تشكل دورات الاندماج بداية الطريق للاجئين والمهاجرين لكي يندمجوا في المجتمع الألماني. وتتعدد خيارات اللاجئين بعدها، فبعضهم يرغب في الحصول على تدريب مهني، وبعضهم يريد إكمال دراسته، بينما يسعى البعض الآخر للعمل. بدأ الدرس ككل يوم في الساعة التاسعة صباحاً، لكن تركيز الدرس هذه المرة لن يكون على قواعد اللغة الألمانية، فقد أنهى معظم هؤلاء الطلاب دورة اللغة الألمانية التي يقدمها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، لذلك سيتعرفون في هذا الدرس على الحياة في ألمانيا من خلال "دورة التوجيه". يشكل هذا الصف في إحدى المدارس الشعبية العليا في مدينة كولونيا الألمانية، لوحة فسيفسائية من حيث جنسيات الطلاب الجالسين فيه، فعلى اليسار هناك عدة طلاب من سوريا وبينهم فتاتان من كردستان العراق، بالإضافة إلى شاب من إيران وفتاة أفغانية، وعلى اليمين فتاتان من إفريقيا وبجانبهما امرأة من أوكرانيا، وعلى يمينهما رجل من العراق وفتاة من إقليم البنجاب في الهند. أنهى معظم الطلاب الجالسين هنا دورة تعلم اللغة الألمانية التي تتكون إما من 900 ساعة دراسية لمن هو تحت الثامنة والعشرين من العمر، أو 600 ساعة دراسية لمن يتجاوز عمره ذلك، والآن سيتعلّمون أكثر عن التقسيمات الإدارية والحياة السياسية في ألمانيا في دورة تتكون من 100 ساعة دراسية، ليقدموا بعدها امتحاناً يسمى بـ"الحياة في ألمانيا" ويتكون من 33 سؤال. ها قد بدأت المعلمة الخمسينية ذات الشعر الأبيض في كتابة النشيد الوطني الألماني لتشرح معانيه للطلاب الذين تظهر من ابتسامتهم أنهم يستمتعون بالمعلومات التي يتلقونها. يردد الطلاب "Einigkeit und Recht und Freiheit" (الوحدة والقانون والحرية) وهو أول سطر في النشيد الألماني. أحد الصفوف في إحدى المدارس التي تقيم دورات الاندماج في مدينة كولونيا الألمانية فرصة للتدريب المهني قبل انتهاء الدورة تقول الطالبة السورية سلفانا محمد لمهاجر نيوز إنها استفادت كثيراً من دورة الاندماج، وتتابع: "كانت دورة اللغة الألمانية سهلة بالنسبة لي، فقد كنت أواظب على الدراسة حوالي 4 ساعات يومياً". وتريد الفتاة المثابرة التي تبلغ الثالثة والعشرين من العمر أن تكمل المستويات اللغوية المتقدمة كي تستطيع أن تحصل على فرصة للتدريب المهني في مجال الكيمياء. بينما استطاع زوج سلفانا، فرهاد جافو، أن يحصل على مقعد للتدريب المهني في مجال تركيب أنظمة التدفئة المركزية، حتى قبل أن ينهي دورة الاندماج بعدة أسابيع. وتريد الأختان هفوك وهاجر واللتان قدمتا إلى ألمانيا قبل سنتين من كردستان العراق أن تسلكا طريق التدريب المهني بعد انتهاء الدورة، فالأولى تريد أن تصبح بائعة، والثانية ممرضة. تقول الأختان لمهاجر نيوز إنهما لاقتا صعوبة في التحدث بالألمانية، لكنهما الآن تتحدثان الألمانية حتى في المنزل. تقول المعلمة إنغابورغ كرويتس لمهاجر نيوز إنها تعتقد أن الطلاب يسيرون على الطريق الصحيح للاندماج، وتتابع: "العديد من طلابي الآن يتحدثون الألمانية بشكل جيد رغم المدة القصيرة لوجودهم في ألمانيا". العديد من الطلاب يحتاجون لإكمال تعليمهم لكن ما لاحظته المعلمة، كما تقول، هو أن بعض الطلاب لم يكملوا دراستهم في بلدانهم، ويحتاجون لشهادة البكلوريا حتى يستطيعوا أن يدخلوا الجامعة، كما أن بعض المدارس المهنية أيضاً تشترط حصول الطلاب على شهادة الصف العاشر كحد أدني لكي يتم قبولهم، وتضيف: " أقول دائماً للطلاب أن عليهم أن يحاولوا إكمال الدراسة، أو تعديل شهاداتهم بشكل موازٍ لدراسة اللغة الألمانية