الحرب ضد الإرهاب لا تزال مستمرة في الشرق الأوسط

  • 12/24/2017
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

سليمة لبال | استبشر العالم خيراً بنتائج العمليات التي شهدها العراق وسوريا مؤخرا وانتهت باسترجاع كثير من الأراضي من قبضة «داعش»، ولكن هل سقوط الدولة الإسلامية، وخسارتها الرقة والموصل، يعنيان نهاية الإرهاب، أم أن «داعش» يواجه المرحلة ذاته التي واجهها تنظيم القاعدة بعد أحداث الــ11 سبتمبر 2001؟ تطلّب دحر «داعش» من الموصل والرقة، عاصمتي الخلافة الاسلامية في الشام والعراق، ثلاث سنوات من العمل والتخطيط العسكري. لكن رغم الخسائر التي واجهها المتطرّفون الذين كانوا يرغبون في قلب النظام السوري، والسيطرة على جزء من الأراضي العراقية، إلا أن الظروف التي سمحت بتعزيز صفوفهم، لا تزال قائمة في الشرق الاوسط. وكان رئيس الوزراء الفرنسي الاسبق ألان جوبي قد قال خلال لقاء مع جمعية الصحافيين الدبلوماسيين «إن الارهاب تحدٍّ عالمي، لن ينتهي بسقوط الرقة، والمعركة الحقيقية الآن هي بين الاسلام المستنير والظلامية». لقد غذّى النظامان السياسيان في بغداد والعراق، الثورة بسبب تهميشهما للسنة، فيما تدخلت الميليشيات الشيعية في المعارك ضد «داعش» في الموصل العراقية، من اجل الحفاظ على نظام بشار الأسد في سوريا، وأما نفوذ ايران المتصاعد في الدولتين، فليس من طبيعته طمأنة الاقليات، ويقول جوزيف باهو المختص في الشأن السوري الباحث في مؤسسة كارنيغي: «لن تفيد الحرب ضد داعش بشيء ما دامت من دون تشكيلة سياسية طموحة ومن دون حكومة تمثل الأقليات ومن دون علاج حقيقي لجذور الإرهاب الإسلاموي». وتوجد عوامل أخرى أدت إلى تجذر الإرهاب في المنطقة وفق نيكولا تينزر، الذي يرأس مركز الدراسات والتفكير من أجل العمل السياسي ومدير مجلة لوبونكي حيث يقول: «يتطرف الإخوان المسلمون في مصر في السجون، وليبيا لا تزال تعاني من عدم الاستقرار، من دون أن نعد الاطفال السوريين المحرومين من التعليم منذ ستة أعوام، والذين يكنون مشاعر كره وحقد عميق لبشار الاسد وحلفائه الروس والإيرانيين.. هؤلاء فرائس سهلة لاي فكر متطرف». فبالطريقة ذاتها نجا تنظيم القاعدة بعد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضده بعد احداث الــ11 سبتمبر، وسيستمر أيضا تمرّد الجهاديين في الشرق الاوسط وغيرها من نقاط العالم، ويبدو أن الامتيازات التي يتوافر عليها «داعش» كثيرة، من صحراء سيناء المصرية الى جنوب الفلبين، مرورا بليبيا وافريقيا جنوب الصحراء وافغانستان، وآسيا الوسطى. من المؤكد أن المنظمات الإرهابية التي كانت هدفا لطائرات قوات التحالف وحلفائها المحليين ستضطر الى تغيير التكتيكات والاستراتيجيات، بعد أن استعدت خلال الأشهر الاخيرة لتتحوّل الى مجموعة سرية في العالم. وأما عودة الجهاديين المعلن عنها الى اوروبا فهي خبر سيئ آخر، وهنا يضيف نيكولا تينزر: «لا يمكننا سوى أن نسعد بسقوط الرقة ولكن انهيار الخلافة لا يعني نهاية الإرهاب، نحن امام مجموعات متعددة القيادات والرؤوس، ويمكن ان تعيد تشكيل نفسها وتعثر على أراض صيد جديدة». ماذا عن الحرب في سوريا؟ على الرغم من أن العواصم الغربية تتحدث عن إعادة بناء سوريا مستقبلا، فإن الصراع سيستمر، ذلك ان هزيمة «داعش» لم تطرد اشباح الحرب، الذين يوجدون في المنطقة، في حين غيّرت التدخلات العسكرية في سوريا، خطوط القوة في الشرق الاوسط وقلبت التحالفات وعززت التطورات الحاصلة الآن. وأما على الجبهة الداخلية فنظام بشار الاسد مطمئن بفضل دعم وسخاء كل من طهران وموسكو وهذا لا يبشّر بالخير، ذلك ان جراح المعارضة السورية، التي قمعها النظام لم تلتئم بعد. وعلاوة على كل هذا ضاعف تزايد نفوذ ايران في المنطقة، كراهية وحقد المعسكر السني، الذي يوجد في حالة دفاع وكذلك الاسرائيليين، الذين لطالما اعتبروا طهران اكثر تهديدا لهم من «داعش»، ويقول دبلوماسي اسرائيلي إن التطورات الأخيرة في لبنان تؤكد أن اسرائيل محقة ويضيف: «مع زوال داعش، تفرض ايران نفسها مدعومة بحزب الله اللبناني، كأهم قوة في المنطقة». من جهته، أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو انه لن يسمح للجمهورية الاسلامية التي تزود «حزب الله» بالصواريخ، بان تفتح جبهة جديدة على حدودها، ولكن بذور حروب مستقبلية توجد على ايضا على الاراضي الكردية. تراقب تركيا اليوم بأقل مستويات ضبط النفس طيران الكرد فوق الاراضي السورية، في حين حكومة بغداد والقبائل العربية في سوريا غاضبة من نهج الكرد في كردستان العراق وتنظيمهم استفتاء للانفصال عن العراق في الــ25 سبتمبر الماضي. مَن أبرز المنتصرين؟ يبدو المحور الروسي ــــ الإيراني ابرز رابح من انهيار تنظيم داعش، فإيران وروسيا تمكنا من ملء الفراغ الذين تسبّب فيه الانسحاب الاستراتيجي الاميركي وعجز الأوروبيين، واليوم انهيار الدولة الاسلامية. وهكذا تُعزّز ايران يوما بعد يوم، الهلال الشيعي، الذي يبدأ من طهران الى البحر الابيض المتوسط، مرورا بالعراق وسوريا ولبنان وجزء من اليمن، ووفق تحليل لمعهد دراسات الحرب فان ايران ترغب في أن تصبح قوة اقليمية مهيمنة وتطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط علاوة على تقويض النفوذ السعودي وشلّ إسرائيل، ولهذا فهي في حاجة إلى نظام صديق في دمشق لتضمن لها قاعدة قوية، يمكن ان تدعم حزب الله وتقود عمليات عسكرية ضد إسرائيل». وأما روسيا فقد استخدمت سوريا، التي أرسلت إليها قواتها في صيف 2015، لتصبح اكبر قوة على الصعيد الدولي، كما تريد ايضا إعادة بناء العالم الذي أفرزته الحرب الباردة، في وقت تضمن لها صداقة دمشق، منافذ الى البحر الابيض المتوسط لفترة طويلة عبر قواعدها العسكرية. أي أدوات يملكها الغرب؟ يقول الباحث نيكولا تينزر إن ما يميز هذه المرحلة هو صمت الغرب وسلبيته بعد إن فشل في تحويل جهوده في الحرب الى حل سياسي. فباراك أوباما حدّ من الزام الولايات المتحدة في الشرق الاوسط ودونالد ترامب يقود سياسة ملتبسة وغير واضحة. لكن، هل يغيّر سقوط داعش المعادلات؟ منذ تعيينه رئيسا للولايات المتحدة، جعل دونالد ترامب من ايران عدوه الرئيسي في المنطقة. لقد وعد بـــ «تمزيق» الاتفاق حول الملف النووي الإيراني وينوي الاعتماد على المملكة العربية السعودية واسرائيل للحد من توسع الجمهورية الإسلامية. ويقول جوزيف باهوت إن فرنسا حاولت مؤخرا اقتراح مجموعة اتصال لبعث الملف السوري بعد مفاوضات استانة، لكن الاقتراح الذي اعلن عنه إيمانويل ماكرون في سبتمبر الماضي، لا أحد ردّ عليه ويضيف «لقد اصبحنا متفرجين في سوريا وأما الاميركيون فكل شيء يفوتهم استراتيجيا، ما عادوا سوى شركاء ثانويين». غير أن الكرملين، الذي يريد إخراج الغرب من اللعبة واستخدام امتيازاته في سوريا، بما في ذلك العسكرية من اجل حل محتمل قابل للتفاوض، لم ينجح بعد في فرض السلام. هل هناك صراعات أخرى في الأفق؟ كنا نعتقد في نهاية الصيف بأن أهم المنتصرين في الحرب ضد داعش هم من شاركوا بشجاعة في المعارك التي شهدها العراق وسوريا، لكن منذ ذلك الحين بدا ان حلم استقلال الشعب الكردي بعيد المنال. ففي العراق خسروا كركوك التي استعادتها القوات العراقية بعد استفتاء انفصال كردستان وفي سوريا يمكن أن يواجه «الفيتو» التركي ورفض النظام في دمشق، حلمهم بالحصول على الاستقلال الذاتي. ووفق معهد دراسات الحرب، فإن رفض مشروع الكرد السياسي في شمال سوريا يزيد من مخاطر وقوع تمرد جديد، من شانه أن يلغي كل المكاسب الاميركية في حربها ضد «داعش»، ويعزز عودة الجهاديين الى المنطقة. ويضيف مركز البحث ذاته «ان استمرار التوترات بين الكرد والعرب السنّة يمكن ان يؤدي الى عودة الدولة الاسلامية او «القاعدة». لقد تسبب انهيار الخلافة بطريقة غير مباشرة في تحرير طاقات متفجّرة اخرى، فهل تتجه ايران الشيعية والمملكة العربية السعودية نحو صراع مسلّح؟ لقد عبّرت الرياض عن رفضها لتوسع نفوذ «حرب الله» وايران في المنطقة بعد أن لمست تهميش السنّة في الشام؛ لذلك، هي تؤكد اليوم انها لن تقبل ابداً أن يعيش لبنان مصير العراق او سوريا. ¶ لوفيغارو ¶

مشاركة :