعراء مواقفهم السياسية وانحيازاتهم الاجتماعية لصالح المهمشين، وهو ما تؤكده بديعة كشغري التي تشير إلى أنها كانت لها وقفة مع الشعر السياسي، وكتبت عن أطفال العراق وفلسطين، ومنذ تلقت قرار ترامب الأخير حول القدس، لم تستطع النوم، فهو يوم أسود في تاريخ الأمة العربية والإسلامية فالقدس لها قداستها، مشبهة وعد الرئيس الأميركي بوعد بلفور”. تقول الشاعرة “إن ما يؤلمني أكثر هو الانكسار الذي تعاني منه الأمة العربية، والصمت الذي يخيّم على شعوبها من مثل هذا القرار، فهي أبشع مرحلة يمر بها العرب الآن، وأشعر كمثقفة الآن باكتئاب ثقافي وإنساني، وأشعر أني ملجمة، لا أستطيع الكلام”.
مشاركة :