كي يوفروا المزيد من الوقت". كما أن بعض الطلاب الآخرين كانوا قد بدأوا الدراسة في الجامعة لكنهم يحتاجون لإكمال تعليمهم الجامعي أو تعديل شهاداتهم. يقول الطالب السوري عبدالله اصطيفي إنه يرغب في إنهاء دراسته في الهندسة المدنية، حيث إنه شارف على إنهاء دراسته في سوريا، لكنه اضطر بسبب الأوضاع الأمنية أن يهاجر قبل أن يستطيع إكمالها. يقول اصطيفي لمهاجر نيوز: "أرغب في الوصول لمستويات أعلى من اللغة الألمانية كي أستطيع أن أنهي دراستي في الجامعة". ليس كل الطلاب الجالسين هنا لاجئون، فمنهم بعض المهاجرين بشكل قانوني أيضاً. تقول تتيانا لوتسينسكا التي أتت من أوكرانيا إلى ألمانيا قبل حوالي سنتين إن دورة الاندماج تشكل أساساً للمهاجرين من أجل تعلم الألمانية، لكنها تعاني كغالبية الطلاب من مشكلة التحدث، وتتابع: "سأبذل جهوداً أكبر لتحسين لغتي". وتريد الفنانة التشكيلية الأربعينية أن تكمل المستويات الأخرى من اللغة الألمانية كي تستطيع ممارسة مهنتها في ألمانيا. من اليمين.. سلفانا محمد من سوريا وتتيانا لوتسينسكا من أوكرانيا ضرورة الاختلاط لتعلم اللغة لا تخفي المعلمة أنها لاقت صعوبات خلال دورة اللغة، وتتابع: "أكثر ما شكل تحدياً بالنسبة لي هو إيصال المصطلحات والمفردات إلى الطلاب حيث أن غالبها كان غريباً عليهم، فقد تكون أسماء لقوانين أو أشياء غير موجودة في بلدانهم الأصلية"، موضحة أن الخلفية المهاجرة لزوجها هو ما ساعدها على شرح المفردات للطلاب بلغاتهم أحياناً، فهي تتقن الفارسية والروسية والإنجليزية، إلى جانب الإسبانية. وتؤكّد الطالبة الهندية بارميندر كاور التي قدمت إلى ألمانيا قبل عامين صعوبة المصطلحات والمفردات الألمانية، وتضيف: "لدينا لم تكن القوانين بهذا التعقيد الموجود هنا، لذلك وجدت بعض الصعوبة في فهم الكثير من المفردات". كاور البالغة من العمر 21 عاماً تريد أن تعمل كمساعدة صيدلانية أو كبائعة وذلك بعد أن تحصل على فرصة مناسبة في التدريب المهني في هذا المجال. ليس هناك عمر متقدّم للتعلم تنصح المعلمة الطلاب بالمشاركة في النشاطات الاجتماعية كوسيلة لتحسين اللغة، وتضيف: "أحاول كثيراً أن أجعل الطلاب يتحدّثون، لكن اختلاطهم بالألمان سيساعدهم أكثر على تحسين اللفظ لديهم". ويؤكّد الطالب السوري جمال جلو أن أكثر ما ساعدهم في تعلم الألمانية هي معلمتهم التي تحاول أن تجعل الجميع يفهمون كل شيء، على حد قوله. ويرغب الشاب الذي يبلغ الثانية والعشرين من العمر أن يكمل تعليمه المدرسي كي يستطيع أن يحصل على فرصة للتدريب المهني كمصمم أزياء. حتى اللاجئين القدامى يستفيديون من هذه الدورات، مثل محمد حيدري الأربعيني والذي يقيم في ألمانيا منذ 22 عاماً. يقول حيدري الذي يتحدث الألمانية بطلاقة رغم بعض الأخطاء القواعدية إنه يستفيد من دورة الاندماج لتحسين قواعده في اللغة الألمانية، ويتابع: "تعلمت الألمانية من خلال التلفزيون والصحف، لكنني لم أكن أستطيع قبل الدورة التفريق بين أدوات التعريف في حالاتها الإعرابية المختلفة". ويسعى حيدري على الحصول على عمل بعد انتهاء الدورة. ولا يخلو الدرس من بعض التعليقات الطريفة من قبل بعض الطلاب والتي تعكس المقارنة الدائمة التي يجريها الطلاب اللاجئون بين بلدانهم الأصلية وألمانيا، فعندما قالت المعلمة إن عدد الوزراء في ألمانيا يبلغ 13 وزيراً، بدى الاندهاش على وجوه بعض الطلاب، وقال أحدهم وهو يبتسم: "لدينا في سوريا ثلاثة أضعاف هذا العدد من الوزراء، دون أن يستطيعوا إنجاز أي شيء". محي الدين حسين - مهاجر نيوز
مشاركة :